المنصورة السورية: المدينة التي أغرت المتنبي

25 ابريل 2017
هجرها أهلها بعد القصف الأخير (Getty)
+ الخط -
قبل قصف التحالف الدولي لمدينة المنصورة قبل شهر تقريباً، بقيت المدينة بالنسبة لكثيرين مجهولة. لكن المطلعين على التاريخ يعرفون جيداً أهمية هذه المدينة. إذ اشتهرت بصفتها المدينة التي عبرها المتنبي برفقة أبي فراس الحمداني، وأجبره المطر على البقاء فيها لفترة، أعجب بجمالها وبرحابة صدر أهلها وقال فيها:
"تسايرك السواري والغوادي/ مسايرة الأحبـاء الطراب
تفيد الجـود منك فتحتذيـه/ وتعجز عن خلائقك العذاب"
والمنصورة هي المدينة التي كانت دائماً تحتفي بموقعها الجغرافي المميز، فهي تجاور نهر "الفرات"، وبحيرة سد "البعث" من جهة، وتجاور بادية "الشامية" من جهة أخرى، وتقع بين مدينتي "الرقة" و"الثورة" من جهة، وبادية "الرصافة" من جهة أخرى وتجمع بين طبيعة الماء الساحرة بسبب قربها من النهر العظيم، وطبيعة الأرض البكر الجذابة في مناطق البادية.

عرفت المنصورة بداية باسم "الثديين" نسبة إلى تلين متجاورين ومتساويين في الارتفاع، يشبهان ثديي المرأة، لكنها عادت وحملت اسمها الجديد "المنصورة". ويعود السبب في تسميتها إلى روايتين مختلفتين: تقول الرواية الأولى إنها سميت بالمنصورة تيمناً بالخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، أما الرواية الثانية فتقول إن المدينة تشكلت كمدينة كبيرة بعد أن تم بناء سد "الفرات" في عام 1974 وبعد أن غمرت المياه ناحية "أبو هريرة" القريبة منها، فقد تم نقل مركز الناحية إلى "الثديين"، وتزامن ذلك مع عملية "المنصورة" الفدائية في فلسطين، فسميت الناحية "بالمنصورة" نسبة إليها.

والمنصورة مدينة لها تاريخ يطل من كل حجر فيها، فهي مدينة تقع في منطقة الرصافة التي عرفت أقدم حضارات البشرية، وهي أيضاً من المدن التي جاورت نهر الفرات العظيم لذا فإن الكشوفات الأثرية أثبتت أن تاريخ بلدة "المنصورة" يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد حين كان يطلق عليها في ذاك الوقت اسم "أباتوم". وبسبب موقعها المتوسط جغرافيا بين أكبر حضارتين عرفتهما المنطقة فقد تذبذب خضوعها بين مملكة "ماري" في الشرق، ومملكة "يمحاض" في الغرب، وبقيت على هذه الحال إلى أن جاء الرومان وحكموا المنطقة فخضعت بالكامل لهم، وقد ترك فيها الرومان العديد من الآثار التي لم تزل شاهدة على تاريخ لا ينضب.


وثم جاء البيزنطيون بعد الرومان، واستولوا على المدينة وبنوا مدينة "الرصافة" ومدينة "السورة" اللتين كانتا كحصنين عسكريين حدوديين هامين جدا لمراقبة القبائل التي كانت تقطن المنطقة، وبعد البيزنطيين تحولت مدينة "المنصورة" الى أحد أهم المواقع العسكرية التي اتخذها العرب عبر التاريخ لصد هجمات المعتدين، اذ اتخذ الغساسنة مدينة المنصورة مركزاً هاما لانطلاق حملاتهم العسكرية. ومع قدوم الدعوة الاسلامية شهدت المنصورة ازدهاراً وتقدماً في العصر الأموي فقد اتخذها الخليفة "هشام بن عبد الملك" منتجعاً صيفياً كان يخلد فيه إلى الراحة هرباً من ضجيج دمشق. وفي ذلك العصر كانت "المنصورة" الميناء الرئيسي لجميع التجمعات السكنية على طول الضفة اليمنى لنهر الفرات وعندما وصل العباسيون الثائرون إلى "الرقة" عبروا الفرات من ميناء "المنصورة" إلى مدينة "الرصافة"، ودمروها، وبقيت أسوارها شامخة حتى يومنا هذا، ولم يزل تل الثديين قائماً.


والمنصورة هي المدينة التي فتحت صدرها في السنوات الأخيرة لأعداد كبيرة من النازحين الذين سكنوا في مدارس المدينة، واحدى هذه المدارس كانت تأوي ما يزيد على ثلاث مائة نازح كانوا يحلمون بأن تتوقف الحرب، وأن يعودوا إلى بيوتهم، لكن طيران التحالف قصف المدرسة، وقتل العشرات منهم.



دلالات
المساهمون