توسع الاقتصاد الصيني البالغ حجمه 17.3 تريليون دولار، بنسبة 6.3% في الربع الثاني من العام الماضي، وهو أقل من توقعات السوق. كما تراجع الطلب العالمي على الصادرات الصينية رغم ضعف سعر صرف اليوان مقابل الدولار.
وعادة ما يساهم تراجع سعر العملة في زيادة تنافسية صادراتها، كما أدى انخفاض أسعار العقارات إلى استنفاد ثقة المستهلك.
وقال المكتب الوطني للإحصاء في بكين يوم الاثنين، إن الناتج المحلي الإجمالي الصيني في الفترة من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران كان أكبر بنسبة 6.3%، مقارنة بنسبة النمو السنوي البالغة 4.5% للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023.
كما سجل الاقتصاد الصيني نموا ضعيفا في الربع الثاني من هذا العام بلغ 0.8%، على خلفية ضعف الطلب المحلي وتراجع الصادرات واضطراب القطاع العقاري. وهذه النسبة تأتي أدنى من الأرقام التي سجّلها الاقتصاد الصيني في الربع الأول والبالغة 2.2%.
وكانت البنوك الأميركية الكبرى قد راجعت هذا الأسبوع توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني إلى 5% خلال العام الجاري. وهو ما يعني أن مستقبل هذا الاقتصاد يواجه مجموعة من العقبات التي تهدد قيادته للنمو العالمي في مقابل صعود اقتصادات ناشئة مثل الهند.
ويرى اقتصاديون أن هنالك ثلاثة عوامل كبرى تعترض نمو الاقتصاد الصيني خلال السنوات المقبلة، وهي أزمة السوق العقاري الضخم الذي يبلغ حجمه قرابة ربع إجمالي الناتج المحلي الصيني، والقيود الغربية المفروضة على قطاع التقنية الصيني، وتراجع الصادرات التي تمثل نسبة 20.68% من إجمالي حجم الاقتصاد.
في هذا الشأن، يرى الاقتصادي الصيني والخبير السابق بصندوق النقد الدولي، وانغ تاو، أن الاقتصاد الصيني يواجه العديد من التحديات المستقبلية، على رأسها القيود الأميركية المفروضة على تملك بكين للتقنية المتطورة التي تعد من أهم مركبات تحديث الاقتصاد وخفض كلفة الإنتاج. وهذه القيود تقود تلقائياً إلى تباطؤ عجلة الإنتاج، وبالتالي تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويشير الاقتصادي تاو إلى أنه يرى أن القيود الغربية على التقنية ستخفض النمو المحتمل للصين بمقدار 0.5 نقطة مئوية سنويًا في الأعوام المقبلة حتى العام 2030. ولكنه يعتقد أن البلاد لديها مساحة واسعة لتطوير تقنيتها والارتقاء بسلاسل القيمة المضافة في السنوات المقبلة. ويقول تاو، في حالة نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 50% بالقيمة الحقيقية في العام 2030، مقارنة بما كان عليه في العام 2020، فإن حجم الاقتصاد سيرتفع إلى 26 تريليون دولار بالقيمة الاسمية.
يذكر أن الارتفاع الحاد في أسعار الأراضي بالريف الصيني على مدى العقدين الماضيين أدى إلى تضخم قطاع العقارات، مما ساعد الحكومات المحلية على تلبية احتياجات إنفاقها العام.
وحسب بيانات نشرها هوانغ على موقع معهد بيترسون، زادت حصة عائدات بيع الأراضي في إجمالي إيرادات الحكومات المحلية من 20% في العام 2012 (2.7 تريليون يوان) إلى 30% في العام 2021 (8.7 تريليونات يوان).
كما حققت الإيرادات من الضرائب المتعلقة بالممتلكات حوالي 19% من إجمالي إيرادات الميزانية العامة للحكومات المحلية في العام 2021، وشكلت الإيرادات من بيع حقوق استخدام الأراضي وتحصيل الضرائب المتعلقة بالأراضي 37% من إجمالي الإيرادات المالية لجميع الحكومات المحلية في الصين عام 2021.
وعام 2022، أدى تشديد القيود على المطورين إلى حدوث عدد قياسي من حالات التخلف عن سداد الديون، كما تسبب في أخطر تراجع في قطاع الإسكان في الصين منذ العام 1998، إذ واجهت الحكومات المحلية صعوبة في بيع الأراضي، وبالتالي انخفض إجمالي إيرادات بيع الأراضي في العام 2022 إلى 6.7 تريليونات يوان، بانخفاض 23% عن العام السابق. كما انخفض الدخل الحكومي المتعلق بالأراضي من 37% من إجمالي إيرادات الحكومة المحلية في العام 2021 إلى 31% عام 2022.
وعلى الرغم من أن الحكومة المركزية في بكين علقت القيود المالية على المطورين لتحفيز الاقتصاد، إلا أن أزمة ديون العقارات ستظل واحدة من العقبات الرئيسية لتوسع الاقتصاد الصيني في المستقبل.
ويقول الاقتصادي هوانغ، إنه لتجنب المزيد من الانكماش العقاري في المستقبل، هناك حاجة إلى إصلاحات جادة لمعالجة الروابط العميقة للحكومات المحلية بالعقارات. ويشير إلى أن الحكومات المحلية بحاجة إلى مصادر دخل أكثر استقراراً من عائدات الأراضي للحفاظ على إنفاقها على المدى الطويل.
من جانبه، يرى مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، أن التدهور الكبير في سوق الإسكان الصيني الذي بدأ منذ النصف الثاني من العام 2021 أدى إلى ارتفاع معدلات التخلف عن السداد لشركات التطوير العقاري، وزيادة الضغط على الحكومات المحلية، وانهيار مبيعات الأراضي.
ويؤدي تدهور سوق العقارات إلى تآكل ثروات الأسر وضمور الطبقة الوسطى، وربما يتطور في المستقبل ليقود إلى أزمة مصرفية وفق محللين.
وكان قطاع العقارات على مدى العقود القليلة الماضية إحدى الصناعات الأساسية في الصين، ومصدراً رئيسياً لثروات الأسر، وساهم بدرجة رئيسية إلى جانب قطاع التقنية في نمو الطبقة الوسطى وعدد الوظائف.
أما العامل الثالث الذي يواجه الاقتصاد الصيني فيكمن في أزمة المعاشات التي من المتوقع أن تتفاقم خلال السنوات المقبلة مع تزايد كبار السن وتراجع القوة العاملة الشابة.
في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي الأميركي مايكل إي أوهانيون في دراسة بمعهد بروكنغز للدراسات بواشنطن، إن التحول الديموغرافي بالصين سيشكل في السنوات والعقود القادمة من القرن الحادي والعشرين، قيدًا رئيسيًا على نمو القوة العاملة الصينية في الصين، إذ إن عدد السكان في سن العمل بلغ ذروته في العام 2011 بأكثر من 900 مليون نسمة.
ويقدر أن هذا العدد سيتراجع بمقدار الربع تقريبًا، إلى حوالي 700 مليون نسمة بحلول منتصف القرن. وبالتالي سيرفع ذلك من الإنفاق الحكومي على الضمان الاجتماعي لكبار السن، إذ سيرتفع عدد السكان فوق سن 60 عاماً إلى نحو 500 مليون نسمة، مقارنة بعددهم الحالي البالغ 200 مليون نسمة.
على صعيد اليوان واحتمال تراجع المركز المالي لهونغ كونغ، ترى شركة "كي بي أم جي" لتدقيق الحسابات، أن هونغ كونغ تلعب دوراً مهماً في تدويل اليون أو الرنمينبي، إذ إنها هي أكبر مركز أعمال خارجي في العالم بالرنمينبي، حيث تمثل نسبة 73% من معاملات الدفع الدولية بالرنمينبي.
ووفقًا لمؤشر العولمة المعياري للرنمينبي الذي ينشره مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني، نما الاستخدام الدولي لليوان بنسبة 26% خلال عام 2022 ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه.
على سبيل المثال، في المستقبل القريب ولكن على المدى الطويل ربما يواجه عقبات مع هجرة الشركات الغربية للسوق الصيني ومخاوف حرب التجارة والتقنية لبكين مع واشنطن.
وفي المقابل، فإن الضغوط السياسية التي يواجهها الأثرياء وملاك شركات التقنية من الحكومة الصينية تدفع العديد منهم للهجرة إلى سنغافورة وطوكيو.