رغم أن فترة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، حفلت بقائمة طويلة من إعفاءات كبار المسؤولين من مناصبهم، إلا أن إعفاء رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، ربما يكون رقماً صعباً للرئيس الأميركي الحالي.
ويرى مسؤولون في تعليقات بهذا الصدد، أن ترامب يستخدم حتى الآن سياسة محاصرة باول ومضايقته عبر تغريداته الكثيرة التي تنتقده وتشكك في قدرته وتسخر منه في العديد من الأحيان.
ويفسر محللون في "وول ستريت"، هذه التغريدات المزعجة، بأنها تعكس حرص ترامب الشديد على "ورقة المال والاقتصاد" في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومعروف أن ترامب يتباهى دائماً بأنه أول رئيس أميركي يدفع سوق المال الأميركي لتحقيق هذا الانتعاش الهائل، وأن المستثمرين حققوا أرباحاً ضخمة بلغت 25% خلال عام واحد.
وفي ذات الوقت يتخوف ترامب من أن تقود الفائدة المرتفعة نسبياً مقارنة بالفائدة على اليورو والين، إلى حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي يضرب أسعار الأسهم والوظائف، وبالتالي يضع مستقبل فوزه بدورة رئاسية في خطر.
ونسبت قناة "سي أن بي سي" الأميركية، إلى مقربين من ترامب، بأن تصرفات باول باتت تقلقه خلال الأيام القليلة الماضية، لأنه كان يريد خفض سعر الفائدة الأميركية في وقت يرى فيه أن معدل البطالة منخفض جداً وكذلك نسبة التضخم.
وبالتالي قال ترامب في تغريدة يوم 11 يونيو/ حزيران الجاري، إن الظروف جيدة لخفض الفائدة. وكان يتوقع من الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة بدلاً من إبقائها على حالها.
وانتقد ترامب رئيس الفيدرالي عدة مرات لأنه جعل الائتمان أكثر تكلفة العام الماضي بسبب زيادة سعر الفائدة على الدولار، فضلاً عن عدم خفض أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية الأسبوع الماضي.
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أبقى على أسعار الفائدة مستقرة في اجتماع 19 يونيو، لكنه أشار إلى تخفيضات محتملة بما يصل إلى نصف نقطة مئوية فيما بقي من العام، للتعامل مع تنامي عدم التيقن الاقتصادي وتراجع في التضخم المتوقع.
وقال البنك المركزي إنه "سيتخذ اللازم للمحافظة" على نمو اقتصادي يقترب من عامه العاشر وأسقط التعهد السابق بتوخي "الصبر" عند تغيير أسعار الفائدة.
وبرغم أن ترامب يعين مجلس المحافظين في المركزي الأميركي، ومن بينهم رئيس البنك، لكن بنك الاحتياط يستمد سلطته من الكونغرس الذي أسس هذا النظام في العام 1913 عبر تفعيل قانون الاحتياطي الفيدرالي، بحسب الموقع الإلكتروني للاحتياطي، وبالتالي من الناحية الدستورية لا يستطيع ترامب إعفاء جيروم باول إلا إذا أخل بوظيفته. ولكن ترامب يرى أنه يملك الحق.
في هذا الصدد، قال ترامب في مقابلة مع شبكة "فوكس بيزنس" إن "له الحق في خفض رتبة باول الوظيفية، والحق في إقالته".
وبموجب قانون مجلس الاحتياطي الفيدرالي فإن رئيس الولايات المتحدة يمكنه فقط أن يعفي رئيس البنك المركزي "إذا أخل بمهام وظيفته"، وتاريخيا فإن المحاكم لم تفسر ذلك على أنه يشمل الاختلافات بشأن السياسة النقدية.
وقال باول بعد اجتماع اللجنة صانعة السياسات لمجلس الاحتياطي في يونيو "أظن أن القانون واضح بأنني لدي فترة ولاية أربع سنوات وأنا أنوي أن أقضيها كاملة".
وفي ذات الاتجاه، قال خبراء قانونيون لوكالة أنباء رويترز إن البيت الأبيض قد يحاول إقامة حجة لخفض الرتبة الوظيفية لباول، لكن مع إبقائه في مجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي.
لكن رغم العقبات القانونية، ليس هنالك شيء مستحيل أمام ترامب الذي لا يتقيد كثيراً بالدستور والقوانين التي تحكم الرئيس. لكن ماذا لو فعلها ترامب وأصبح العالم في يوم ما، على تغريدة تقول "أعفيت باول من منصبه".
في حال حدوث ذلك، فإن موقع "زيرو هيدج" المصرفي الأميركي، يرى أن مصداقية مجلس الاحتياط الفيدرالي ستنهار في أسواق الصرف، كما أنه سيسدد ضربة قاصمة لأميركا سياسياً واقتصادياً. لأن اهتزاز الثقة في البنك المركزي الأميركي ستعني ببساطة اهتزاز الثقة في الدولار كعملة احتياط عالمية وكعملة تسوية تجارية.
ومعروف أن الدولار، أهم أداة تعتمد عليها أميركا في قوتها الاقتصادية والمالية وتنفيذ سياسات الحظر التي ترهب العالم. كما أن سندات الديون الأميركية البالغة 22 ترليون دولار تعتمد عليها واشنطن في تمويل الميزانية العامة.