خريطة جديدة للنفط السوري: صراع حول حقول المنطقة الحدودية بعد العملية التركية

21 أكتوبر 2019
ثروات النفط تتعرض للنهب (فرانس برس)
+ الخط -

عادت خريطة النفط السوري للتبدل مجدّداً، بعد عملية "نبع السلام" التركية التي انطلقت الأسبوع الماضي، ضد قوات سورية الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على أكثر من نصف مصادر الطاقة في سورية.

وتوصل الجانبان الأميركي والتركي إلى اتفاق يقضي بانسحاب قسد من المنطقة الحدودية بعمق نحو 32 كلم، وهي المناطق الغنية بالنفط والغاز في سورية، إلا أن هذا الاتفاق يواجه بعقبات في تطبيقه.

وحسب مراقبين، يبدو أن نظام بشار الأسد سيكون مستفيدا من تراجع قوات سورية الديمقراطية، خاصة بعد الاتفاق الجديد الذي رعته روسيا، بين "الإدارة الذاتية (قسد) ونظام الأسد"، لإحلال قواته مكان القوات المنسحبة، بعملية يصفها سوريون بـ"خلع ملابس وارتداء أخرى".

وما يزيد من تعقيد الملف دخول واشنطن على خط الصراع النفطي، إذ قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أمس، إن بعض القوات الأميركية في البلدات القريبة من حقول النفط بشمال شرق سورية ليست في مرحلة انسحاب حاليا، حسب رويترز، وهو ما يخلط الأوراق في هذا الملف. وأضاف إسبر أن القوات الأميركية تتعاون مع قوات سورية الديمقراطية لمنع الدولة الإسلامية "داعش" وغيرها من الوصول إلى حقول النفط، لكن لم يتخذ قرار بشأن بقائها.


كما أن تركيا شكّكت في التزام الجانب الكردي بالاتفاق، وبالتالي قد يكون هناك احتمال بمعاودة الاضطرابات وإحداث تغيير جديد في خريطة السيطرة على الحقول.

وفي حالة إتمام الاتفاق التركي الأميركي، يتوقع مراقبون أن تؤول السيطرة على حقول في منطقة الجزيرة السورية للنظام، في حين يؤكد آخرون احتمال استمرار تقاسمها كما كان في الماضي بين "قسد والأسد"، مشيرين إلى أن المنطقة تحوي حقولًا نفطية وغازية ذات أهمية استراتيجية "الرميلان والشدادي والجبسة والسويدية" التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية، منتصف عام 2012.

كما تضاف إلى ذلك مصفاة الرميلان، وحقول "كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك" وآبار ريف محافظة دير الزور الشرقي، التي استعادتها "قسد" من تنظيم "داعش"، بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2017، وأهمها حقول "العمر وكونيكو والجفرة". وحسب "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية" بإسطنبول (مستقل)، تسيطر "قسد" على 70 في المائة من مصادر الطاقة في سورية.

وفي تصريحات خاصة، يقول عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض، ياسر الفرحان لـ"العربي الجديد" لم تنقطع العلاقات بين نظام الأسد وما يسمى "قوات سورية الديمقراطية"، وكلما مرت بمراحل خلاف أو فتور، كان يتدخل مدير مكتب الأمن القومي في النظام، علي مملوك، ويحل الخلاف، مشيراً إلى أنه اجتمع مراراً مع تنظيم "بي ي دي" في مطار القامشلي.

ويؤكد الفرحان أن مراحل استلام الأسد بعض مواقع النفط تتم الآن، لكنها لم تنته، موضحا أن تنظيم "بي ي دي" كان يهرّب نفطا من العراق إلى نظام الأسد، كما يقوم اليوم بتهريب النفط السوري إلى مناطق "كردستان العراق" عبر أنابيب سرية.

بدوره، يتوقع الخبير النفطي، عبد القادر عبد الحميد، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يصل الإنتاج النفطي الذي يسيطر عليه نظام الأسد، قبل نهاية العام، إلى أكثر من 60 ألف برميل يوميا، لكنه غير كاف وأقل من الاستهلاك الذي يزيد عن 150 ألف برميل يومياً.

وكان علي غانم، وزير النفط في حكومة الأسد، قال، في تصريحات صحافية، أول من أمس، إن هناك اجتماعات يومية في وزارة النفط وبما يشبه خلية العمل التي لا تتوقف، لتأمين كافة الاستعدادات المطلوبة للدخول الفوري إلى الحقول المحررة، والعمل يمتد ليشمل وضع خطط لتأمين الإنتاج بأسرع وقت ممكن.

وأضاف غانم: هناك جاهزية تامة في الوزارة، والتطورات في شرق الفرات تبشر بعودة أهم دعائم الاقتصاد الوطني إلى سلطة الدولة، بما فيها النفط الذي ظلت "قسد" طوال السنوات الماضية تقوم بسرقته مسنودة من الولايات المتحدة، معترفاً بأن إنتاج النفط لن يعود إلى مستوياته السابقة فورا، فالأمر يحتاج إلى وقت والآبار تحتاج إلى إصلاح وإعادة تأهيل.

في المقابل، يقول علي إبراهيم، رئيس دائرة حقل الثورة السوري، الذي يقع تحت سيطرة الأكراد، إن الحقول النفطية والغازية في الرقة وحماة وحمص، أصبحت تحت إدارتهم بالكامل، ويتم حاليا العمل للاستثمار فيها بعد إعادة تأهيلها.

وأضاف إبراهيم، خلال تصريحات لوكالة "نوفستي" الروسية، أول من أمس، أن جميع الآبار النفطية مدمرة وكافة البنى التحتية من محطات معالجة مدمرة بالكامل وخطوط النقل مدمرة جزئيا، وإعادة التأهيل تتطلب جهدا كبيرا، وشركات عالمية. وألمح إلى عقود مبرمة مع ما أسماهم الأصدقاء، لإعادة تأهيل الآبار "وفق عقود موجودة، سواء إن كانت سورية أو مع الأصدقاء من خلال تأهيل حقل الثورة النفطي ومعمل الغاز وتجهيز آبار الغاز والتي كانت محفورة سابقا".

وتغيرت خريطة السيطرة على آبار وحقول النفط في سورية، ما حوّلها من بلد منتج لنحو 385 ألف برميل من النفط مطلع عام 2011، تصدّر منها نحو 150 ألف برميل، إلى مستوى إنتاج صفري عام 2015، قبل أن يصل الإنتاج الذي يسيطر عليه نظام الأسد إلى نحو 10 آلاف برميل عام 2016، وتوقعات بأن يزيد عن 60 ألف برميل نهاية العام الجاري.

وسيطر الثوار على مناطق إنتاج النفط، بعد انسحاب قوات الأسد عام 2012 من مناطق شمال شرق سورية، قبل أن تسقط مناطق إنتاج الطاقة هناك في يد تنظيم "داعش" منتصف عام 2013، وليتقاسم لاحقاً التنظيم السيطرة والإنتاج، مع المليشيات الكردية حتى سبتمبر/أيلول عام 2017، حيث سيطرت "قوات سورية الديمقراطية" على مدن الحسكة والرقة بالكامل وشرقي دير الزور، التي تضم أكبر 11 حقلاً للنفط في سورية. وتابعت "قسد" مدعومة من الولايات المتحدة، السيطرة على معامل وحقول عديدة.

المساهمون