"لالا لاند" لداميان شازيل... جمالية الاستعراض

20 ديسمبر 2016
غوزلينغ وستون في الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
يحتل الفيلم الموسيقي الغنائي الأميركي "لا لا لاند"، الذي يستعيد فيه مخرجه داميان شازيل (1985) بعض معالم السينما الغنائية القديمة، مكانة أساسية في لائحة الترشيحات الرسمية، الخاصّة بجوائز "غولدن غلوب" لعام 2017. فهو ـ بنيله 7 ترشيحات، بعضها في فئات أساسية كأفضل فيلم موسيقي أو كوميدي، وأفضل إخراج ـ يؤكّد ما قيل، منذ افتتاحه الدورة الـ 73 (31 أغسطس/ آب ـ 10 سبتمبر/ أيلول 2016) لمهرجان البندقية "لا موسترا"، حول أهميته الفنية والجمالية والدرامية، وحول قدرته على استيفاء الشرط الفني للنمط الموسيقي ـ الغنائي، وحول كونه تحيّة سينمائية، متماسكة البناء البصري، لأفلام هذا النوع، في خمسينيات القرن الـ 20 وستينياته تحديداً.

7 ترشيحات، تعكس رغبة "جمعية الصحافة الأجنبية في هوليوود"، والتي تمنح جوائز "الكرة الذهبية (غولدن غلوب)" منذ عام 1944 في مجالي السينما والتلفزيون، في استعادة سينما لا تزال ماثلة في أذهان محبّي الشاشة الكبيرة، وتاريخها الفني العريق، وقصصها الرومانسية والكوميدية الهادئة والجميلة، وأغانيها واستعراضاتها وموسيقاها، وأشكال تعابيرها السينمائية.

سينما يبدو واضحاً أن داميان شازيل، والثنائي التمثيلي راين غوزلينغ وإيما ستون، بارعون في إضفاء مسحة عصرية على نمطها القديم، مع تفعيل هذا النمط في أشكاله وحركة الكاميرا أثناء تصوير المشاهد، كما في توليفٍ مُتقن، يقضي بالتنبّه إلى كيفية إدخال مشهد راقص أو غنائي أو موسيقي في السياق الحكائي، وإلى اللحظة المطلوبة لإدخال مشاهد كهذه.

أما الترشيحات الرسمية (تُعلن النتائج النهائية في 8 يناير/ كانون الثاني 2017)، فتوزّعت على الفئات التالية: أفضل فيلم، للمنتجين فْرِد بيرغر وغاري جيلبرت وجوردان هوروفيتز ومارك بلات؛ وأفضل إخراج وأفضل سيناريو لداميان شازيل؛ وأفضل ممثل لراين غوزلينغ؛ وأفضل ممثلة لإيما ستون؛ وأفضل موسيقى أصلية لجاستن هورفيتز؛ وأفضل أغنية أصلية لـ "مدينة النجوم" لجاستن هورفيتز و"بازيك أند بول". ترشيحات تضع الفيلم أمام تحدٍّ استثنائي، كونه لا يكتفي بالموسيقى والغناء وقصّة حب "تقليدية"، بقدر ما ينفتح على أسئلة العلاقة بين الراهن والماضي، وبين ذاكرة مشبعة بإبداع يكاد الحاضر يلتهمه، وحاضرٍ يواكب عصراً استهلاكياً في شتّى أنماط الحياة اليومية، وفنونها وأهوائها وخياراتها. تحدّ يتمثل، أيضاً، بموقف المُشاهدين منه، علماً أن هذا متروكٌ لوقتٍ لاحق، إذْ إنّ عروضه التجارية الدولية لا تزال في بداياتها، والإيرادات المُعلَن عنها لغاية الآن لا تعكس حالة شعبية حقيقية تجاهه.

ففي مقابل 30 مليون دولار أميركي، كميزانية إنتاجية يذكرها الموقع الإلكتروني "موجو بوكس أوفيس"، المتخصّص بأرقام صناعة السينما الأميركية، يُحقِّق "لا لا لاند" ـ الذي عُرض في برنامج "سينما العالم"، في الدورة الـ 13 (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) لـ "مهرجان دبي السينمائي الدولي" ـ 16 مليوناً و560 ألفاً و166 دولاراً أميركياً فقط، بين 9 و18 ديسمبر/ كانون الأول 2016.

يروي الفيلم حكاية تقليدية، يُمكن وصفها بأنها عادية: سيباستيان (غوزلينغ) عاشقٌ كبيرٌ لموسيقى الجاز، ولطقوسها وقواعدها وتقاليدها وعازفيها الكبار. مستاءٌ من تحويل ملهى ليليّ خاص بها إلى مطعم، يطمح إلى شرائه ذات يوم لإعادته إلى أصله الموسيقيّ. هو عاطل عن العمل، لاهتمامه الدائم بالجاز، وعندما يوافق أحدهم على العمل عنده، يفرض عليه عزف موسيقى عادية جداً، تتلاءم وأجواء سهرةٍ ما، في مطعمٍ ما. يلتقي مِيَا (ستون) صدفة، هي التي تعمل في مقهى في هوليوود، وتخضع لتجارب تمثيلية كثيرة من دون أي نجاح يُذكر، وتطمح إلى نجومية سينمائية لن تتوفر لها سريعاً، وتكتب عملاً مسرحياً تؤدي الدور الوحيد فيه، لكنه يفشل فشلاً ذريعاً. اللقاء بينهما عاملٌ أساسيٌّ لسرد حكاية تمزج رومانسية جميلة بوقائع عيشٍ قاسٍ في عاصمة الفن السابع، وتضع الشخصيتين الرئيسيتين أمام سؤال مصيرهما، المشترك والفردي.

لن يبقى "لا لا لاند" مجرّد سردٍ لقصة حبّ، تواجه مصاعب التفاهم بين شخصين يختلفان في سلوكهما وتفكيرهما ومقاربتهما أحوال العيش اليومي، قبل خضوعهما، مُجبَرين، لمتطلبات هذا العيش. فالأسئلة عديدة، خصوصاً على مستوى الماضي والحاضر، والقناعة الذاتية في مقابل التنازل عنها من أجل مستقبل عملي. هو عن الحب أيضاً، وعن أهواءٍ وانفعالات، وتحوّلات بيئة واجتماع ومهنة وسلوك، وهي ليست إيجابية، دائماً. فظروف العيش ومتطلباته تفرض عليهما خياراتٍ لا يريدانها، لكنهما يُضطرَّان إلى اتّخاذها من أجل هذا العيش اليومي.

فأن يوافق سيباستيان، ولو بعد تردّد، على العمل مع صديق قديم له في مجال موسيقى الجاز، رغم أن إدخال ألحانٍ ونوتاتٍ لا علاقة لها بها تثير غيظه؛ فهذا يعني أن الحياة لا ترحم، وأن العيش محتاجٌ إلى التنازل عن التزاماتٍ تنحو باتجاه المثالية أحياناً. وأن تنخرط مِيَا في لعبة صناعة السينما في هوليوود، بعيداً عن أحلامها وأهوائها ومشاغلها، فهذا يعني رضوخاً لواقعٍ، وتلبيةً لحاجة يومية.

بين جمالٍ الحب وعفويته في المرحلة الأولى لعلاقتهما معاً، وانهيار أحلامهما ورغباتهما أمام سطوة المُعاش، ما يفضي إلى افتراقِ أحدهما عن الآخر، تؤدّي الموسيقى والأغنيات والمشاهد الراقصة دوراً أساسياً في إكمال الحكاية. أما أغنية "مدينة النجوم"، التي يُنشدها سيباستيان لحبيبته، فانعكاسٌ لمعنى الحبّ الصافي رغم العراقيل والتبدّلات، وتمثيلٌ لجوهر الذات الفردية، في مقاربتها أحوال العيش اليومي في دائرة الخيبات والآمال المعلّقة.
دلالات
المساهمون