الدوّامة اللبنانية... أزمات اقتصادية تترصد بالحكومة الجديدة

02 فبراير 2019
خلال تحرك ضد السياسات الاقتصادية (حسين بيضون)
+ الخط -
أعلن رئيس الوزراء اللبناني  سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة بعد تسعة أشهر من الخلافات السياسية وانفلات الأزمات الاقتصادية. وقال الحريري الخميس إن "كل المشاكل معروفة وأسباب الهدر والفساد والخلل الإداري  معروفة أيضاً وكل اللبنانيين يعيشون القلق على الوضع الاقتصادي".

وأضاف أن "الحل يكون ببرنامج واضح وبمبادرات وإصلاحات  جريئة وبورشة تشريع وتطوير للقوانين لا تحتمل لا التاخير ولا المساومة". وكان الحريري قد قال في وقت سابق اليوم إن الحكومة الجديدة ستضطر "لاتخاذ قرارات  صعبة" لخفض الإنفاق...

إلا أن الكثير من الشكوك تدور حول قدرة الحكومة على حل الأزمات القائمة، حتى مع القيام بإجراءات تزيد من معاناة اللبنانيين، من بينها زيادة الضرائب وخفض الدعم عن عدد من السلع والخدمات. 

وحالت الخلافات السياسية دون تشكيل الحكومة منذ الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار، مما أدى إلى عدم العمل على الخطط المالية التي من شأنها أن تطلق سراح 11 مليار دولار من المنح والقروض الدولية والعربية التي تم التعهد بها في مؤتمر "سيدر" لدعم لبنان في نيسان/ إبريل الماضي.

ويشترط المانحون تحسين المؤشرات الاقتصادية وخفض العجز والمديونية وإصلاح الكهرباء لقاء صرف القروض...

وتؤكد مصادر من رئاسة الجمهورية اللبنانية في حديث مع "العربي الجديد" على أن البيان الوزاري (يتضمن تعهدات الحكومة خلال ولايتها) سيتم إعلانه الأسبوع المقبل بأقصى حد، وتلفت إلى أنه لا يوجد خلافات كبيرة حول الملفات التي سيتم إدراجها، وغالباً ستدور في إطار تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للحصول على التمويلات من مؤتمر "سيدر".

في حين يقول وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش لـ "العربي الجديد" إن لجم العجز والدين العام وخدمته تعتبر إجراءات ملحة ستكون من ضمن الأولويات الأساسية للحكومة الجديدة.

ويشدد على أهمية الخوض في تحسين عمليات التحصيل الضريبي والحد من التهرب القائم، وتأمين التوازن والعدالة في السياسات الضريبية. ومن جهة أخرى، يتوقع بطيش استمرار تثبيت الليرة اللبنانية "كونها أساس لاستقرار الاقتصاد، والمس بها يعني زيادة المشكلات لدى المواطنين".

ويشير بطيش رداً على سؤال حول دعم القمح، وهو الملف الذي يقع تحت سلطته الوزارية، إلى أنه من السابق لأوانه البحث في موضوع الدعم، ولكنه شدد على رؤيته التي تقوم على ضرورة أن يكون الدعم موجهاً لمن يستحقه حصراً.

وقد أدى تصريح وزير المالية الذي تم تجديد ولايته علي حسن خليل، عن إعادة هيكلة ديون محتملة في وقت سابق من هذا الشهر، إلى هز ثقة المستثمرين بقدرة البلاد على دفع التزاماتها.

وخفضت وكالة "موديز لخدمات المستثمرين" التصنيف الائتماني للبنان إلى مستوى Caa1، ثم تنكرت الحكومة بسرعة لهذا التصريح وبينهم وزير المال ذاته.

وقالت إليسا باريزي كابون المحللة لدى وكالة "موديز" في مذكرة أمس الجمعة: "نتوقع أن تطبق الحكومة اللبنانية الجديدة بعض إجراءات التصحيح المالي بهدف إطلاق حزمة استثمارية قيمتها 11 مليار دولار أجلها خمس سنوات من مؤتمر سيدر".

وأضافت "لكن، في ظل الضعف الشديد للنمو، فإن التصحيح المالي سيظل تحدياً كبيراً للحكومة. طالما ظل نمو الودائع ضعيفاً ربما بسبب استمرار الضبابية بشأن قدرة الحكومة على تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، فإن الوضع المالي والمركز الخارجي للبنان سيظل من بين الأضعف في الدول التي نصنفها".

ويشرح وزير شؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأزمة الاقتصادية قائمة ويوجد خطة إنقاذ ضرورية ينتظرها اللبنانيون وهذه أولوية الحكومة الجديدة، من ناحية معالجة الأزمة خاصة فيما يتعلق بمديونية الدولة وحل المشكلات المعيشية.

هل ستقوم هذه الخطة على إجراءات تزيد من قهو اللبنانيين من ناحية خفض الدعم وزيادة الضرائب؟

يجيب أفيوني أن هذه الخطة ستكون محور دراسة مع الفريق الحكومي، ولكن "لا يوجد خطة بلا تضحيات، ولا يوجد شك أنه سيكون هناك وقف للهدر وخفض في النفقات، ولكن تحديد المكامن والقطاعات يحتاج إلى دراسة، وتوزيع الأعباء يجب ان يكون مدروساً".

ويشير أفيوني إلى أن خفض العجز المالي وخفض الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي وحل أزمة الكهرباء وزيادة نسبة النمو من أبرز متطلبات الحصول على تمويلات مؤتمر "سيدر".

ويلفت إلى أنه يتوقع أن يعطي تشكيل الحكومة رسالة ثقة إلى المجتمع الدولي والمستثمرين، وإطلاق خطة اقتصادية إصلاحية ستعزز من هذا التوجه وتعيد المشاريع إلى لبنان.

ومن المتوقع أن يسجل عجز الميزانية 8.3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2018 من 6.6 في المئة في العام 2017. وقال صندوق النقد الدولي إن الدين العام للبنان، الذي يقدر بأكثر من 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، من المتوقع أن يرتفع إلى ما يقرب من 180 في المائة بحلول عام 2023، وهو من بين الأعلى عالمياً.

ويشرح رئيس مركز البحوث والاستشارات الدكتور كمال حمدان لـ "العربي الجديد" أنه لا فكاك من الأزمة الاقتصادية والمديونية العالية إلا في التوجه نحو إجراءات تطاول الإيرادات والنفقات. ويفصّل أن تعزيز النفقات يجب أن يمر بإصلاح يطال بنية الإنفاق العام، من تعويضات كبار الموظفين والضباط، إلى التعليم الخاص المجاني الموزع مذهبياً ويتضمن الكثير من الهدر، وصولاً إلى سياسات التوظيف وغيرها.

ويؤكد أن الناس لم تعد قادرة على دفع المزيد من الضرائب، خاصة تلك غير المباشرة والتي تطاول كافة المواطنين من دون تفرقة في المستويات الاجتماعية، في حين أن إلغاء أو خفض الدعم عن الكهرباء والمحروقات وغيرها سيكون بمثابة ضربة قاضية ستؤدي في النهاية إلى انفكاك الترابط ما بين الأحزاب المسيطرة وأتباعها.

ويلفت إلى أن تعزيز الإيرادات يجب أن يرتكز إلى "نفض" النظام الضريبي من أساسه، وخاصة في ما يعلق بالضرائب غير المباشرة.

كما أن التعويل على وضع خيارين إما قطاع عام مهترئ أو الخصخصة، فهو يحتاج إلى التصدي، وفق حمدان.

ويشير الأخير إلى أنه يوجد هستيريا تقوم على أن أموال "سيدر" قادمة، إلا أن لبنان لن يحصل عليها ما لم يجر الإصلاحات، التي يجب أن تقوم على مرتكزات جديدة. خاصة أن التشوهات ليست فقط في بنية القطاع العام، فالقطاع الخاص ينمو على هامش علاقات المحاباة مع السلطة إضافة إلى تعزيزه لاحتكارات القلة، ما يفسر ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان.
المساهمون