استمع إلى الملخص
- أظهرت الدول الغربية استعدادها لاستخدام الاحتياطيات الاستراتيجية وتخفيف العقوبات للحفاظ على استقرار الأسواق، مما يعزز قدرتها على التعامل مع الاضطرابات دون تأثيرات كبيرة على الأسعار.
- ساهمت السيولة العالية وتوافر التكنولوجيا مثل صور الأقمار الصناعية في تحسين قدرة المتداولين على التحوط من المخاطر، مما يقلل من تأثير الشائعات ويجعل الأسواق أكثر استقراراً.
لطالما كانت أسواق النفط تهتز على وقع أي تهديدات أو حروب، بخاصة في المنطقة العربية، لكن ثمة خمسة عوامل تجعل الأسواق تتجاهل أم الصدمات النفطية الآن. فعندما غزا الاحتلال الإسرائيلي لبنان في يوليو/ تموز 2006، قفز سعر برميل النفط بنحو 10% إلى نحو 80 دولاراً. والآن، بحسب تقرير أوردته بلومبيرغ اليوم الأربعاء، كان رد فعل الأسعار مماثلاً مع أن المعارك أكثر شراسة وامتداداً زمنياً، بخاصة في أحداث مثل تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية، واغتيال زعماء حزب الله وحماس، ووابل الصواريخ الباليستية الإيرانية التي ضربت تل أبيب قبل أيام.
وبحسب بلومبيرغ، فإن إمدادات أسواق النفط مهددة الآن، لدرجة أن الرئيس الأميركي جو بايدن حذر إسرائيل علناً الأسبوع الماضي، قائلاً: "أعتقد أنني لو كنت في مكانهم، لكنت فكرت في بدائل أخرى غير ضرب حقول النفط". إنما أسواق النفط في الواقع لا تتفاعل كثيراً مع المخاطر في المنطقة بالقوة نفسها التي كانت تتفاعل بها سابقاً، بحيث أصبحت "علاوة الحرب" أصغر وتتلاشى أسرع.
ولو كانت أسواق النفط تسعر حالياً وفقاً لأسوأ السيناريوهات، لكان الأمر أشبه بـ"أم الصدمات التي قد تطرأ على إمدادات النفط"، بحسب بلومبيرغ، التي تعتقد أن سيناريو مشابهاً كان ليسير على النحو التالي: تهاجم إسرائيل محطة تصدير النفط الإيرانية في جزيرة خرج التي تشحن طهران منها 90% من إنتاجها، فترد طهران بقصف حقول النفط في السعودية والكويت والإمارات، الأمر الذي يؤثر في جزء كبير من الإنتاج العالمي. وتندلع فوراً حرب إقليمية شاملة تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، الممر الملاحي لمعظم النفط في الشرق الأوسط. وهذا يستحق ارتفاعاً لأسعار النفط يفوق كثيراً نسبة 10%.
وتشير بلومبيرغ إلى أن هناك خمسة أسباب وجيهة لاختلاف تسعير المخاطر الجيوسياسية الآن عن السابق، وهي:
1 - الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم، وبالتالي انهار اعتمادها على النفط من المنطقة. في يوليو/تموز 2006، كانت البلاد تضخ 6.8 ملايين برميل يومياً من إجمالي السوائل النفطية. واليوم، تضخ أكثر من 20.1 مليون برميل. وفي عام 2006، بلغت واردات الولايات المتحدة الصافية من النفط أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 12.5 مليون برميل، بينما الآن أصبحت أميركا مصدراً صافياً بنحو 1.5 مليون برميل. ولا تعني هيمنة النفط الأميركية أن انقطاعات النفط في الشرق الأوسط ليس لها تأثير حقيقي، لكنها بالتأكيد تغير مزاج السوق.
2 - أظهر الغرب الإرادة للقيام "بكل ما يلزم" لتقليل عمليات إغلاق الإمدادات، بما في ذلك استخدام الاحتياطيات الاستراتيجية في وقت أبكر مما كان عليه الحال وبكميات أكبر. كما خففت الدول الغربية العقوبات النفطية ضد الدول المنتجة، ما أدى أحياناً إلى المخاطرة بفقدان المصداقية السياسية، للحفاظ على إمدادات جيدة لأسواق البترول وانخفاض الأسعار.
وفي بعض النواحي، كان المعادل النفطي هو الذي يهدأ أسواق الأسهم والسندات في السنوات الأخيرة. وكما فعلت البنوك المركزية في الأسواق المالية، فإن صناع السياسات النفطية من واشنطن إلى طوكيو سينشرون أيضاً صواريخهم ضد أي إغلاق للنفط.
3 - على مدى العقدين الماضيين، أظهرت الدول المنتجة للنفط قدرة ملحوظة على التعافي من عمليات إغلاق الإمدادات. مثلاً، في عام 2019، هوجمت منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، وخفضت إمدادات المملكة بنحو 50%، لكن لبضعة أيام فقط بدلاً من الأشهر التي كان يخشاها الكثيرون. كما عادت صناعة النفط الليبية إلى التعافي من انتفاضة 2011 ضد الزعيم معمر القذافي دون أن تلحق بها أضرار كبيرة، وكذلك فعلت البنية الأساسية للنفط العراقي بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وقد أحدثت كل هذه الأحداث شعوراً بالأمان ربما يكون زائفاً ولكنه يشكل الكيفية التي يرى بها المتداولون الاضطرابات المحتملة وتأثيرها المحتمل.
4 - سوق خيارات النفط أكثر سيولة بكثير، مما يسمح للمتداولين بشراء التأمين بتكلفة معقولة، بدلاً من اتخاذ رهانات اتجاهية صريحة. وفي عام 2006، كان متوسط الحجم اليومي لخيارات الشراء التي توفر حماية الأسعار الصاعدة لخام برنت، حوالي 10 آلاف لوت، بينما يبلغ متوسطه 150 ألف لوت الآن، وبلغ ذروته عند 350 ألف لوت يومياً في الآونة الأخيرة.
وتمنح السيولة الإضافية السوق أدوات أفضل وأرخص للتحوط من المخاطر دون دفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل كبير. وفي هذا الصدد، تنقل بلومبيرغ عن استراتيجي النفط في شركة آر بي سي كابيتال ماركتس، بريان ليسن، قوله إن المتداولين اشتروا إلى حد كبير "الحماية قصيرة الأجل" في الآونة الأخيرة "بدلاً من التخلي التام عن المواقف الهبوطية".
5 - أصبح ضباب الحرب أخف سماكة بفضل توافر صور الأقمار الصناعية التجارية بسعر معقول، والتي تسمح للمتداولين بمراقبة ما يحدث مباشرة تقريباً بدلاً من التخمين. كما حسنت الأقمار الصناعية عملية تتبع ناقلات النفط المغادرة من الموانئ. وبالتالي، أصبح بإمكان سوق النفط أن تتداول أكثر بناءً على المعلومات بدلاً من الشائعات.