"الديزل" لـ محمد رمضان... البكاء بعين واحدة

11 سبتمبر 2018
محمد رمضان (فيسبوك)
+ الخط -
لم تأتِ نجومية الممثل محمد رمضان بناء على مقدّمات منطقية، بل ظهرت فجأة وبتماهٍ غير مقصود مع مزاجٍ عام عنيفٍ جدًا في مصر ما بعد الثورة، يحثّ الناس على البحث عن بطلهم الخاص وسط أحداث حادة. لذلك نجح "البلطجي" ذو الـ"كود" الأخلاقي الشعبي في "الألماني" (2012) لعلاء الشريف، و"عبده موتة" (2012) لإسماعيل فاروق، وهي الخلطة نفسها التي أوصلته لاحقًا إلى ذروة نجاحه في مسلسل "الأسطورة" (2016) لمحمد سامي، دافعةً إياه إلى شنّ حربٍ ضد الممثلين المصريين الآخرين جميعهم، بدءًا بتعليقاته على "فيسبوك" التي ذكر فيها أنه "رقم واحد" من دون منافسين، وصولاً إلى أغانٍ له صدرت أخيرًا، كـ"نمبر وان" و"الملك".
هذان الصيت والصخب أثارهما محمد رمضان حول نفسه، لكن بموازاة فشل 3 أفلام له على التوالي في تحقيق إيرادات عالية: "آخر ديك في مصر" لعمرو عرفه، و"جواب اعتقال" لمحمد سامي، و"الكنز" لشريف عرفه، وكلّها مُنتجة ومعروضة عام 2017، حاول رمضان من خلالها أن يخرج عن صفة "المجرم الصالح" ليختبر أنواعًا سينمائية مختلفة، ظنًا منه أن الجمهور سيُقبل عليه في الأحوال كلّها.
فشل هذه الأفلام، وبشكل ساحق مقارنةً بإيرادات أفلام منافسيه، دفعه ـ في جديده "الديزل" (2018) لكريم السبكي ـ إلى حشد المقوّمات التجارية كلّها التي صنعت جماهيريته السابقة: البطل الشعبي ذو الماضي الإجرامي والحاضر المستقيم؛ حبكة الانتقام المعتادة، التي يحارب فيها عصابة أشرار؛ مَشاهد حركة طويلة يُسقِط فيها أعداءه بالوسائل المحتملة كلّها؛ جملٌ ذات سجع؛ مَشاهد دفاع عن امرأة جميلة؛ ميلودراما مُفرطة يبكي فيها بعينٍ واحدة.



لكن، رغم التفاصيل الكثيرة التي تبدو استحضارًا لـ"خلطة" ناجحة سابقًا يحاول صاحبها إعادتها الآن بحثًا عن عرشٍ مفقود، إلّا أن في "الديزل" عناصر اختلاف كادت تصنع منه فيلمًا جيدًا فعلاً، بدءًا من مهنة بدر الديزل (رمضان) كـ"دوبلير" للممثل محمد رمضان (سخريته من نفسه تظهر بشكلٍ غير متوقَّع في الدقائق الأولى)، وطريقة التأسيس الهادئة للعلاقات بين الشخصيات، ومساحة الغموض التي تترك أسئلة مثيرة في ذهن المُشاهد، وصولاً إلى طبيعة نشاط العصابة الإجرامية، التي يُنظّم أفرادها عرضًا لفقراء يصارعون الموت وربما يُقتلون بشكل حقيقي، يطرحه الفيلم بصورة أقرب إلى حلبات المصارعة والقتال في العصر الروماني. لكن السيناريو (أمين جمال ومحمود حمدان ومحمد محرز) مُصابٌ بأزمتين مؤثّرتين تمامًا على الفيلم، رغم بدايته المقبولة:
أولى متعلّقة باللجوء إلى حِيَل ومناخات مأخوذة من أفلام أميركية من دون أي مجهود لإعادة صُنعها في قالبٍ محلي: حلبة صراع يُشاهد فيها أغنياءٌ فقراءَ يُقتَلون كما في السلسلة السينمائية Hunger Games، وبطل يحاول الفرار من حيوانات مفترسة مأخوذة حكايته حرفيًا من The Running Man (1987) لبول مايكل غلايزر (تمثيل أرنولد شوارزينيغر)، و"دوبلير" المَشاهد الخطرة والقناع الذي يرتديه البطل في رحلته الانتقامية، وهما مأخوذان من Drive (2011) لنيكولاس ويندينغ ريفن (تمثيل راين غوزلينغ)، وهذه ليست صدفة لأن موسيقى الفيلم نفسه مُستخدمة في أحد المشاهد.
وثانية متمثّلة في الحرص المبالغ فيه على مباغتة المتفرّج بالتواءات درامية متتالية في النصف الثاني من أحداثه. فما الداعي إلى وضع حادث السيارة المُفتعل في السياق، وفقدان البطلة لذاكرتها؟ واكتشاف أن القتيلة لم تكن شقيقة "الديزل"، بل حبيبته، وأن وجودهما في ذلك العالم تمّ بالاتفاق مع الأمن؟ وماذا عن الحيل الساذجة التي يقوم بها للإيقاع بمن يريد الانتقام منهم؟
أمورٌ كهذه مكتوبة في السيناريو قلّلت الاحتمالات الجيدة التي بدأ بها الفيلم. ولم يُحسِّن من الأمر شيئًا إخراج كريم السبكي، المُحبّ للسينما الأميركية (كما يبدو)، إلى درجة تمنعه من البحث عن هوية بصرية تخصه من دون "تأثّر" مبالغ فيه بهوليوود، خصوصًا إذا أضفنا "تقليدية"، وأحيانًا فَقر مَشاهد الحركة وعدم تميّز أو ذكاء تصميمها بأي شكل، في عمل لا يوجد ـ في الـ30 دقيقة الأخيرة منه ـ أي حوار تقريبًا، لمنح بطله فرصة قتل كل أعدائه.
دلالات
المساهمون