الامتيازات السياسية تقتل فرص العمل في الوطن العربي

03 فبراير 2015
فساد الأنظمة يزيد عدد العاطلين في المنطقة العربية(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

أكد البنك الدولي في تقرير حديث حول العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الأنظمة الحاكمة مطلوب منها الحسم بين سياسات الدفع نحو البحث عن خلق فرص العمل أو استمرارها في محاباة الشركات التي لها علاقة بالسلطة.

فالتقرير يفترض أن الشركات الناشئة هي الأكثر إنتاجية وقدرة على إحداث فرص العمل، غير أن السياسات الحالية تفضي إلى حماية الشركات القريبة من السلطة، وتحد من نمو الناشئة وتؤثر على إنتاجيتها.

وقدمت نتائج ذلك التقرير في ندوة بالدار البيضاء بالمغرب الخميس الماضي، حيث لاحظ

المسؤول بالمؤسسة الدولية عن الممارسات الشاملة "الماكرو اقتصادية والجبائية" بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أوغست كوامي، أن النمو في المنطقة لم يتعد 2% من الناتج الإجمالي المحلي في العقدين الأخيرين، بينما بلغ في البلدان الصاعدة في آسيا في المتوسط 5%، ما يحول دون بث الروح في سوق العمل.

وهذا ما يدفعه إلى التعبير عن رأيه الخاص ومفاده أنه لو وجد الشباب عملاً يشغلهم لما خرجوا إلى الشارع من أجل المطالبة بحقوقهم، فهم 30% من خريجي الجامعات عاطلون في تونس، وهذا معدل يصل إلى 35% في المغرب، بل يرتفع إلى 50% وسط الخريجات.

مشكلة التمويل

يتصور جمال أغماني، وزير التشغيل الأسبق في المغرب والخبير حالياً لدى منظمة العمل الدولية، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن مشاكل الشركات الناشئة لها علاقة بالتمويل، فهي تجد صعوبات كبيرة في توفير السيولة التي تؤمن لها الاستمرار في الإنتاج، علماً أن المصارف تتردد في التعاطي مع هذا الصنف من الشركات.

ويضرب أغماني مثلاً لذلك بالمبادرة التي أخذها المغرب من أجل تشجيع الشباب، حيث أنشأ عدداً من الشركات الناشئة، لكن النجاح لم يحالف عدداً كبيراً منها بسبب مشكلة التمويل.
ويشير أغماني إلى أنه بالإضافة إلى التمويل، تطرح معضلة سداد مستحقات هذه الشركات، حيث يحيل على تقرير صدر مؤخراً يؤكد إفلاس 5010 شركات في العام الماضي بالمغرب، وهو ما يفسر بالتأخر في استرداد مستحقاتها من الشركات الكبرى وشركات الدولة.

الشركات الناشئة ومنافذ جديدة

ويؤكد الاقتصادي وأحد منجزي التقرير بالبنك الدولي، عبدولاي ساي، أن تقرير البنك الدولي الأخير يبحث عن منافذ جديدة لخلق مناصب الشغل والفصل مع الامتيازات، حيث يلاحظ أن 19% فقط من الأشخاص في سن العمل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتحصلون على فرصة عمل قانونية، أي مبنية على عقد وتخول للمستفيد منها إمكانية الحصول على معاش تقاعد في المستقبل.

وأكد التقرير أن أغلب فرص العمل تخلقها الشركات الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توفر 72% من فرص العمل، غير أن هذه المشروعات لا تستطيع توسيع حجمها ما يمنعها من خلق فرص عمل أكثر.

 وأشار إلى أنه بعد خمسة أعوام من إنشاء الشركات الصغيرة، توقف 38% منها فيما تبقى 38% منها في نفس الحجم وتحافظ على نفس عدد العاملين و 17% تنجح في رفع عدد العاملين بقليل.

وتوصل التقرير إلى أن الشركات الناشئة تتمكن من توفير فرص عمل في عامها الأول وتواصل ذلك في الأربعة أعوام الأولى، أكثر من الشركات التي لها حضور سابق في السوق،

فتلك الشركات الناشئة ترفع عدد فرص العمل بنسبة 20 % مقارنة بالشركات الكبيرة.
 
ويفترض التقرير أن الشركات الناشئة هي الأكبر قدرة على خلق مناصب الشغل، فقد تمكنت الشركات الناشئة من توفير 500 ألف منصب شغل في تونس بين 1996 و2010، بينما تمكنت من توفير معظم مناصب الشغل في لبنان بين 2005 و2010، غير أن التقرير يؤكد على أن الشركات الناشئة التي تمكنت من خلق فرص العمل، هي تلك التي نجحت في رفع إنتاجيتها التي تظل مع ذلك ضعيفة.

ويوضح التقرير أن عدد الشركات الناشئة غير كاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يتم، حسب ما أوضحه ساي، توفير 6 شركات ناشئة ذات مسؤولية محدودة في كل عام، لفائدة 10000 آلاف شخص يوجدون في سن العمل.

 وفي المغرب يتم خلق شركة واحدة محدودة المسؤولية لفائدة 1000 شخص في سن العمل، بينما توفر 3.4 شركات ناشئة لفائدة 1000 شخص في شيلي وأربع شركات ببلغاريا لنفس العدد من الأشخاص. ويخلص التقرير إلى ضعف عملية استحداث الشركات الناشئة وضعف إنتاجيتها.

ويفترض التقرير أن تشجيع الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سيساعد على خفض معدل البطالة، الذي يصل في المغرب مثلاً إلى 10%. غير أن ساي، ينبه إلى أن السياسات العمومية في المنطقة تحد من فرص خلق الشركات الناشئة، وتتيح الامتيازات التي تستفيد منها الشركات المرتبطة سياسياً بالسلطة السياسية، حيث يتم وضع قوانين تقصي الشركات الناشئة والاستثمارات الأجنبية.

فساد الأنظمة

تمكن محررو تقرير البنك الدولي من الاطلاع على الشركات التي كانت مرتبطة بنظام المخلوع زين العابدين بن علي في تونس ونظام الرئيس محمد حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 يناير عام 2011، إذ تكشف لهم في حالة مصر أن الشركات الكبرى المرتبطة سياسياً بنظام مبارك، كانت تجني فوائد كبيرة من تلك العلاقة، حيث كانت تسجل حضوراً في القطاعات التي يتوفر فيها دعم كبير للطاقة، في ذات الوقت كانت تنشط في القطاعات التي تسن فيها الدولة قوانين تقيم إجراءات تحميها من المنافسة الخارجية تماشياً مع التوجه الذي تعلنه الدولة حول الانفتاح.

 تلك الامتيازات غير المبررة تغلق السوق أمام الشركات الناشئة، علماً أن تلك الشركات

المرتبطة بالنظام السياسي لم تكن تخلق ما يكفي من فرص العمل.

وحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (حكومي)، ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 13% من قوة العمل.

ويعتبر التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حاجة إلى تدعيم الشركات الناشئة من أجل تسهيل انتشار القطاع الخاص وخلق فرص الشغل. لذلك يدعو تقرير البنك، كما أكد على ذلك، ساي، إلى إصلاح السياسات التي تكبح من خلق الشركات الناشئة.

ويشدد التقرير على توجيه الإصلاحات نحو تشجيع المنافسة ووضع قواعد لعب تجارية عادلة ومنصفة. كما يشدد البنك على ضرورة إصلاح الإدارة و إحداث جهاز يسهر على سلامة المنافسة.

ويلح على أن تتسم بلورة السياسات بالشفافية وتتيح للمجتمع المدني التعبير عن وجهات نظره في مشاريع القوانين وإبداء مقترحاته، وتتبع وتقييم سياسات المنافسة والتأكد من مساهمتها في خلق فرص العمل.

دلالات
المساهمون