30 عاماً على "انتفاضة الحجارة": احتفال سينمائي في بيروت

13 نوفمبر 2017
من "المطلوبون الـ18" لعامر الشوملي وبول كووان (فيسبوك)
+ الخط -
بعد أسابيع قليلة، تمرّ الذكرى الـ30 لـ"انتفاضة الحجارة" (8 ديسمبر/ كانون الأول 1987 ـ 13 سبتمبر/ أيلول 1993)، التي تُعتبر أحد أهمّ أشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية غير المسلّحة ضد الاحتلال الإسرائيلي

عشية الذكرى، تُنظِّم "دار النمر للفن والثقافة"، بالتعاون مع "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية"، مؤتمر "انتفاضة 1987: الحدث والذاكرة"، بين 28 و30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، في بيروت. ندوات ومحاضرات ونشاطات فنية، بالإضافة إلى فيلمين، أحدهما مستلّ من وقائع حقيقية معروفة، وثانيهما مستوحى من قصص واقعية لفلسطينيات معتقلات سابقاً في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وإذْ يعود إنتاج الأول، وهو بعنوان "المطلوبون الـ18" للثنائي الفلسطيني عامر الشوملي (الذي يُحاضر في المؤتمر عن "معضلة المشهد الأخير في فيلم عن الانتفاضة"، قبل ظهر 30/ 11) والكندي بول كووان (6،30 مساء 29/ 11)، إلى عام 2014 (إنتاج فلسطيني كندي فرنسي مشترك، 75 د.)؛ فإن الثاني، "3000 ليلة" للفلسطينية ميّ المصري، مُنتجٌ عام 2015 (إنتاج فلسطيني لبناني فرنسي، 103 د.، 6،30 مساء 28/ 11).

يُشكِّل "المطلوبون الـ18" خطوة سينمائية تتّخذ من التحريك أداة تعبيرٍ، ضمن إطار وثائقيّ يمزج بين إحدى أبرز قواعد التوثيق البصريّ (لقاءات مع أشخاص معنيين بالحدث) بجماليات الصورة السينمائية، التي تُعيد صوغ الحكاية الأصلية بمشاهد متخيّلة، تتداخل بالتحريك كمساحة بصرية لاختبار جماليات ذاك النوع الفنيّ في قراءة حالة إنسانية، بأبعادها الأخلاقية والاجتماعية والوطنية والإنسانية.

بينما يعكس "3000 ليلة" الخطوة الأولى لميّ المصري في صناعة الفيلم الروائيّ، بعد أعوام طويلة من الاشتغال الوثائقي، رفقة زوجها المخرج اللبناني الراحل جان شمعون. والروائيّ الأول هذا مبنيٌّ على مفردات المتخيَّل البصريّ، المعقود على وقائع حقيقية؛ ومنسجمٌ وجمالية التعبير السينمائيّ في سرد حكايات فلسطينيات معتقلات في أحد سجون الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب سجينات إسرائيليات بتُهمٍ جُرمية. ذلك أن "3000 ليلة" يتّخذ من مفردات الصنيع الروائي الطويل ركائز درامية وجمالية لتحقيق فيلم سينمائيّ، يُشكّل امتداداً طبيعياً لعالم إنساني مصنوعٍ في سينما الثنائي شمعون ـ المصري، ويتوغّل في أعماق الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويكشف جوانب مختلفة في الذات الفلسطينية، بعلاقتها بنفسها داخل زنازين البؤس والاعتداء المادي والقمع المعنوي أولاً، وبعلاقتها بمحيطها الفلسطيني ثانياً، وبمقارعتها عدوّاً يُطاردها إلى داخل الزنزانة، من دون أن يتوصّل إلى امتلاكها وإخضاعها لنزواته الإجرامية، ثالثاً.

في المقابل، لن يبقى "المطلوبون الـ18" أسير فكرة المقاومة السلمية، المستلّة أصلاً من واقع تعرفه المدينة الفلسطينية "بيت ساحور" (الضفّة الغربية)، في العام الثاني للانتفاضة الأولى، وهو واقع يبلغ أروقة مجلس الأمن الدولي، الذي يتناوله أعضاؤه في جلسة علنية. فرغم أن المقاومة السلمية لجنود الاحتلال ركيزةٌ أولى، أو بالأحرى إحدى الركائز الأساسية للنصّ الدرامي، إلا أنّ السخرية الفلسطينية تحتل مكانة رفيعة المستوى في عملية المواجهة نفسها، إذْ يبرع فلسطينيون عديدون في تحويلها إلى أداة مقارعة عملية ويومية لا تقلّ قسوة عن أدوات أخرى في المسار الطويل للصراع المدني. سخرية نابعة من حسّ إنساني مرهف لدى الفلسطينيين، في ظلّ حالات قمع وعنف وتنكيل تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي. والفيلم، بهذا المعنى، لن يتجاوز الحسّ الساخر لديهم، إلّا في محاولة بصرية إنسانية متكاملة لإيجاد أفضل التعابير السينمائية الممكنة عنه، لأنه أساسيّ في فعل المواجهة، ولأنه يتساوى وأشكال الانتفاض السلميّ أيضاً.

القصّة الواقعية عادية، من منظار البحث الفلسطيني الدائم عن سبل مواجهة الاحتلال: بعد نحو عام واحد على بداية "انتفاضة الحجارة"، يُقرّر أبناء بلدة "بيت ساحور" مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وتحديداً الحليب، الذي تؤمّنه لهم شركة إسرائيلية مُصنِّعة له، اسمها "تنوفا". يريدون استبدال المنتج الإسرائيلي بآخر فلسطيني، ويريدون تسميته "حليب الانتفاضة".
يشترون 18 بقرة من تاجر إسرائيلي، ويبدأون العمل بالتزامن مع تنفيذهم خططاً عملية لدعم المقاطعة هذه، تمتد على أساليب العيش اليومي برمّته (طبابة، تعليم، زراعة... إلخ.). هذا يُشكّل عبئاً على الإسرائيليين، فيندفع جنودهم إلى البلدة بحثاً عن الأبقار الـ18، التي "تُهدّد الأمن القومي الإسرائيليّ" (!)، بحسب القيادة العسكرية الإسرائيلية. البحث بحدّ ذاته مُصوَّر بأسلوب التحريك، الزاخر بمواقف ساخرة ومُضحكة، انطلاقاً من حنكة الفلسطيني في التصدّي للإسرائيليّ. الشخصيات المختارة تروي أمام الكاميرا فصولاً متنوّعة من الحكاية، ويُعيد بعضها "تمثيل" الحدث في الأمكنة نفسها. آخرون يعيشون يومياتهم في منازلهم، أو على الشرفات التي يمرّ الجنود الإسرائيليون تحتها، بينما يتابع الفلسطينيون حياتهم بشكل طبيعي، فيأكلون اللحم المشوي، ويشربون العرق، ويدخّنون السجائر، ويتحدّثون ويضحكون، كأن شيئاً آخر لا يحدث، أو كأن "أحداً" آخر غير موجود بتاتاً في أزقّة بلدتهم، وتحت شرفات منازلهم.

فيلمان فلسطينيان، يرسمان ملامح مختلفة لمعنى المواجهة السلميّة للاحتلال الإسرائيلي.


المساهمون