حذّر المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن من آثار اقتصادية كارثية لاندلاع الحرب المحتملة في النيجر، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، تعتمد على المعادن التي يصدرها البلد الأفريقي، وعلى رأسها اليورانيوم.
وأورد تقرير للمركز صدر اليوم الثلاثاء، بإشراف مدير البحوث الاقتصادية صادق الركابي، أن اليورانيوم هو أكبر صادرات النيجر بعد الذهب، إذ يمثل ما يعادل 5% من صادرات اليورانيوم العالمي، وتعتبر ثاني أكبر مصدر لدول الاتحاد الأوروبي بعد كازاخستان، حيث صدرت النيجر منه أكثر من 2975 طناً عام 2022، بما يعادل 25.4% من الواردات الأوروبية.
ومن شأن أي صراع مسلح في النيجر أن يتسبب في توقف أو انقطاع صادرات اليورانيوم من النيجر، بحسب التقرير، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه.
تغيير الخريطة العالمية لليورانيوم
استبعد التقرير، في الوقت ذاته، أن يؤدي انقطاع صادرات النيجر من اليورانيوم إلى ارتفاع أسعاره على المدى القصير؛ لأن معظم الدول التي تعتمد في صناعاتها النووية عليه، وفي مقدمتها فرنسا، لديها مخزون يكفيها لأشهر.
ويشير الركابي إلى أن إجمالي احتياطيات اليورانيوم بالاتحاد الأوروبي، الذي يستمد ربع احتياجاته من الكهرباء من الطاقة النووية، يكفي لـ 3 سنوات، إلا أن توفير إمدادات بديلة وارتفاع الطلب عليه سيؤدي لزيادة فاتورة شرائه وكلفة الحصول عليه لاحقاً.
ففرنسا، تمثل صادرات النيجر 17% من اليورانيوم المستخدم لتوليد الكهرباء في محطاتها النووية، قلقة بشأن أسعار المعدن النفيس في السوق العالمية، خاصة في ظل مؤشرات على منافسة كل من الصين والهند واليابان مع العملاء الآخرين، ورغبة هذه الدول في شراء كميات كبيرة منه، ما يعني تغيراً واضحاً في خريطة اليورانيوم عالمياً، حسبما يرى الركابي.
تعميق أزمة الطاقة الأوروبية
وإزاء ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي ينتج نصف طاقته النووية في فرنسا، سيكون مضطراً لتوفير مصادر بديلة ومضمونة عن يورانيوم النيجر، الذي يمثل 10% من الكميات المستخدمة، حال نشوب أي صراع عسكري، بحسب الركابي، مشيراً إلى أن أهمية النيجر لأوروبا ليست محصورة في صادرات اليورانيوم، بل تشمل إمدادات الغاز المستورد من أفريقيا كجزء من بدائل الغاز الروسي الذي توقفت إمداداته بسبب الحرب في أوكرانيا.
فأنبوب الغاز العابر للصحراء، والذي يتوقع أن ينقل 30 مليار متر مكعب سنوياً من غاز نيجيريا إلى الجزائر ومنها إلى أوروبا، يمر بالنيجر، ما يعني أن نشوب حرب في ذلك البلد يهدد اكتمال هذا المشروع، حسبما أورد التقدير البريطاني.
وهنا يلفت الركابي إلى أن الأنبوب الآخر، الذي يمتد من نيجيريا إلى المغرب، سيكون عرضة لمخاطر الحرب المحتملة، ما يقوض آمال أوروبا في الحصول على كميات مهمة من الغاز الطبيعي، ويعمق أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
حقول النفط في خطر
وفي سياق متصل، يشير تقدير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى امتلاك النيجر احتياطيات مهمة من النفط تقدر بمليار برميل، ينتج منها حالياً قرابة 20 ألف برميل يومياً، ويخطط لزيادتها إلى نحو 100 ألف برميل يومياً، بعد إنجاز أنبوب تصدير النفط عبر دولة بنين.
وتهدد الحرب المحتملة بتعطيل إكمال إنشاء الأنبوب أو تصدير النفط من خلاله، كما أن لها انعكاسات خطيرة على حقول النفط، سواء في نيجيريا، ذات الإنتاج النفطي الكبير، أو غانا وساحل العاج، الناشئتين في إنتاج النفط، خاصة إذا ما اتسعت رقعة الحرب لتطال البنى التحتية ومصادر التمويل، بحسب التقدير البريطاني.
ويرى الركابي أن نشوب الحرب في أفريقيا قد يدفع دول الاتحاد الأوروبي لزيادة طلبها على النفط، ما قد يتسبب بارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، الذي تحاول كل من الولايات المتحدة وأوروبا كبح جماحه، إضافة إلى مزيد من الضغط على الإنتاج الصناعي.
ارتفاع أسعار الذهب عالمياً
وقد تطاول الآثار السلبية للحرب قطاع الذهب أيضاً، بحسب المركز العالمي للدراسات التنموية، فالنيجر هي سادس أكبر منتج للذهب في العالم، إذ تمتلك قرابة 5% من احتياطياته العالمية، ويشكل الذهب خُمس صادراتها إلى الخارج.
ويشير تقدير المركز إلى المخاوف من تغير سياسة النيجر إزاء شركات التعدين الغربية، مع استمرار المعارك في السودان، المنتج المهم للذهب، والنتائج الباهتة لشركات تعدين الذهب في أستراليا.
ويتزامن ذلك مع الطلب على المعدن الثمين كملاذ آمن، في ظل عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي، ما يؤدي لارتفاع ملحوظ في أسعار الذهب عالمياً.
كما أن عدم تمكن شركات التعدين العاملة في أفريقيا من الاستمرار بأعمالها حال اندلاع نزاع مسلح على نطاق واسع سيكون له نتائج كارثية على أداء تلك الشركات، التي تتحمل الكثير منها قائمة مرتفعة من الديون قد يؤدي التأخر في سدادها لزيادة الضغط على قطاع البنوك العالمي، بحسب التقرير البريطاني.
خسائر في قطاع الطيران
ويتناول تقدير المركز العالمي للدراسات التنموية الأثر السلبي الذي أحدثه إغلاق المجلس العسكري في النيجر مجال البلاد الجوي، ما ولد حالة من الارتباك في رحلات الطيران التي اضطرت العديد من شركاتها إلى تغيير مساراتها أو إطالتها.
وفي حال حدوث صراع مسلح ومشاركة دول أفريقية عدة فيه، فإن رقعة هذا الحظر الجوي قد تتسع، ما يعمق من خسائر شركات الطيران والنقل التي تتعامل مع السوق الأفريقية، كونه يرفع من كلف التأمين، ويعرقل سلاسل الإمداد، بحسب الركابي.
وإزاء ذلك، ستضطر العديد من شركات الطيران إلى زيادة أسعارها لتعويض الكلف الباهظة للوقود والتأمين، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع الطلب على خدماتها، ويتسبب في نتائج سلبية على أرباحها والمساهمين المستثمرين فيها، وفق التقدير البريطاني، الذي نوه بأن معظم شركات الطيران لا تزال تعاني من حالة الإغلاق التي تعرّضت لها بسبب جائحة كورونا.
زيادة أعداد الفقراء والمهاجرين
ورغم غنى النيجر بالثروات المعدنية والذهب، فإن تقدير المركز العالمي يوضح أنها تقع في آخر ترتيب سلم التنمية البشرية العالمي، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 580 دولاراً سنوياً.
كما أن حوالي 28% من سكان النيجر عاطلون عن العمل، في حين يعمل نحو نصف مليون شخص في شركات التعدين والمناجم؛ لذا فإن نشوب صراع مسلح سيزيد من معدلات الفقر والبطالة، ويتسبب في ارتفاع أسعار السلع وفقدانها، بالإضافة إلى أزمات صحية وإنفاق أقل على الصحة والتعليم، ونقص في الدواء والمعدات الطبية.
ومن شأن الحرب المحتملة أيضاً أن تساهم في تعميق انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني أكثر من 3 ملايين شخص من مواطني النيجر من نقص حاد في الغذاء، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم لأكثر من الضعف حال نشوب الحرب.
وبالنظر إلى عدد سكان النيجر، البالغ قرابة 26 مليون نسمة، يقبع نصفهم تحت خط الفقر، فإن نشوب أية حرب واتساع رقعتها لتشمل دولاً أفريقية، سيولد أزمة إنسانية كبيرة وموجات نزوح كبيرة قد تضيف مزيداً من الأعباء الاقتصادية والأمنية على كل من دول شمال أفريقيا كالجزائر وتونس وليبيا، ويزيد من أعداد طالبي اللجوء لأوروبا، حسب تأكيد الركابي.
الإرهاب وتهديد الأمن العالمي
ويحذر التقدير البريطاني أيضاً من استغلال الجماعات المسلحة الصراع في النيجر لزيادة نفوذها وتعزيز تجارتها في المخدرات والسلاح والبشر، واستخدامها النيجر ممراً باتجاه الدول الأفريقية الساحلية، لتمارس مهامها في القرصنة، وشن الهجمات على عدد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد يصل خطرها إلى دول أوروبية.
وقد يزداد الأمر سوءاً إذا ما وصلت أيدي تلك الجماعات للأسلحة التي حصلت عليها النيجر من الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في وقت سابق، ولذا يدعو المركز العالمي للدراسات التنموية إلى ضرورة إيجاد وسيلة للتفاوض مع قادة الجيش في النيجر، لفهم مبررات وخلفيات انقلابهم، وإعادة هيكلة قطاع التعدين والمناجم في البلاد، ليكون أكثر منفعة لاقتصاد البلد الأفريقي.
فالتوزيع العادل للأرباح بين الشركات الغربية العاملة في قطاع التعدين وحكومة النيجر، من شأنه أن يساهم في تعزيز قدرات البلاد مالياً، وتخفيض معدلات الفقر، والإنفاق بشكل أكبر على تطوير البنى التحتية، وتحسين قطاعات الصحة والتعليم.
كما يتطلب تعزيز الديمقراطية وترسيخها في الحياة العامة، تطوير مفهوم التنمية الشاملة بدلاً من اللجوء للقوة العسكرية التي لن تساهم إلا بمزيد من التعقيد والنتائج الكارثية، ليس على أفريقيا وحسب، وإنما على الاقتصاد العالمي ككل، بحسب التقدير البريطاني.