لم تمض أيام على عودة الوساطات الإقليمية والدولية بين إيران والولايات المتحدة بعد زيارة رئيس وزراء باكستان عمران خان ومسؤول ياباني إلى طهران، الأسبوع الماضي، حتى كشفت صحيفة يابانية عن مقترح ياباني فرنسي لإيران لمنحها قرضا قدره 18.42 مليار دولار، شريطة عودتها إلى تنفيذ كامل تعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وأوردت صحيفة "ماينيتي" اليابانية، الأحد، أن طوكيو وافقت على دعم المبادرة التي طرحتها فرنسا الصيف الماضي، لمنح إيران مساعدات تقدر بـ15 مليار دولار، مشيرة إلى أن القرار الياباني جاء بعدما طالبت طهران، سابقا، برفع حجم القروض بسبب تعاظم تداعيات العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني.
ويتضح من تقرير الصحيفة اليابانية أن الدعم الذي قررت طوكيو تقديمه للمبادرة الفرنسية يقدر بـ 3.42 مليارات دولار، كما أن القروض ستكون بـ"ضمانات نفطية".
ووفقا للصحيفة، تأمل السلطات اليابانية أن يساعد هذا الدعم المالي في إطلاق عملية تفاوض بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج الأخيرة النووي.
ما الجديد؟
وفيما لم تكشف "ماينيتي" متى وكيف سُلّم إلى الجانب الإيراني هذا المقترح وردة فعله، إلا أنه على الأغلب، قام بستليمه كبير مساعدي وزير الخارجية الياباني، تآكو موري، أثناء زيارته إلى إيران الأربعاء الماضي، وخلال لقائه مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف.
إلى الآن، لا تعليقات رسمية إيرانية على ما نشر بشأن المقترح الفرنسي الياباني، لكن المقترح بحد ذاته ليس شيئا جديدا، حيث سبق وأن قدمته باريس أثناء مفاوضاتها المكثفة مع طهران، قبل تنفيذ الأخيرة المرحلة الثالثة من تقليص تعهداتها النووية في السادس من أغسطس/آب، إلا أن الجديد في المقترح هو انخراط اليابان فيه ورفع القرض من 15 إلى 18.42 مليار دولار.
وبالرغم أنه من المبكر الحديث عن مصير المقترح الفرنسي الياباني، طالما طرح حديثا، لكن ذلك يبقى رهن الموافقة الأميركية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مصير المقترح الفرنسي ذاته الصيف الماضي، الذي أفشله الرفض الأميركي.
وفي الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن نتائج مفاوضات بلاده مع إيران حول فتح خطوط ائتمان بضمان عائدات النفط الإيراني، تتوقف على موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على منح إعفاءات من العقوبات على الصادرات النفطية الإيرانية.
وقال لو دريان للصحافيين إن الفكرة هي "مبادلة خط ائتمان بضمان عائدات النفط في مقابل، أولا، العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)... وثانيا أمن الخليج وبدء مفاوضات بشأن أمن المنطقة و(البرنامج النووي) ما بعد 2025". وأضاف "كل ذلك بافتراض أن يصدر الرئيس ترامب إعفاءات".
لكن في نهاية المطاف، لم توافق الإدارة الأميركية على المقترح الفرنسي، رافضة أي تخفيف في العقوبات على إيران، رابطة كل شيء بإطلاق مفاوضات مباشرة وإجراء لقاء بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، وهو ما لم يحصل خلال زيارة روحاني إلى نيويورك الشهر الماضي، بسبب الرفض الإيراني "القاطع" لإجراء أي تفاوض ولقاء مباشر قبل رفع الولايات المتحدة العقوبات.
وأعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول الماضي، بشكل صريح، رفض واشنطن للمقترح الفرنسي بعد زيارة لوزير المالية الفرنسي برونو لومير، أوفده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمناقشة المبادرة الفرنسية.
وأكد منوشين أن فرنسا لن يكون بمقدورها أن تمنح قرضا لإيران بقيمة 15 مليار دولار من دون موافقة أميركية مسبقة، مضيفا: "نحن نقوم بحملة الضغوط القصوى (على إيران)، وفرنسا تدرك أنها لن تكون قادرة على منح (إيران) قرضا بقيمة 15 مليار دولار من دون موافقتنا".
موقف إيران
أما إيران، فبالرغم من تسجيلها تحفظا على المشروع الفرنسي، فقد اعتبر وزير نفطها بيجن نامدار زنغنة، خلال الشهر الماضي، أنه "يعني جعل إيران دولة مقروضة وإقراضها"، لكن لا يبدو أنها ستعارض المقترح الفرنسي الياباني الجديد، وخاصة على ضوء المشاكل الاقتصادية التي تواجهها، إلا اذا كان المقابل الذي تطلبه فرنسا واليابان، لقاء منح القرض، يتجاوز موضوع الاتفاق النووي إلى قضايا أخرى، تعتبرها طهران "خطوطا حمراء" مثل برنامجها الصاروخي.
لكن إذا اقتصر الأمر على تنفيذ التعهدات الواردة في الاتفاق النووي فحسب، فلا مانع لدى الإيرانيين من الموافقة على ذلك، بل على العكس يرحبون به، حيث أعلن مساعد الشؤون السياسية للسياسة الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، في ختام مباحثاته في فرنسا الشهر الماضي، أن "عودة إيران إلى تنفيذ كامل لتعهداتها يتوقف على حصولها على 15 مليار دولار لفترة أربعة أشهر حتى نهاية العام"، مشيرا إلى أنه "إذا لم يحصل ذلك ستستمر عملية تقليص التعهدات".
واليوم، فيما شقّ المقترح الفرنسي الياباني طريقه إلى وسائل الإعلام، بعدما ظل مكتوما خلف كواليس المفاوضات السياسية بين إيران وفرنسا واليابان، صعّدت طهران أخيرا نبرة تهديداتها بتنفيذ المرحلة الرابعة من تقليص تعهداتها ما لم تف أوروبا بالتزاماتها الاقتصادية، وهي التزامات تطالب بها إيران للوقوف معها في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية "القاسية"، التي تعتبرها "إرهابا اقتصاديا".
بالمقابل، أعربت فرنسا، على لسان المتحدثة باسم خارجيتها أنييس فون دير مول، عن قلقها من التصريحات الإيرانية، داعية إياها إلى "الامتناع عن تنفيذ مرحلة جديدة مثيرة للقلق".
وأضافت المتحدثة الفرنسية في بيان "إننا مع بريطانيا وألمانيا قد أعربنا عن قلقنا العميق بشكل مستمر حول البيانات والتصرفات الأخيرة لإيران، والتي لا تنسجم مع الخطة الشاملة للعمل المشترك (الاتفاق النووي)".
وأخيرا، فإن المقترح الفرنسي الياباني لمنح إيران قرضا بقيمة 18.42 مليار دولار، يطرح على ضوء معطيات سلبية تقلل من التوقعات حول نجاح المبادرة، طالما أن الأمر يتوقف على موافقة أميركية غير متوفرة، ما لم تحصل مفاجآت من العيار الثقيل في موضوع التفاوض بين طهران وواشنطن خلال الفترة المقبلة، قبل أن تنفذ إيران المرحلة الرابعة من تقليص تعهداتها النووية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.