كل المؤشرات الاقتصادية والمالية تؤكد أن انفجاراً قادماً في السودان، ما لم تحدث معجزة، خاصة مع عدم إحراز الحكومة الحالية أي تقدم لاحتواء الأزمة المعيشية العنيفة، ولم يحدث كذلك تدفق للمساعدات الإقليمية أو الدولية التي راهن عليها النظام الحاكم الجديد في تلبية احتياجات المواطن، وبالتالي كبح هذا الانفجار المرتقب.
فهناك أزمة حادة في الخبز والطحين أعادت إلى الأذهان الأزمة التي مرت بها البلاد قبيل الثورة على نظام عمر البشير، والمخزونات الاستراتيجية من القمح لم تعد تغطي سوى استهلاك سبعة أيام فقط كما قال وزير المالية إبراهيم البدوي أمس الخميس.
والجنيه السوداني يتهاوى بسرعة في ظل شح الموارد الدولارية، وانتعاش السوق السوداء رغم الحملات الأمنية المكثفة التي تستهدف تجار العملة، حيث بلغ سعر الدولار 120 جنيها.
والحكومة تواجه صعوبات شديدة في توفير النقد الأجنبي الضروري لتمويل واردات القمح والأغذية والمشتقات البترولية من بنزين وسولار والأدوية، لدرجة أنها باتت غير قادرة على تخليص حمولة سفينة شحن قمح قادمة، وهناك أزمة في استيراد السلع الرئيسية وغيرها من المواد التي تحتاجها الأسواق أو المصانع، وهناك عجز عن سداد الديون الخارجية.
والقطاع المصرفي على شفا الانهيار، خاصة وأنه يواجه أزمة سيولة حادة أثرت سلبا على الأسواق المالية وقطاعات الاقتصاد، حيث إن السيولة الدولارية المحدودة باتت في حوزة التجار والمضاربين وسماسرة العملة.
والبنك المركزي يعاني من شحّ في الاحتياطي الأجنبي، وعدم قدرة على كبح عمليات المضاربة على العملة في أسواق الصرف غير الرسمية، ولا خطوات إيجابية في ملفات أخرى مزمنة منها زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم وغلاء الأسعار والفساد والرشوة والتهرب الضريبي.
يزيد الوضع القائم في الشارع السوداني صعوبة انتشار فيروس كورونا عالميا وتأثيره على تدفق التجارة الخارجية خاصة من الصين؛ فأسواق السودان تشهد شحا كبيرا في المواد والسلع الصينية مثل الملابس وقطع الغيار ومستلزمات المواد الغذائية، قد يعقبها حدوث ارتفاع كبير في الأسعار خلال الفترة المقبلة.
وفي ظل تفاقم الوضع المعيشي للمواطن، لم تطرح الحكومة رؤية محددة لعلاج الأزمة المتفاقمة سوى طلبها مساعدات من الخارج وتلميحاتها باللجوء إلى مؤسسات التمويل الدولية للحصول منها على قروض ضخمة.
فلم نسمع مثلا عن البدء في تطبيق الحكومة خطة لزيادة الإنتاج والصادرات وتنشيط السياحة وتحويلات المغتربين، أو عن تهيئة المناخ الملائم لجذب استثمارات أجنبية لقطاعات الإنتاج المختلفة، فقط سمعنا عن طلب الحكومة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار، والرهان على مؤتمر أصدقاء السودان الذي يعقد في استوكهولم منتصف شهر يونيو القادم، والحديث عن الغاء العقوبات الأميركية رغم أثرها المحدود على الاقتصاد والمواطن.
ببساطة وكأن ثورة شعبية ما قامت، وكأن نظاما لم يسقط، فالنظام الحالي يقف عاجزا أمام مواجهة الأزمات المعيشية، لم تعد لديه القدرة على تلبية احتياجات رجل الشارع.
هو يراهن فقط على الاقتراض الخارجي والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول منه على قروض ضخمة أسوة بما فعلته دول عربية أخرى مثل مصر وتونس، رغم مخاطر هذا التوجه.
والنتيجة المتوقعة هي اندلاع ثورة شعبية عليه، خاصة إذا ما رفع أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء، وأوقف دعم رغيف الخبز والمياه كما يطالب صندوق النقد، إلا إذا استخدم القبضة الأمنية وسيف الاعتقالات لمواجهة تلك الثورة، وحتى هذه الأدوات القمعية قد لا تنجح في بلد مثل السودان.