5 سنوات عِجاف في مصر فمتى السبع السّمان؟

03 يوليو 2018
السيسي يهم بافتتاح مؤتمر شرم الشيخ 2015 (فرانس برس)
+ الخط -

لو تلقت دولةٌ مساعدات ومنحاً خارجية تبلغ قيمتها نحو 70 مليار دولار في غضون سنوات معدودة، لتمكن نظامها الحاكم من تسوية الدولة كلها بالأرض وإعادة بنائها من جديد على أحدث طراز عالمي، ولامتلأت البلاد بآلاف الأبراج السكنية وناطحات السحاب ومقار الشركات العملاقة وشبكات طرق لا مثيل لها في العالم، ولأقيمت بنية تحتية قوية ومستشفيات ومدارس وجامعات مزودة بكل الإمكانيات الحديثة، ولتحوّل العباد داخل هذه الدولة إلى مليونيرات أو على الأقل أصحاب مشروعات استثمارية ورصيد لا بأس به في البنوك.

ولو تلقت دولة شحنات نفطية "يبدأ أولها من دبي وآخرها عند قناة السويس"، كما أعلن مسؤولون إماراتيون في يوليو/تموز 2013، لعامت الدولة على بحيرة من المشتقات البترولية ولغرق أهلها في بحار البنزين والسولار وغيرها من منتجات الوقود.

لكن ما حدث في مصر منذ انقلاب 3 يوليو يشي بغير ذلك، فقد تلقى المواطن والاقتصاد ضربات موجعة لم تتوقف حتى اللحظة، ولا يوجد بادرة أمل باندحارها في المستقبل القريب، كما تعرض المواطن لسلسلة من التصريحات الخادعة والوعود البراقة والآمال العريضة.

ولنبدأ القصة من أوّلها

في 3 يوليو، وقع انقلاب على حكومة مدنية منتخبة، ومنذ ذلك التاريخ يعيش المصريون حالة من المشاكل والتيه الاقتصادي والأزمات التي تحول بعضها لمرض مستعصٍ على الحل، وكأن هناك من يريد للبلد أن تغرق في بحور من الديون والمشاكل.
ومن وعد لآخر، وأزمات معيشية متلاحقة، وارتفاعات في الأسعار لا تتوقف، عاش المواطن السنوات الخمس التي أعقبت الانقلاب، ومارست الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد بعد 3 يوليو 2013 كل أنواع "غسل أدمغة المواطن" عبر آلة إعلامية جبارة وقبضة أمنية لم يسبق أن شهدتها البلاد من قبل، وذلك في محاولة منها لإقناعه أن الغد أفضل، رغم أن هذا الغد يبدو بعيداً.

مصر تستيقظ

بدأت الوعود المنظمة والمتلاحقة بوعد خيالي سال له لعاب المصريين، وهو بناء مليون وحدة سكنية للشباب والطبقات الفقيرة بالتعاون مع شركة أرابتيك الإماراتية، وهو ما يعني القضاء على أزمة السكن المستعصية في البلاد.

وصاحب ذلك وعود أخرى بتحسين الوضع الاقتصادي خلال عامين، ثم تبعتها السلطة الحاكمة بإطلاق شعارات من نوعية "مصر تستيقظ"، و"مصر تنهض"، والاقتصاد المصري ينطلق، وإقرار أعلى موازنة في تاريخ البلاد، والاستثمارات الأجنبية تتدفق من كل حدب وصوب.

مليارات مؤتمر شرم

وبعد مرور أقل من عامين من عمر الانقلاب أُطلقت وعود أخرى تتعلق بنتائج مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي المنعقد في شهر مارس 2015، ومعها تم تجييش الإعلام لإطلاق أكذوبة كبرى تقول إن المؤتمر جذب استثمارات أجنبية تقدر بقيمة 182 مليار دولار، رغم أن الحصيلة كانت متواضعة جدا وعبارة عن قروض خليجية جديدة قيمتها 12.5 مليار دولار مقدمة من داعمي النظام التقليديين "السعودية والإمارات والكويت".

تفريعة قناة السويس

في عام 2016 انطلقت وعود أخرى عن المائة مليار دولار التي قيل إن "قناة السويس الجديدة" ستجلبها للاقتصاد المصري، حينها قيل إن مصر ستودع قريبا أزمة الدولار واضطرابات سوق الصرف بلا رجعة.
وصاحب الوعد زفة إعلامية لم يسبق للبلاد أن شهدتها من قبل حول توفير المشروع العملاق ملايين من فرص العمل وسيولة دولارية ضخمة للبنوك والسوق، رغم أن التفريعة جلبت أصلا الأزمات للاقتصاد حيث سحبت سيولة نقدية 8 مليارات دولار من البنوك، وهو ما أدى لحدوث زيادة متواصلة في سعر الدولار، كما كلفت خزانة الدولة أكثر من 115 مليار جنيه هي حصيلة القروض وفوائدها التي حصلت عليها القناة من المواطنين عبر طرح شهادات استثمار، وبدلا من تدفق مليارات الدولارات من إيرادات القناه للموازنة العامة، راحت القناة تقترض من وقت لآخر ملايين الدولارات لتمويل أنشطتها.

كما صاحبت الوعود السابقة، خديعة تملك كل شاب عشرات الأفدنة من خلال استصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، وخديعة إطلاق مشروعات قومية كبرى ومنها إقامة قلاع صناعية وألف مصنع و4 آلاف مشروع لتشغيل الشباب وغيرها.

الإصلاح الاقتصادي

وعندما استنفدت السلطات الحاكمة كل أنواع الخدع أطلقت خدعة جديدة براقة وتعيش لسنوات هي "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، وعندما تسأل أحد المسؤولين عن أبرز ملامح هذا البرنامج يرد عليك إجابة من المستحيل توقعها لأنها تخالف المنطق والعقل، وهي أن البرنامج يتضمن ثلاثة ملامح، هي تحرير سعر صرف الجنيه وتعويمه، وخفض الدعم المقدم للفقراء خاصة الوقود والكهرباء، وفرض ضريبة القيمة المضافة ومزيد من الضرائب.

وكأن تعويم العملة المحلية والسماح بانهيارها، وفرض مزيد من الضرائب وإفقار المصريين عبر خفض الدعم المقدم للسلع الأساسية، يعد إصلاحاً اقتصادياً وانتصاراً للطبقات الفقيرة والمتوسطة، رغم أنه هزيمة اقتصادية قاسية بكل المقاييس.

مصر ليست فقيرة

خلال السنوات الخمس الماضية تمت "معايرة" المصريين بأنهم لا ينتجون ولا يصنعون ولا يزرعون، وأنهم باتوا عبئاً ثقيلاً على الحكومة، وأن السلطة الحاكمة لا تملك المال الكافي لإطعامهم، " هنجبلكم منين"، كما تمت معايرتهم بأن بلدهم فقير جداً، بعد أن قيل لهم إنها شبه دولة، رغم امتلاك مصر ثروات طبيعية وبشرية قلما تتوافر في دولة من دول العالم بما فيها دول الخليج، كما تم إجراء زيادات متواصلة لسلع ووقود وإسكان الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

مؤشران

مرت 5 سنوات على الانقلاب في مصر، ولن أغرق هنا في الأرقام، ولكن سأتوقف عند مؤشرين يلخصان حالة مصر الاقتصادية خلال 5 سنوات، الأول يتعلق بالحالة المعيشية للمواطن، والثاني بمؤشرات الاقتصاد الكلي.
بالنسبة للمؤشر الأول من حق المواطن أن يسأل نفسه: هل تحسنت أحواله المعيشية طوال السنوات الخمس العجاف، هل توقف قطار ارتفاع الأسعار المتواصل، هل زاد راتبه وتحسن دخله، هل تم بناء مستشفيات ومدارس وجامعات جديدة، أم تم بناء عشرات السجون؟

نعم تحسنت الخدمات المتعلقة بالكهرباء والوقود، لا أحد ينكر ذلك، لكن التكلفة كانت مرتفعة جدا، فالحكومة حصلت على قرض بقيمة 23 مليار دولار من السعودية لشراء الوقود من الخارج، كما حصلت على مليارات الدولارات لتحسين شبكة الكهرباء وبناء محطات جديدة.

أما بالنسبة للمؤشر الثاني المتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي، فيكفي أن نقول إن مصر أصبحت مدينة بأكثر من 5 تريليونات جنيه، أي بأكثر من 280 مليار دولار، منها ما يزيد على 90 مليار دولار ديونا خارجية بنهاية يوليو 2018، وأن هذا الدين تضاعف أكثر من 3 أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، وأن مصر اقترضت في أقل من عامين (نوفمبر 2016 – يوليو 2018) ما لم تقترضه في 50 عاماً، وأنه رغم زيادة الأسعار وخفض الدعم الحكومي فإن العجز في الموازنة العامة للدولة ما زال يسجل قفزات متواصلة.

الارتهان للخارج

مصر بعد خمس سنوات من الانقلاب أصبحت شاحبة اقتصادياً ومالياً، قرارها الاقتصادي والمالي لا يصنع في مقار الحكومة أو وزارة المالية، بل يصنع في واشنطن حيث مقر صندوق النقد والبنك الدوليين، مصر باتت أكثر ارتهانا للخارج وللمدينين، باتت تنفذ مشروعات لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تبلغ كلفة مرحلتها الأولى ما يزيد على 800 مليار جنيه وما يعادل 45 مليار دولار.

وبدلاً من انتظار المواطن المنّ والسلوى والرفاه والرخاء وتحسين الأجور والدخول باتت زيادات الأسعار تمطر عليه من كل اتجاه، وباتت الحكومة تستنزف كل يوم ما تبقى في جيبه، وأصبحت أمنية المواطن هي الحفاظ على المستوى الحالي للأسعار.

لا يوجد في الأفق بصيص أمل يمكن أن يجعل المواطن يصبر على هذا الغلاء الرهيب، ويكفي أن نقول إن 818 مليار جنيه من إيرادات الدولة البالغة نحو تريليون جنيه تذهب لسداد أعباء وأقساط الديون الحكومية في موازنة العام الجديد.

لقد انتهت 5 سنوات عجاف (2013 -2018)، فمتى يرى المصريون السبع السمان؟
المساهمون