داليدا في ذكرى رحيلها: امرأة هزمها الحب... والكآبة

03 مايو 2017
الفنانة الراحلة داليدا (فرانس برس)
+ الخط -
على الرّغم من السنوات الطويلة التي مضَت على رحيلها، ما زالت المغنية الإيطالية المصرية المولد، داليدا، تُشكل حالة تساؤلية، لا تقتصر على جمهور معجبيها، بل أصبحت مع الوقت محطّ إلهام لعدد كبير من الفنانين في أوروبا والعالم العربي.
يولاند جيغوليوتي، اسم داليدا الحقيقي، والتي ولدت في القاهرة في 17 يناير/ كانون الثاني 1933، من أبوين إيطاليين، هاجرا بعد الحرب العالمية الأولى إلى مصر. وكان والدها عازفاً موسيقياً موهوباً انضم إلى إحدى الفرق الموسيقية لتأمين مصاريف عائلته. وعرفت داليدا أن لديها عمة عملت كممثلة، فكان ذلك بمثابة أمل لها لما اختزنته منذ طفولتها من حس فنّي، حاولت تنميته في المدرسة التي كانت تديرها الراهبات في "شُبرا" القاهرة. ورغم استهزاء أصدقائها في المدرسة منها، بسبب ضعف النظر الذي كانت تعانيه، والنظارات الطبية التي رمتها فيما بعد، تمكَّنت من أن تثبت نجاحها في حفلات المدرسة التي شاركت فيها وبعض مسابقات الجمال، حتى تبوَّأت لقب ملكة جمال مصر عام 1945، ما فتح الأبواب أمامها. كما شاركت في أدوار خجولة في بعض الأفلام المصرية، بتشجيع من المخرج الراحل، نيازي مصطفى، قبل أن تطلّق القاهرة، وتلجأ إلى العاصمة الفرنسية باريس، وتحدث انقلاباً واضحاً في حياتها الفنية والإنسانية.



فتحت باريس، وحي مونمارتر، الباب أمام شابة في مقتبل العمر لدخول عالم الغناء والفن. وشاركت منذ وصولها في عدة أفلام غنائية. لكن، في اعتقاد النقاد، آنذاك، أن قدرة داليدا المغنية تفوقت على أدائها في التمثيل، لذلك بدأت الغناء في الملاهي الليلية، واستطاعت أن تعثر على مجموعة من الأصدقاء النافذين الذين ساعدوها، في اختيار مجموعة من الأغاني كانت تُصدرها بطريقة متقطعة، وكانت هذه الأغاني تلقى نجاحاً كبيراً. في فترة الستينات، شهدت داليدا عصرها الذهبي على الرغم من بعض العثرات التي صادفتها تلك الفترة، وارتباطها بزوجها الأول، وهو لوسيان موريس، ويقال بأنّه ساعدها فنياً، حتى التقت بزوجها الثاني الذي لم يكن مستقراً على الصعيد النفسي، فانتحر بعد طلاقه من داليدا وزواجه الثاني، ما تسبَّب باكتئاب داليدا الذي رافقها حتى أنهت حياتها. توصف تلك المرحلة على الرغم من مآسيها، بالنسبة لداليدا، بأنها المرحلة الذهبية فنياً. إذ حقّقت فيها سلسلة من النجاحات الغنائية التي تحولت مرجعاً فنياً، لا يزال حتى اليوم، ملهماً لعدد من المغنين.

من بداية الستينيات إلى منتصفها، عاشت داليدا نجاحاً فنياً قلَّ مثيله، وأصبحت تنافس كبار نجوم فرنسا على صعيد بيع الإسطوانات في تلك الفترة. لكن بين مرحلة وأخرى، كانت، أحياناً، تهتز مكانتها في الغناء، بسبب ظهور نجوم جدد أصدروا نوعية جديدة تحاكي موسيقى الشباب، أو التطور في التوزيع الموسيقي. وكان الإيقاع بطلاً في هذه الموجة، ومن هؤلاء الفنانين سيلفي فارتان وجوني هوليداي. مما أشعر داليدا بأنّ موسيقاها قديمة بالمقارنة مع الأسلوب الجديد الذي كان يغزو أوروبا في تلك الأيام.
وهذا ما جعلها تدركُ أنَّه يجبُ عليها أن تغيَّر أعمالها بصورة عاجلة، وتقدم ما هو جديد أو بما يتماشى مع زملائها، لتبقى ضمن خط المنافسة. لكن العثرات الإنسانية التي كانت تصادفها كانت تعيدها إلى الوراء، رغم أنها قدمت أجود أنواع حفلاتها بعد ذلك، وأعادت في مجموع أغنياتها النجاح بطرق مبتكرة جداً، فكانت بطلة المسارح الاستعراضية بامتياز.




بنت شبرا

لم تنسَ داليدا مصر، ولا حي شُبرا، المكان الذي ولدت فيه، ويقال إنها عادت إلى القاهرة عندما علمت بأن إحدى الراهبات اللواتي وقفن إلى جانبها كانت تحتضر، وانزعجت كثيراً بعد رحيلها. وفي المقابل، حملت بعضاً من أغنيات ذات نكهة مصرية منها "أغاني أغاني" و"سالمة يا سلامة" التي أعادتها إلى مصر أواخر السبعينيات، وأظهرت مدى تعلق داليدا بمكان ولادتها وناسها. كما لم توفر، وأعادت ذلك الحنين مرة ثانية، بـ "حلوة يا بلدي" وامتازت هذه الأغنيات بتعابيرها الشعبية التي كتبها الشاعر الراحل، صلاح جاهين.



وقبل عام من رحيلها، اختارت، داليدا، العودة إلى القاهرة بنص كتبه أندريه شديد، يروي حكاية مؤثرة إبان حكم الملك فاروق، فقدمت فيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين الذي حقق نجاحاً كبيراً على الصعيد العربي. ورغم بعض الانتقادات التي طاولت الفيلم، ووصفت داليدا بالممثلة الخشبية، لكن الفيلم نال مجموعة من الجوائز التي غذَّت حضور الفنانة الراحلة، عربياً ومصرياً تحديداً، ليكون "اليوم السادس" آخر أعمالها قبل أشهر قليلة من رحيلها، عندما اختارت الانتحار في باريس، تاركة رسالة: "الحياة لم تعد تُطاق سامحوني".
الحب هو ما هزم داليدا، هكذا تؤكد كل الوثائق التي جُمعت عن الفنانة التي سكنها الفن والحب. عانت كثيراً، وبحثت طويلاً عن الحب الحقيقي. وعبرت عن ذلك في عدد كبير من أغانيها التي صدرت قبل رحيلها. الرجال الثلاثة الذين أحبوها توفوا انتحاراً، لأسباب مختلفة. وهي حاولت مع انتحار حبيبها الثاني، لويجي تنكو، وهو مغن إيطالي فشل في أن يصبح نجماً والذي كانت ستتزوجه بعد نحو شهر، أن تنتحر في العام 1962، لكن العناية الإلهيّة أنقذتها، واستطاعت التغلب على ذلك عبر الغناء والفن.



المساهمون