فيروس كورونا يلقي بظلاله على استقرار الجنيه المصري

28 ابريل 2020
احتياطي النقد الأدنى منذ سنتين (فرانس برس)
+ الخط -


حقق الجنيه المصري ارتفاعاً نادراً بين عملات الأسواق الناشئة المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، لكن الضغط يتزايد عليه للتراجع.

ويشير اقتصاديون ومصرفيون إلى أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، والتي هي بالفعل عند أدنى مستوياتها في أكثر من عامين، ستتعرض لمزيد من الضغط بسبب هبوط متوقع في التحويلات من المصريين العاملين في دول الخليج الغنية بالنفط، وسداد ديون، وانهيار في إيرادات السياحة، وتراجع في أسعار الغاز العالمية.

وقال محللون إن البنك المركزي المصري، شأنه شأن السلطات النقدية في الاقتصادات الناشئة الأخرى، أبقى على ثبات الجنيه في الأسابيع الأخيرة باستخدام بعض احتياطياته من النقد الأجنبي، إذ تدفع جائحة فيروس كورونا المستثمرين للتخلص من الأصول العالية المخاطر.

ويقول اقتصاديون إن اتفاق تمويل محتملاً مع صندوق النقد الدولي، قد يزيد الضغط على الجنيه في الأجل المتوسط.

والنظرة العامة لصندوق النقد الدولي هي أنه من الأفضل تحديد قيمة العملات من خلال الأسواق، على الرغم من أن كريستالينا جورجيفا المديرة الجديدة للصندوق، تقول في الآونة الأخيرة إن أسعار الصرف المرنة، ربما لا تكون دائمًا ممتص الصدمات الأكثر ملاءمة للاقتصادات النامية التي تتعرض لضغط.

وقال فاروق سوسة الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى غولدمان ساكس "تنامت مخاطر بعض التعديل في الأجل القريب"، لافتاً إلى أنه يتوقع أن تركز مصر على الإبقاء على ثبات الجنيه في الوقت الحالي.

وأضاف "نسمع مخاوف من أن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد ربما يتطلب مرونة أكثر للجنيه في الأجل المتوسط أيضاً، لكن الأدلة تشير إلى أن استقرار الجنيه وبرنامج من صندوق النقد الدولي لا يتعارضان".

وامتنع صندوق النقد الدولي عن التعقيب، مشيراً إلى بيان يوم الأحد الذي يؤكد طلبا من مصر ويشيد بالإجراءات التي اتخذتها لمواجهة تداعيات كوفيد-19.

ولم يرد المركز الصحافي التابع للحكومة المصرية على أسئلة "رويترز"، وأشار فقط إلى بيان من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يوم الأحد، يعلن أن مصر ستسعى إلى مساعدة من صندوق النقد الدولي لمواصلة دعم البلاد في ظروف استثنائية. ولم يرد البنك المركزي على طلبات للتعقيب.

ارتفع الجنيه المصري نحو 2% مقابل الدولار هذا العام، وهو أحد العملات القليلة للدول النامية التي حققت مكاسب. وهوى كل من البيزو المكسيكي والراند الجنوب أفريقي 20%.

وتشير تقديرات محللين ببنك أوف أميركا إلى أن الجنيه المصري يزيد عن قيمته الفعلية مقابل الدولار بنحو 15%. وتتحرك العملة داخل نطاق ضيق جداً منذ منتصف مارس/آذار.

وقالت فينيكس كالين من "سوسيتيه جنرال" "التدخل المكثف أتاح لسعر الصرف تحركا شبيها بربط العملة مع استقراره بشكل أساسي عند 15.75 جنيها مقابل الدولار".

ومن ناحية أخرى، تضررت احتياطات مصر من النقد الاجنبي مع هبوطها 10% إلى 40 مليار دولار في مارس/آذار وفقا لبيانات رسمية، وهو معدل انخفاض يقول اقتصاديون إن البلاد لا تتحمل أن يستمر.

ومن بين الأسواق الناشئة، فإن تركيا فقط هي التي سجلت تراجعا أكبر لاحتياطيات النقد الأجنبي من حيث النسبة المئوية في مارس، وفقا لبيانات معهد التمويل الدولي.

وقال كالي دافيز الاقتصادي في "إن.كيه.سي أفريكان إيكونوميكس": "إستراتيجية السحب من الاحتياطيات لإدارة العملة لا يمكن أن تستمر... ستقود إلى المغالاة في قيمة الجنيه... وهو ما يشير لانخفاض في القيمة في الأجل المتوسط".

وفي بيان في 7 إبريل/نيسان، قال البنك المركزي المصري إنه سحب من الاحتياطيات الأجنبية ليغطي جزئيا خروج محافظ استثمار أجنبية ولتلبية احتياجات السوق المحلية من العملة الصعبة لاستيراد سلع استراتيجية فضلا عن سداد التزامات خدمة الدين الخارجي.

خفض قيمة العملة

يسلط انكماش مخزون مصر من النقد الأجنبي الضوء على مأزق البنك المركزي إذ يسعى لإعطاء أولوية لاستقرار الأسعار ومستويات المعيشة بينما يواجه نموا متباطئا. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد سينمو 2% فقط في 2020، وهو انخفاض حاد من 5.6% العام الماضي.

وساهم نزوح تدفقات المستثمرين في الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. وبحسب بيانات وزارة المالية والبنك المركزي، نزح من مصر ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار في مارس/آذار.

وفي المرة السابقة التي توصلت فيها القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في 2016، وافقت على السماح بتعويم الجنيه، مما تسبب في انخفاض قيمته بنسبة 50%. وفي المقابل، تلقت الحكومة قرضا بقيمة 12 مليار دولار.

وخلال الاضطرابات التي أعقبت إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك في 2011، أنفق البنك المركزي الكثير من احتياطياته من النقد الأجنبي لدعم الجنيه، لتهبط إلى مستوى منخفض عند 13.42 مليار دولار في 2013.

ومالية مصر في وضع أفضل كثيرا منها في 2011. وقلص اتفاق صندوق النقد الدولي دعم الطاقة وشمل تطبيق ضريبة للقيمة المضافة للمساعدة في خفض العجز، وهو ما قوبل بإشادة من المستثمرين.

وقال مدبولي يوم الأحد "الاقتصاد المصري نجح في الصمود بفضل الإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال السنوات الأربع الماضية، وهو الأمر الذي يظهر جليا في توافر السلع، وعدم اهتزاز أسواق النقد".

لكن شأنها شأن أسواق ناشئة أخرى، تعرضت سندات مصر لضغوط في الأسابيع القليلة الماضية. وصعدت تكلفة التأمين على ديونها السيادية ضد مخاطر التعثر إلى ما يزيد كثيرا على 600 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2013، بحسب بيانات آي.إتش.إس ماركت.

ووفقا لحسابات جيه.بي مورغان، يتعين على مصر أيضا سداد سندات دولية بقيمة مليار دولار يحين موعد استحقاقها في 29 إبريل/ نيسان، وكذلك مدفوعات فوائد بقيمة 1.824 مليار دولار على ديونها بالعملة الصعبة في 2020

وفي الوقت الذي يجري فيه تداول عوائد السندات الدولارية عند حوالي 8% في أعقاب تراجع السوق في الآونة الأخيرة، فإن طرق أسواق رأس المال الدولية يبدو باهظ التكلفة بالنسبة لمصر شأنها شأن الكثير من الأسواق الناشئة الأخرى.

وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس "إذا حاول صناع السياسة دعم الجنيه لفترة طويلة، فإن هذا يهدد بتكرار المشكلات التي أدت في 2016 إلى هبوط بنسبة 50% للعملة"، متوقعا أن ينخفض الجنيه 7.5%هذا العام.

وأضاف  "اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يعني أن السلطات سترخي على الأرجح قبضتها على الجنيه عاجلا وليس آجلا".

(رويترز)
المساهمون