تركيا تحت العقوبات... ترامب يستهدف الاقتصاد ومخاوف على الليرة

16 أكتوبر 2019
ترقب في الأسواق لتداعيات العقوبات (أحمد الداوودي/العربي الجديد)
+ الخط -
تركيا تحت العقوبات مجدداً. الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قرر اللجوء إلى سلاح الاقتصاد بعد أيام من انسحاب قواته من الأراضي السورية، مطالباً بوقف العملية العسكرية التركية، وفارضاً سلسلة من الإجراءات التي تطاول عددا من المسؤولين، وكذا الرسوم والتجارة.

إذ وقع الرئيس الأميركي أمرًا تنفيذيًا يرفع الرسوم الجمركية على صادرات تركيا من الصلب بما يصل إلى 50 في المائة، ووقف المفاوضات على الفور بشأن اتفاق تجاري بقيمة 100 مليار دولار. 

وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين على لائحة العقوبات، وأيضاً كلاً من وزراء الدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، ليتم بموجب هذه العقوبات، تجميد أصول للوزراء الثلاثة والوزارتين في الولايات المتحدة، ومنعهم من القيام بمعاملات مالية مع أميركا والسفر إليها.

وتعهد ترامب في بيان، بتدمير اقتصاد تركيا سريعاً "إذا واصلت المضي في هذا الطريق الخطير والمدمر".

كذا، هددت دول أوروبية بفرض عقوبات على تركيا لكنها اتفقت خلال اجتماع الاثنين على عدم فرض حظر عليها. وبدلاً من ذلك، ستنظر الدول الأعضاء في قيودها الخاصة على مبيعات الأسلحة، في إجراء يُعتبر رمزياً لأن الأسلحة تمثل 45 مليون يورو فقط من تجاره حجمها يزيد على 150 مليار يورو بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

في حين يعمل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام والديمقراطي كريس هولن، على مشروع قانون يهدف إلى إجبار تركيا على وقف عملياتها العسكرية. وتستهدف العقوبات المقترحة ملاحقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد من كبار وزرائه، كما يفرض عقوبات على تسليح الجيش التركي الحليف لواشنطن في حلف الأطلسي، فضلاً عن استهداف قطاع الطاقة التركي الذي يغذي الآلة العسكرية التركية بالوقود اللازم لاستمرار المعركة في شمال سورية.

ويرى اقتصاديون أتراك أن الاقتصاد التركي ورغم بلوغه المرتبة الأولى بمنطقة الشرق الأوسط بناتج إجمالي يقترب من 900 مليار دولار، إلا أنه سيتأثر بالعقوبات الجديدة. وخسرت الليرة التركية نحو 8 في المائة من قوتها منذ مطلع 2019، ليضاف إليها تراجع بنحو واحد في المائة مساء الإثنين لتسجل صباح الثلاثاء 5.88 ليرة أمام الدولار.

ويقول المحلل التركي سمير صالحة، لـ "العربي الجديد" إنه سبق للولايات المتحدة أن فرضت عقوبات مشابهة على تركيا العام الماضي على خلفية اعتقال القس الأميركي أندرو برانسون، ولكن تركيا ردت بالمثل، وبالنهاية، تمت التسوية ورفع العقوبات من كلا الدولتين بعد الوصول إلى توافق. ويتوقع المحلل التركي، أن يتم قريباً التوصل إلى اتفاق ما بين بلاده والولايات المتحدة، خاصة أن لقاء الرئيسين في 13 من الشهر المقبل لا يزال قائماً، ويمكن من خلاله الوصول إلى تسوية.

ويعتبر صالحة أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على بلاده، هي أقرب لتدابير حفظ ماء الوجه، لأن الضغوط على الرئيس الأميركي، من إدارته خاصة، تصاعدت، ما دفعه لاتخاذ عقوبات يمكن اعتبارها بسيطة قياساً للقانون الذي أعده السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام.
ويرى صالحة أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تذهب للحد الأقصى وتخسر عضواً فاعلاً بحلف الناتو ودولة بثقل تركيا الاقتصادي. مرجحاً أن بلاده، لن تصعّد وترد بالمثل الآن.

أما فراس شعبو، أستاذ المالية في جامعة باشاك التركية، فيقول: "بدأ سعر صرف الليرة التركية بالتراجع منذ افتتاح السوق يوم الثلاثاء، وعلى الأرجح ستستمر الليرة في هذا المنحنى، لتصل خلال الفترة المقبلة إلى عتبة 6 ليرات للدولار.

ويستدرك شعبو في حديث مع "العربي الجديد" أن تركيا ستقوم بعدة إجراءات من شأنها حماية الليرة، كإرجاء تخفيض سعر الفائدة ومحاولات تعديل العرض النقدي الأجنبي بالأسواق، إذ من المتوقع تراجع تدفق الأموال والاستثمارات، فيما لو تصاعدت الخلافات وتوسعت العقوبات كما تتوعد واشنطن.

وحول أثر العقوبات على الاستثمارات المباشرة والأموال الساخنة، يضيف أستاذ المالية أنه "لا يمكن معرفة الآثار مباشرة، لأن تدفق الاستثمارات مرتبط بمدى زيادة وتعميق العقوبات وإن كانت ستحظى بتأييد أوروبي أو حتى عربي. وإن حصل ذلك، كما نرى من وعيد أوروبي وشجب عربي لعملية تركيا العسكرية، عندها يمكن أن يتراجع تدفق الأموال".

ويتابع أنه "ليس من المستبعد تجميد بعض الاستثمارات القائمة من شركات أميركية وأوروبية، حتى من دول الخليج. أما الأموال الساخنة التي تستثمر بالبورصة وأسواق النقد وأدوات الدين الحكومية، أو حتى بالعقارات، فمن المتوقع أنها ستراقب التطورات، وليس مستبعداً أن نرى خروج بعض الاستثمارات من السوق".

بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة ماردين التركية، مسلم طالاس إنه "من المبكر الحكم على التداعيات منذ اليوم الأول من فرض العقوبات، كما من الصعب التنبؤ بالحجم النهائي للعقوبات، والدول التي ستفرض إجراءات على تركيا".

وشرح أنه" إذا صعدت أنقرة وردت بالمثل، فمن الممكن أن نكون أمام حرب اقتصادية ليست في صالح الاقتصاد التركي الذي يعتبر ناشئاً ومكشوفاً، نظراً للعجز بالميزان التجاري وزيادة الديون الخارجية وتراجع الاستثمارات خلال العام الجاري".

ويؤكد أن الأثر المباشر للعقوبات، "هو نفسي سياسي، فلا شك أنه سيطاول الاستثمارات الساخنة والعملة وسوق الأسهم، وربما نرى تراجعاً بسعر الليرة إلى ما دون الست ليرات للدولار".

ويضيف أنه "حتى الآن تراجع المؤشر الرئيسي للأسهم التركية في البورصة بنحو 2 في المائة، وهبط مؤشر القطاع المصرفي بالنسبة ذاتها تقريباً".

ويخشى مراقبون من تأثير العقوبات الأميركية على الاستثمار الأجنبي المباشر، ما سيعيق مشروعات تركية وتطلعاتها للحلم بمئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، لأنها تعول على الأموال الخارجية بقطاعات كثيرة كالعقارات والطاقة، كما تعتمد على رؤوس الأموال بمشروعاتها الكبرى الاقتصادية.

ويرى مراقبون أن رفع الرسوم الجمركية على صادرات تركيا من الصلب بما يصل إلى 50 في المائة، وتعليق المفاوضات التجارية مع أميركا، يمكن أن يؤثر على حجم التبادل التجاري بين البلدين وقيمته. إذ يعد الحديد والصلب ومنتجات قطاع السيارات وقطع غيار السيارات من أبرز الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى منتجات قطاع النسيج والملابس الجاهزة والمنتجات الزراعية والمواد الغذائية. فيما تعد المركبات الجوية والفضائية، والقطن، واليخوت، والفحم الحجري، والأدوية، أهم المنتجات التي تستوردها تركيا من الولايات المتحدة.

وتعليق المفاوضات التجارية، يمكن أن يزيد من تواضع التبادل التجاري، حيث لا يوجد بين البلدين أي اتفاق تجارة حرة أو اتفاقات أخرى. ويوصل المصدرون الأتراك المنتجات التركية إلى الأسواق الأميركية عن طريق نظام التفضيلات المعممة.

وبلغ رأس المال الأميركي الوافد إلى تركيا بغرض الاستثمار عام 2018 نحو 120 مليون دولار، مقارنة بنحو 40 مليون دولار خلال 2017. ووصلت قيمة الاستثمارات الدولية في تركيا عبر الولايات المتحدة، بين عامي 2002 و2016، إلى نحو 11 مليار دولار. فيما بلغت قيمة الاستثمارات التركية في الولايات المتحدة، خلال الفترة نفسها، 3.7 مليارات دولار.

إلا أن المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، يؤكد لـ "العربي الجديد" أن الاقتصاد التركي يتسلح بمؤشرات قوية. إذ إن الصادرات زادت الشهر الماضي بنسبة 11.2 في المائة وتراجع معدل التضخم إلى ما دون 10 في المائة وسط انخفاض معدل البطالة بنسبة بسيطة، وزيادة عائدات السياحة لتحقق رقماً قياسياً بـ 42 مليار دولار حتى الربع الثالث، وتدفق الاستثمارات النقدية المباشرة لتصل إلى 37 مليار دولار منذ مطلع العام. ويقلل كاتب أوغلو من تأثير العقوبات على اقتصاد بلاده، لأنه "اقتصاد حقيقي مبني على الإنتاج، لذا سيكون التأثير آنياً ومحدوداً".
المساهمون