مواسم السينما العربية في باريس: 18 فيلماً عن الرقص والعلاقات الإنسانيّة

28 يونيو 2017
ياسمين رئيس في "فتاة المصنع" لمحمد خان (فيسبوك)
+ الخط -
تستمرّ اللبنانية هدى إبراهيم في تنظيم أيام سينمائية في باريس، تُعنى بالنتاج العربي. تريده مساحة للقاء متواضع بين نتاج، تغلب عليه أعمال شبابية تجديدية، ومشاهدين يتوزّعون على العرب والأجانب. تجعله مكاناً لمُشاهدةٍ مفتوحة على وقائع العيش اليومي، في بلادٍ مقيمة في الارتباك والقلق والتساؤلات التي لا تنتهي. تضع الشاشة الكبيرة أمام عيون مفتوحة على رغبة في المعرفة والاطّلاع، المتعلّقين بالسينما وتحوّلاتها ولغاتها وأنماط اشتغالاتها وأساليبها، وبواقع عربي إنساني، فردي وجماعي، يواجه تحدّياتٍ شتّى في يومياته.

أيام سينمائية عربية، تحمل اسم "مواسم"، وتُقام دورتها الثالثة بين 29 يونيو/ حزيران و2 يوليو/ تموز 2017. تُعرض الأفلام المختارة في صالة سينما "لا كلي". تتنوّع أشكال الأفلام وفضاءاتها الإنسانية والإبداعية. الوثائقي إلى جانب الروائي القصير والطويل، والتكريم معقودٌ، هذه الدورة، للسينمائي المصري الراحل محمد خان (1942 ـ 2016)، ويتمثّل بعرض فيلمه ما قبل الأخير "فتاة المصنع" (2014). هناك احتفاء بأم كلثوم (1898 ـ 1975)، بعرض وثائقيّ عنها بعنوان "أم كلثوم، صوت القاهرة" (2017) لكزافييه فيلتار (إنتاج "آرتي").
تقول هدى إبراهيم، إن اختيار محمد خان لتكريمه، نابعٌ من كونه أكثر مخرجي جيله حضوراً: "لم تفارقه البسمة. يزاحم النقاد العرب على مشاهدة الأفلام، يكتب عن بعضها، يمزح باستمرار، لا يتعب من سرد نكات وحكايات، معظمها متعلّق بمراحل تصوير أفلامه. يضحك من حادثة، يُتقن كيفية تحويلها إلى نكتة. إنه من رواد حركة الواقعية الجديدة، في ثمانينيات القرن الـ 20، في مصر. تناول المجتمع المديني كثيراً، وهو من أبرز المدافعين عن المرأة في مواجهة ذكورية سائدة".
أما الاحتفاء بأم كلثوم، فيأتي بعد 5 أشهر على الذكرى الـ 42 لوفاتها (3 فبراير/ شباط 2017). يتناول الوثائقيّ الجديد دورها السياسي كفنانة، وعلاقاتها بزعماء وحكام عرب. تقول إبراهيم: "معروفة هي بدفاعها المستمر عن حرية المرأة، وإن بشكل غير مباشر. أي عبر دورها الفاعل والمؤثّر في المجتمعات العربية".

في الدورة الـثالثة لـ "مواسم السينما العربية"، هناك 18 فيلماً عربياً، مُنتجة كلّها بين عامي 2015 و2017، باستثناء "فتاة المصنع" (2014). لن يكون هذا الأمر تفصيلاً عابراً. رغم أن بعض تلك الأفلام معروضٌ سابقاً، هنا وهناك، خصوصاً في باريس، إلاّ أن إمكانية حصول "مواسم" على أفلام حديثة الإنتاج، يُحسب لها، ولمكانتها ـ المتواضعة ـ داخل الحراك السينمائي المتنوّع في العاصمة الفرنسية. هذه الأخيرة مفتوحة على سينماء العالم، والنتاج البصري العربي يعثر، دائماً، على مكان له فيها. "مواسم" تؤكّد أن لهذا المكان ثباتاً، وأن لهذا التواصل أولوية، وأن لهذا الاختيار، حديث الإنتاج، معنى ثقافياً وسينمائياً وجمالياً: مواكبة الجديد، ومحاولة إيصاله إلى كل بقعة جغرافية ممكنة.

بالنسبة إلى هدى إبراهيم، يختلف الأمر: "بعض الأفلام المختارة معروضٌ سابقاً. لكنها، رغم جودتها، لم تحظ بإقبال جماهيري كبير. قوانين السوق حالت دون استمرار العرض فترة أطول، كان يُمكن لهذه الفترة الأطول أن تتيح للراغبين والمهتمين فرصة مشاهدتها. إعادة تقديمها في "مواسم" فعل تضامني ملحّ، وانتصار لهذه السينما".
إلى جانب فيلم محمد خان، هناك 7 أفلام روائية طويلة، 3 منها مصرية: "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد و"مولانا" لمجدي أحمد علي و"اشتباك" لمحمد دياب، واثنان مغربيان: "عرق الشتا" لحكيم بلعباس و"ضربة في الرأس" لهشام لعسري. بالإضافة إلى "3000 ليلة" للفلسطينية مي المصري، و"غدوة حي" للتونسي لطفي عاشور. وإلى جانب "أم كلثوم، صوت القاهرة"، هناك وثائقيان اثنان فقط: "حزام" للجزائري حميد بن عمرة، و"هامش في تاريخ الباليه" للمصري هشام عبد الخالق.

أما الروائي القصير، فله حيّز خاص به: 7 أفلام مُنتجة كلّها العام الفائت: "وفي المستقبل، سوف نأكل كل أنواع البورسلين" للفلسطينية لاريسا صنصور، و"بالأبيض" للّبنانية دانيا بدير، و"بين موتين" للسوري أمير فخر الدين (من الجولان المحتلّ)، و"نيركوك" للسوداني محمد كردفاني، و"وهران لوحكوهالي" للجزائريين محمد فيلالي وإبراهيم نوفل، و"أعدك" للجزائري أيضاً محمد يرقي، و"تكتمات السوليما" للمغربي أيوب اليوسفي.
تميل الأفلام الروائية الطويلة إلى منحى تفكيكي لأحوال اجتماعٍ وأفراد. الراهن العربي، بارتباكاته وتأثيراته المتناقضة والمضطربة، حاضرٌ بفعالية فيها (الأفلام المصرية الـ 3 مثلاً). سجون الاحتلال الإسرائيلي (3000 ليلة) فضاء لمواكبة حراك نسائي لا يرضخ لمحتلّ، بل يُقاومه بوسائل مختلفة. المرحلة اللاحقة لـ "ثورة الياسمين" التونسية، مثلاً، غنيّة بالمعطيات القابلة للتحوّل إلى قراءة سينمائية عن واقع وتحوّلات (غدوة حي).

الوثائقيان المصري والجزائري يبتعدان عن تلك الحالات. يختاران فن الرقص لمرافقة مسار تاريخي مرتبط بأحد أبرز فنون التعبير، التي يعرفها العالم العربي، والتي لا يزال الغرب يمارسها كلغة تواصل وبوح. فالمصري يسرد تاريخ الباليه، والمآل التي بلغها في راهن معقّد وقاس. والجزائري يلتقط نبض حركات جسدية لراقصات وراقصين في شوارع باريس.
هذه أمثلة. البرنامج ثريّ بعناوين ومواضيع لافتة للانتباه، تصيب وتراً حساساً في علاقة الصورة السينمائية بالواقع العربي، و"تُسلِّط نظرات ثاقبة وحرة وعميقة على المجتمعات العربية، دائمة التحوّل"، كما تقول هدى إبراهيم، التي تُضيف: "عدسات المبدعين ـ الذين اخترنا أفلامهم لهذه الدورة الجديدة ـ تلتقط نبض الأمكنة أيضاً".

المساهمون