اتفاق السودان... كيف ينعكس على الاقتصاد؟

13 يوليو 2019
السودانيون يطالبون بتحسين معيشتهم (فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن تجربة إدارة المجلس العسكري الحاكم في السودان منسجمة مع مطالب المواطنين الذين نفذوا تحركات متواصلة طوال الفترة الماضية لتحسين وضعهم المعيشي. تؤكد المؤشرات أن الارتفاع الحاد في الأسعار الناتج من الكثير من الأزمات الاقتصادية العميقة في البلاد، تزايد خلال حكم المجلس، مع زيادة نسبة التضخم في يونيو/حزيران إلى 47.78 في المائة مرتفعة 2.8 في المائة عن الشهر الذي سبقه.

ومع التوافق الحاصل على تشكيل حكومة جديدة، يعاود السودانيون التذكير بمطالبهم المعيشية، وسط آمال بتحقيقها... فماذا يقول الخبراء والمختصون الاقتصاديون؟

دعا الخبير الإحصائي الدكتور عبد الله الرمادي الحكومة الجديدة التي يتم تشكيلها عقب الاتفاق، لفك الضائقة المعيشية والاختناقات القديمة المتجددة في الوقود والخبز والسيولة وإيقاف تهريب الطحين والمحروقات. وتوقع في حديث لـ"العربي الجديد" استمرار ارتفاع التضخم، ما لم تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بشكل جذري والتركيز على منع الانفلات الاقتصادي ومراقبة الأسواق.

وقال الرمادي إن الاتفاق يؤدي للاستقرار السياسي والاقتصادي وإعادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية الهاربة، مع اجتذاب المشروعات التي أنشأها سودانيون بإثيوبيا والبالغة 1500 مشروع وتقدر بمليارات الدولارات إلى الاقتصاد السوداني وتشغيل العمالة السودانية فيها، مما يسهم في انتعاش الاقتصاد وتحسين معاش الناس وإعادة التعاونيات ومراكز البيع المخفض بالمدن والأحياء والأرياف.

وأكد أن ضعف حركة الاستيراد يؤدي إلى انعدام كثير من السلع وارتفاع أسعارها وزيادة معدلات التضخم، لافتاً إلى أن المناخ حاليا بات مؤاتيا لتحقيق النهضة الاقتصادية، والاهتمام بإيقاف إهدار المال في الإنفاق الحكومي لتخفيف معدلات التضخم، والعمل بجدية والحرص على وقف تهريب الذهب، داعياً إلى إعادة النظر عاجلاً في الاتفاقيات المعيبة التي أبرمت خلال حكم النظام السابق مع بعض المستثمرين.

بدوره، توقع المحلل الاقتصادي الدكتور عادل عبد العزيز إسهام الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في التأثير إيجاباً على الوضع الاقتصادي ومعاش الناس والأسعار، لما يحدثه من استقرار وانسياب للاستثمارات والعمل التجاري والمصرفي. وتوقع تحرك أصحاب رؤوس الأموال نحو الزراعة والصناعة والخدمات بدلاً من تجميد الأموال في الأراضي والعقارات والذهب والدولار.

وأشار الدكتور عبد العزيز إلى تنشيط الاتفاق لمجمل النشاط الاقتصادي وإعادة فتح بعض المصانع التي تم إغلاقها في الفترة الماضية، وكذلك استلام الأسر والعمال والموظفين للرواتب والحوافز، ما يؤدي لزيادة القوى الشرائية وتحريك جمود الأسواق.

وقال إن السلع الأساسية متوفرة وبأسعار مرتفعة للغاية وهذا يتطلب تدخلاً حكومياً لتنظيم الأسواق وإبعاد السماسرة، لافتاً إلى عجز الحكومات والمحليات عن السيطرة على الأسواق وتحصيل الإيرادات الضريبية بسبب العدائية التي كانت تواجَه بها السلطات الرسمية والموظفون العموميون. وطالب المواطنين بالتعاون مع السلطات لتنظيم الأسواق وتحصيل الضرائب المختلفة، لتمكين الحكومات والمحليات من تنظيم الاقتصاد وإبعاد السماسرة والوسطاء عن التحكم بالسوق.

من جهته، رجّح أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم الدكتور صلاح الدين الدومة، في حديث مع "العربي الجديد"، تلقي السودان مساعدات وإعانات اقتصادية كبرى من الدول العربية والخليجية، وضمناً الدول التي كان لديها توتر في العلاقات مع النظام السابق في السودان.

وشدد الدومة على ضرورة إجراء تقييم دقيق لتحديد حجم الاحتياجات الفعلية من المساعدات من الخارج، للتغلب على أزمة نقص السلع الأساسية وضعف السيولة. ولفت إلى أن الأرقام تشير إلى أن البلاد في حاجة خلال المرحلة الآنية إلى نقد أجنبي يقدر بـ20 مليار دولار على شكل قروض ومنح وهبات خارجية لحل المشاكل الاقتصادية العاجلة، فضلا عن الحاجة لمبلغ ملياري دولار سنويا لسد العجز في ميزان المدفوعات لطحين الخبز، وتوفير وقود بشكل عاجل يكفي البلاد لفترة ثلاثة أشهر على الأقل في شكل تمويل مادي أو عيني.

وأكد أن 70 في المائة من الوقود المستورد كان يستغله النظام السابق في تسيير العربات الحكومية والتي تتبع لجهاز الأمن والأجسام الموازية له (الدفاع الشعبي والأمن الشعبي وكتائب الظل)، لافتاً إلى أن إيقاف هذا النزيف للوقود يرشّد استهلاكه.

ودعا الدومة إلى مجابهة مشكلة السيولة بضخ دولارات في البنك المركزي عبر استقطاب قروض ومنح، والاستمرار في الطباعة إن استلزم الأمر لتوفير الأموال بيد المواطنين واستعادة الثقة في النظام المصرفي.

ولفت إلى أهمية مراجعة كافة السياسات والقرارات والإجراءات السابقة التي اتخذها نظام عمر البشير لحل بعض الأزمات الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بوقف المضاربات في العملات الأجنبية، لافتا في الوقت نفسه إلى أهمية اتخاذ إجراءات سريعة لتوفير السلع الأساسية في الأسواق والخبز والأدوية والوقود وتقليص الضائقة المعيشية للمواطنين.
المساهمون