يقضي فيروس كورونا على ما تبقى من أوصال دول مجلس التعاون الخليجي، التي اهترأت بفعل الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين على قطر منذ الخامس من يونيو/حزيران 2017، ليدفع الفيروس القاتل العديد من دول المنطقة إلى فرض حصار بعضها على البعض الآخر بقطع رحلات الطيران وغلق المنافذ الحدودية ووقف السفن، خوفا من انتشار عدوى كورونا.
وبدأت خسائر الهلع من كورونا تتسرب إلى أسواق المال وحركة السلع والنقل، بعد أن انحصرت على مدار الأسابيع الأخيرة في هبوط أسعار النفط، ما دعا السعودية أكبر مصدر للخام في العالم إلى تبديل لهجتها، لتدعو، الثلاثاء، إلى عدم التهوين من خطورة الفيروس القادم من الصين، بينما كانت تدعو قبل أسابيع إلى عدم التهويل في تقدير كورونا وتداعياته على أسواق النفط والاقتصادات العالمية.
وعلقت البحرين، جميع الرحلات القادمة من مطاري دبي والشارقة في الإمارات لمدة 48 ساعة، وفق بيان صادر عن هيئة شؤون الطيران المدني، أمس، مشيرة إلى أنه سيتم فحص جميع القادمين لمطار البحرين الدولي المشتبه بإصابتهم بالفيروس، وفي حال ظهور الأعراض عليهم سيتم عزلهم في المراكز المخصصة لذلك.
وكانت الإمارات الدولة الخليجية الأولى، التي أعلنت عن تسجيل إصابات بالفيروس، تلتها البحرين ثم الكويت وسلطنة عمان، في حين لم تعلن السعودية وقطر حتى الآن عن تسجيل أية إصابات بالمرض.
وبينما بدأت دول الخليج بقطع الرحلات الجوية مع إيران التي ينتشر فيها الفيروس القاتل وإيقاف حركة السفن معها، تنتقل هذه السياسة لتعامل دول الخليج بعضها مع البعض الآخر.
فقد أعلنت مؤسسة الموانئ الكويتية، الإثنين الماضي، حظر دخول السفن القادمة من العراق بكل أنواعها لموانئها، حتى إشعار آخر، ضمن جهود مكافحة "كورونا".
كما أغلق العراق معبر سفوان الحدودي مع الكويت أمام حركة المسافرين والتجارة، وذلك بطلب من السلطات الكويتية، قبل يومين. وأعلنت كذلك شركة موانئ قطر، بدء فحص جميع السفن القادمة إلى موانئ حمد والرويس والدوحة، خاصة من البلدان التي أعلنت تسجيل حالات إصابة بالفيروس.
ويزيد الفيروس من مأزق دول الخليج التي تواجه بالفعل صعوبات اقتصادية بفعل تراجع عائدات النفط منذ أكثر من خمس سنوات والأزمة السياسية التي تعصف به منذ فرض حصار على قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017.
وقال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، أمس الثلاثاء، إن توقعات الوكالة لنمو الطلب العالمي للنفط انخفضت لأدنى مستوياتها في 10 سنوات، وقد يتم تخفيضها أكثر بسبب تأثير انتشار فيروس كورونا.
وأضاف بيرول، في تصريحات رويترز على هامش مؤتمر للطاقة في لندن: "بالتأكيد نشهد أدني معدل لنمو الطلب على النفط في السنوات العشر الأخيرة وقد نحتاج لتعديله هبوطا".
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري أن ينكمش الطلب بمقدار 435 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الحالي 2020، وهو أول انخفاض فصلي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
وقال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنه يتعين على تحالف منظمة أوبك والمنتجين من خارجها في ما يعرف بـ"أوبك+" ألا يتهاون بشأن فيروس كورونا، في تبدل واضح في لهجة السعودية وكذلك الإمارات، التي دعت قبل أسابيع إلى عدم التهويل في شأن تداعيات كورونا على أسواق النفط والاقتصادات العالمية.
وأضاف بن سلمان في تصريحات للصحافيين من الرياض، وفق وكالة الأناضول، أن "كل مسألة خطيرة تظهر على الساحة العالمية يجب أخذها على محمل الجد".
وفقدت أسعار عقود برنت الآجلة نحو 15.2 في المائة من قيمتها منذ بدء تفشي الفيروس في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، من 65 دولاراً للبرميل إلى متوسط 55.6 دولاراً حاليا.
ويقود تحالف "أوبك+" المؤلف من أعضاء المنظمة ومنتجين مستقلين بقيادة روسيا، اتفاقا لخفض الإنتاج بواقع 1.7 مليون برميل يوميا، ينتهي في مارس/ آذار المقبل.
وقال الوزير السعودي إن "أوبك لم تتخذ بعد، قراراً بشأن تمديد أو تعديل اتفاقها لخفض إنتاج النفط".
وفي 2019، هوى فائض ميزان تجارة السعودية الخارجية (النفطية وغير النفطية) بنسبة 25.7 في المائة على أساس سنوي، مسجلا 117.2 مليار دولار، مقابل 157.8 مليار دولار في 2018.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر صندوق النقد الدولي من أنه يجب على دول الخليج، التي تعتمد بشدة على إيراداتها النفطية، القيام بإصلاحات أعمق، أو المخاطرة برؤية ثرواتها تتلاشى خلال 15 عاماً، مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار.
وقال الصندوق في دراسة عن "مستقبل النفط والاستدامة المالية" في المنطقة، إنه "في الموقع المالي الحالي، فإنّ ثروة المنطقة المادية قد تستنزف بحلول 2034".
ولا تملك دول الخليج، التي لطالما اعتمدت بشدة على النفط، الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود، أي خيار سوى تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتوسعتها، تجنباً لأن تصبح مقترضة صافية.
وقفزت ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 501 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام الماضي 2019، وفق تقرير لبنك الكويت الوطني حول تطورات سوق أدوات الدين، نشر في أغسطس/ آب الماضي، وذلك مقابل نحو 100 مليار دولار في 2014.
وواصلت معظم أسواق المال الخليجية، نزيف الخسائر، خلال تعاملات أمس، ليهبط المؤشر العام لسوق دبي المالي بنسبة 0.86 في المائة، وقطر 0.68 في المائة، ومسقط 0.67 في المائة، فيما زاد المؤشر العام للسوق السعودية بنسبة محدودة بلغت 0.14 في المائة بعد أن تكبد خسائر كبيرة في جلسة الإثنين الماضي، تراجع على أثرها المؤشر بنسبة 2.95 في المائة، فيما زاد مؤشر البحرين بنسبة طفيفة بلغت 0.01 في المائة.