4 مخاطر تهدد بقاء البنوك الصغيرة أبرزها هروب المودعين

15 مارس 2023
مصرف "فيرست ريببليك" تعرّض لضغوط يوم الاثنين (Getty)
+ الخط -

تمكّنت البنوك المركزية ومسؤولو المال في العواصم الغربية حتى الآن من السيطرة على الأزمة المصرفية التي نشأت بسبب إفلاس بنك سيليكون فالي الأميركي، لكن أزمة البنوك الصغيرة في العالم لم تنته، حيث يتواصل هروب المودعين منها إلى البنوك الكبرى لحماية أموالهم، كما يستمر في الوقت ذاته تراجع أسهمها في البورصات، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا التي توجد بها مئات المصارف الصغيرة.

ويرى محللون أن هروب الإيداعات في أميركا سيتركز خلال العام الجاري على البنوك الصغيرة التي لديها إيداعات غير مؤمن عليها في مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية، كما من غير المتوقع أن تواصل الحكومة الأميركية تعويض المودعين في حال إفلاس مزيد من البنوك.

ويلاحظ في يوم الاثنين تراجع سهم مصرف "فيرست ريببلك" بأكثر من 60% في سوق وول ستريت، كما شهدت أسهم الصناعة المصرفية تراجعاً في العديد من البورصات العالمية.

وبحسب هؤلاء، فإنّ البنوك الصغرى باتت تواجه مخاطر كبرى بعد أزمة مصرف سيليكون فالي، وهي أزمة نقص السيولة التي أدت إلى هروب المستثمرين منها إلى البنوك الكبرى، وارتفاع سعر الفائدة المصرفية الذي يهدد العائد على استثماراتها، وتباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من الدول الكبرى، وارتفاع حجم الإيداعات غير المؤمن عليها، وتدهور نوعية القروض المقدمة للعملاء من حيث التصنيف الائتماني، وعدم القدرة على تحمل مخاطر تقديم قروض كبيرة وبآجال طويلة.

في هذا الصدد، يقول البروفسور بجامعة تكساس، وليام تشيندين، إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إفلاس "سيليكون فالي" هي أزمة النقص في السيولة، بعد أن خسر البنك 1.8 مليار دولار في السندات التي استثمر فيها بسبب الارتفاع السريع في سعر الفائدة، ولم يكن قادراً على الحصول على تمويلات جديدة من السوق لتعويض الخسارة، وهو ما قاد تلقائياً إلى تدهور قيمة سهمه في أسواق المال، وعلى رأسها "وول ستريت".

ولاحظ تشيندين في تعليقات لقناة "بي بي سي" نيوز، أن معظم البنوك التي أفلست في الماضي، بعد أزمة المال العالمية، كانت لديها قاعدة إيداعات صغيرة مقارنة بمصرف "سيليكون فالي" الذي كانت حجم أصوله تفوق 209 مليارات دولار، وودائعه 175 مليار دولار في نهاية عام 2022. لكنّه يستبعد أن يقود إفلاس "سيليكون فالي" إلى إفلاسات بالمصارف الأميركية الكبرى رغم مخاطر استمرار الفائدة المرتفعة على الدولار.

في الصدد ذاته، يقول مصرف "آي أن جي" الهولندي في تحليل عن مخاطر الصناعة المصرفية، إن الصناعة تواجه مخاطر عديدة خلال العام الجاري 2023، أهمها تواصل ارتفاع سعر الفائدة على الاقتراض من قبل البنوك المركزية، وتباطؤ النمو الاقتصادي بالعديد من الدول الكبرى.

ويرى أنّ البنوك التي لديها حصة كبيرة من قروض "سعر الفائدة العائم" في دفاترها ستستفيد من معدلات أعلى في إيراداتها، ولكن من المحتمل أيضاً أنّ تشهد مزيداً من الضغط في جودة القروض. كما يضيف أنّ البنوك التي لديها حصة كبيرة من الرهون العقارية ذات السعر الثابت ستشهد حركة بطيئة في معدلات الإقراض.

على صعيد الودائع غير المؤمن عليها، أي القابلة للتعويض في حال الإفلاس، تقدرها مؤسسة تأمين الودائع الأميركية بنحو تريليون دولار في نهاية العام الماضي 2022. وهنالك مخاوف متزايدة وسط المودعين من خسارة أموالهم المودعة في المصارف الصغيرة التي لديها إيداعات غير مؤمن عليها. وبالتالي من المتوقع أن يتواصل الهروب إلى المصارف الكبيرة.

ورغم أن المصارف الكبيرة ليست خالية تماماً من القلق بشأن مخاطر الودائع غير المؤمن عليها، لكن لديها أصول ضخمة تؤمنها من مخاطر حدوث نقص كبير في السوق العالمي في السيولة.

وحسب بيانات نشرة "إنسايدر إنتيليجنس" التي ترصد أداء البنوك الأميركية، فإنّ البنوك الأربع الكبرى لديها أصول تفوق 8 تريليونات دولار حتى نهاية عام 2022. وتشير البيانات، إلى أنّ أصول بنك "جي بي مورغان تشيس بلغت" 3.31 تريليونات دولار، بينما تبلغ أصول "بانك أوف أميركا" 2.41 تريليون دولار، و"سيتي غروب" 1.171 تريليون دولار و"ويلز فارغو" 1.712 تريليون دولار. وذلك في نهاية العام الماضي 2022.

وعلى الرغم من أنّ البنوك الكبيرة في أميركا تعرض العديد منها لضربات نسب رأس المال التي فرضت عليها من قبل بنك التسويات الدولية، وعانت من ارتفاع أسعار الفائدة وما سبّبه لها من مخاطر وخسائر في الأوراق المالية غير المحققة. لكن يبدو أنّ المستثمرين يشعرون بأن هذه البنوك لديها موارد مالية ضخمة، ولديها وحدات استثمار أكثر تنوعاً، وقدرة تنظيمية، مقارنة بالبنوك الصغرى، تحميها من أزمات السيولة.

ويرى محللون أنّ الأزمة ستقود تلقائياً إلى تسريع التحول في الودائع الأميركية والعالمية إلى البنوك الكبرى، مما يضاعف بشكل مضطرد مخاطر البنوك الصغرى خلال العام الجاري. ولا يستبعد محللون أنّ تتعرض المصارف الصغيرة لأزمة سيولة حادة تكون نتيجتها، إجبارها على خيارين أحلاهما مرّ، وهما بيع أسهمها بأسعار بخسة للبنوك الكبرى أو التعرض للإفلاس.

والسؤال الذي يطرح نفسه لدى رجالات الصناعة المصرفية، هو ما إذا كان المستثمرون قد يخرجون من أزمة إفلاس مصرف "سيليكون فالي" دون أن يسيطر عليهم كابوس المخاوف من البنوك الصغيرة. كما أنّ هناك شكوكاً واسعة حول قدرة البنوك الصغيرة في الولايات المتحدة على التنافس مع الكبرى بعد هذه الأزمة، وعما إذا كانت قادرة على تحقيق أرباح لأموال المودعين.

وفي الشأن ذاته، يرى محللون أنّ البنوك الصغيرة ستكون مضطرة، بعد هذه الأزمة، للاحتفاظ بقدر كبير من السيولة في متناول اليد لتطمين المودعين، ودرء مخاطر هروب الودائع منها، كما ستواجه أيضاً صعوبة في منح قروض طويلة الأجل للعملاء. وربما تكون البنوك الصغيرة تحت ضغط نقص السيولة لفترة طويلة، ما يجبرها على الاستثمار في الأدوات المالية قصيرة الأجل.

المساهمون