القطايف... تاريخ من الحلوى الرمضانية
مع الأيام الأولى لرمضان يكون بيع القطايف، التي تشبه أثناء تناولها هلال رمضان، من التجارات الرائجة طوال الشهر، وكثيراً ما تجد بعض الناس قد ترك مهنته الأصلية مؤقتاً وتحول لتاجر حلويات يبيع القطايف والكنافة ومستلزماتهما طوال الشهر. وللقطايف أنواع متعددة، سواء من حيث حشوها، وحتى حجمها، فالقطايف البلدي هي أكبرها حجما ثم تليها الحمام وهي متوسطة الحجم، وأخيرا العصافيري وهي الأصغر حجما والأغلى سعرا. وتختلف الحشوات حسب الطلب والإمكانيات المادية، فتتراوح بين السكر وجوز الهند وبعض الفول السوداني لأصحاب الدخول المتوسطة، وبين المكسرات الغالية مثل الفستق والكاجو والبندق واللوز للمقتدرين، ولكن يتفق الجميع على قليها بالزيت ثم إغراقها بالعسل (الشربات).
يظن البعض أن القطايف من اختراع الفاطميين الذين ارتبطت معظم العادات الرمضانية المصرية والتقاليد الاحتفالية بهم، لكن الحقيقة أن القطايف والكنافة أيضا يعودان إلى أواخر العصر الأموي وبدايات العصر العباسي. فرغبة الحكام وقتها في طعام حلو يبقى في المعدة لأطول فترة ممكنة حتى لا يشعروا بالجوع، قاد طهاتهم إلى اختراع معجنات مسكرة مشبعة بالدهون تهضمها المعدة في ساعات طوال.
تعدد ذكر القطايف في شعر ابن الرومي وكشاجم وغيرهما من الشعراء العباسيين، ومن الشعراء من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب وصائف. ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام.
ويقال إن الخليفة الأموي، سليمان بن عبدالملك، أول من حظي بمتعة التجربة الأولى للقطايف، وظل مواظبا عليها طوال رمضان حتى ارتبطت بالشهر الكريم، ومع الوقت أصبحت القطايف ميدانا للتنافس بين الطهاة وصناع الحلوى الذين تفننوا في حشوها وصناعتها، ثم نشروها بين الشعوب العربية التي هامت بها عشقا.
مع انتشار رقعة الدولة الإسلامية انتشرت القطايف بين الشعوب المسلمة وغيرها، لكن لم تجد لها شعبية كبيرة سوى في البلاد العربية لتوافقها مع المزاج العربي المحب للحلوى شديدة التسكير وكثيرة الدسم. وتفوقت فيها مصر ولبنان وفلسطين والشام، مع اختلاف الحشوات تبعا لكل بلد.
في رمضان عام 917 هجرية أيام السلطان قانصوه الغوري؛ ارتفع ثمن السكر في مصر جداً، فكتب المؤرخ الشهير ابن إياس قصيدة لوالي القاهرة وقتها المدعو الزيني بركات، يشكو له ارتفاع سعر القطايف حتى اضطُرّ لأكل الكنافة بديلا عنها، ويقول:
وقد صرت فى وصف القطايف هائماً
تراني لأبواب الكنافة أقرع
فيا قاضياً بالله محتسباً عسى ترخصْ لنا الحلوى نطيب ونرتع وكما اختلف المؤرخون في أصل القطايف وبداية صناعتها، اختلفوا أيضا في تسميتها ومن أين اشتقت، فقيل إن أول طريقة لتقديمها كانت على شكل فطيرة عنقودية أو شجرة يقطف الضيوف منها، فسميت قطائف. وقيل إن قليها بالزيت ووضعها في القطر يجعل شكلها أقرب لقماش القطيفة المصري، ولهذا أطلقوا عليها قطيفة جمعها قطائف.
لكن اللافت أن هذه الحلوى تكاد تكون شبه موحدة في العالم العربي، وموجودة على مختلف الموائد الرمضانية في العالم العربي، وليس فقط في مصر. أما في بلاد الشام أي لبنان وسورية وفلسطين والأردن، فإنّ هذه الحلوى تنتشر بشكل كبير في عيد القديسة بربارة، حيث يتمّ توزيعها على الأولاد الذين يجولون البيوت متنكرين.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات