دافوس ينطلق الثلاثاء في سويسرا وسط غياب كبار القادة

21 يناير 2019
رئيس المنتدى كلاوس شواب يعلن أجندته الرئيسية (Getty)
+ الخط -
تنطلق في سويسرا غدا الثلاثاء، 22 يناير/ كانون الثاني، ولمدة أربعة أيام أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يعرف اختصاراً بـ"دافوس"، تحت عنوان "نحو مستقبل مشترك في عالم ممزق".

والملفت في منتدى هذا العام أنه يأتي وسط مقاطعة قادة أميركا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند لجلساته، وحسب بيانات المنتدى من المتوقع أن يحضر دافوس 2019 حوالي 70 رئيس دولة وحكومة و38 من قادة المنظمات الدولية، إضافة لنحو ثلاثة آلاف شخص من الأثرياء وأصحاب السلطة في العالم.

ومن المقرر أن يناقش منتدى هذا العام أزمات كبرى يواجهها العالم، من بينها، وحسب تصريحات رئيسه كلاوس شواب في تقديمه المنتدى، ردم الفجوة في الدخول بين الأثرياء والفقراء وتداعيات التباطؤ الصيني على النمو العالمي وأزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" وتغير المناخ وأزمات أوروبا الاقتصادية.

ويسعى شواب إلى تشجيع العولمة وحرية التجارة التي باتت تترنح تحت ضربات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن يبدو أن هذا الهدف أصبح بعيد المنال مع تقدم إدارة ترامب نحو تنفيذ سياسة الانعزالية.

وأمام المشاركين في المنتدى العديد من القضايا التي تشكل تحديات لمناقشتها، أبرزها التغير المناخي، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، ووضع البنوك المركزية السيئ في مواجهة الركود، كما تعقد جلسات مثل "إدارة أزمة القمامة العالمية" و"شمول العولمة الرقمية " و"العولمة.. التراجع أم إعادة الابتكار؟".

وينصب تركيز شديد على مخاطر تغير المناخ هذا العام، بالإضافة إلى التحديات التي تطرحها التغيرات التكنولوجية، وتشكل النساء 22% فقط من حضور المؤتمر.

وقد اعتذر ترامب عن عدم حضور منتدى دافوس هذا العام، بسبب مشاكل داخلية منها إغلاق الحكومة الأميركية والخلاف مع الكونغرس حول مخصصات الجدار العازل، وسيمثل الولايات المتحدة وفد كبير على رأسه وزير الخزانة ستيفن منوتشين، والخارجية مايك بومبي، والتجارة ويلبر روس، والممثل التجاري الأميركي روبرت لايتزر، وذلك حسب صحيفة وول ستريت جورنال.

وألغى ترامب، وغيره من زعماء العالم الرئيسيين رحلاتهم إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس للتعامل مع أمور أكثر إلحاحاً في بلدانهم.

وكتب ترامب عبر حسابة على موقع تويتر: "أقوم بإلغاء زيارتي المهمة للغاية إلى منتدى دافوس بسويسرا، بسبب تعنت الديمقراطيين بشأن أمن الحدود والأهمية الكبرى لسلامة أمتنا".

ومن المتوقع كذلك، أن يتغيب عن المنتدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يكافح من أجل وقف احتجاجات الشوارع العنيفة ويواجه معركة حامية مع حركة " السترات الصفراء"، التي تهدد بإفلاس البنوك الفرنسية عبر تنظيم حملة شعبية لسحب الإيداعات من المصارف.

ولن يحضر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي تعاني بلاده من تباطؤ الاقتصاد وتراجع في معدل النمو، وسيمثل الصين ليو كه عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ومدير المكتب العام لمجموعة القيادة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية.

وألغت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، رحلتها أيضا إلى دافوس بعد أن عانت من هزيمة في تصويت البرلمان على خطتها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ولن يحضر المنتدى رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، الذي يقاتل للفوز بفترة ولاية ثانية.

ويعقد دافوس هذا العام والعالم يئن تحت وطأة أزمات مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية متراكمة، ربما تصب سحبها السوداء كساداً على العالم في أية لحظة، فالنظام العالمي الذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية يتفكك ويدخل العالم المرحلة الرمادية بسرعة مرعبة.

ويتجاذب كل من الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس الأميركي دونالد ترامب أطراف ما تبقى من ركام الماضي لصياغة نظام عالمي جديد، فيما تقف أوروبا عاجزة عن حل مشاكلها المركبة في النمو والهجرة والشعبوية والسقوط التدريجي لنظم الرفاه. 

وعلى الرغم من أن منتدى دافوس العالمي يطرح نفسه تجمعاً للنخبة المالية والسياسية التي تلتقي سنوياً لبحث مشكلات العالم وإيجاد حلول لها، إلا أن منتقديه يرون أنه لا يعدو أن يكون سوى "تجمعاً عائلياً لأصحاب الثروات والنفوذ السياسي"، الذين أسهموا في إفلاس العالم وتفتيته وتحطيم القيم الإنسانية، بجشعهم المادي وتحويل وظيفة المال من وسيلة لإثراء الشعوب وزيادة الدخول ورخاء المجتمعات والمساهمة في تماسكها، إلى غاية في حد ذاتها.

وتحولت أسواق المال إلى كازينوهات للمضاربة، بدلاً من الاستثمار في الزراعة والصحة والتقدم التقني وتحسين مستويات المعيشة، كما تحولت المصارف المركزية إلى أدوات لدعم الشركات الاستثمارية، وبالتالي ضمان زيادة ثروة الأغنياء وإفقار الطبقة الوسطي وذوي الدخول المنخفضة عبر برامج "التحفيز الكمي". 

في هذا الصدد يصف المحلل والكاتب الاقتصادي أناند جريد هارداس منتدى دافوس في تعليقات لصحيفة "ذا غارديان"، بالقول "إنه تجمع عائلي للأفراد الذين أفلسوا العالم".

وفيما يتوافد النافذون إلى منتدى دافوس، تشير البيانات المالية الصادرة عن مجموعة من المنظمات وبيوت الخبرة، إلى واقع الانقسام وتمايز الدخول المرير والخطر في العالم.
في هذا الصدد، تقول منظمة أوكسفام في تقرير صادر العام الماضي، إن الثروة تتكدس بسرعة مخيفة في أيد أفراد لا يزيد عددهم عن 2.0% من سكان العالم، فيما يتزايد الفقر في العديد من الدول وحتى داخل الغنية منها.

وحسب التقرير، فإن 82% من الثروة العالمية التي جمعت في عام 2017 حصل عليها فقط 1% من سكان العالم من الطبقة الأكثر ثراءً، بينما نصف سكان العالم الأشدّ فقراً والبالغ عددهم 3.7 مليارات نسمة، لم يروا أي زيادة في ثرواتهم.

ويقول التقرير "كافئوا العمل، وليس الثروة"، ويتساءل، كيف يتيح الاقتصاد العالمي للنخبة الثرية أن تراكم ثرواتها الفاحشة فيما يدفع الثمن مئات الملايين من الناس الذين يرزحون تحت وطأة الفقر.

ومنذ عام 2010، تزايدت ثروات أصحاب المليارات بمعدل 13% سنوياً، أي ست مرات أسرع من زيادة أجور العمال العاديين والذين لم يتجاوز متوسط زيادة أجورهم السنوية 2%. وقد ارتفع عدد أصحاب المليارات بوتيرة غير مسبوقة، بمعدل ملياردير واحد كل يومين، في الفترة بين مارس /آذار 2016 ومارس 2017.

وفي الصدد ذاته، كتبت كل من كريستينا غارستان وآدريين سوربوم في كتابهما "السلطة الخفية" الصادر العام الماضي، كيف يشكل المنتدى الاقتصادي العالمي أجندات السوق ويدفع الأثرياء نحو التكتل والتأثير على السياسة وتطويعها لمصلحتهم.

وعلى مدى السنوات، أصبح منتدى دافوس ناديا اجتماعيا، يتيح لأصحاب النفوذ قضاء الوقت في جبال الألب السويسرية وهم يشاركون في حلقات نقاش ويقيمون علاقات اجتماعية بعد التزلج.

وقالت سوربوم لوكالة فرانس برس، إن سلطة المنتدى "الهشة" تقوم على معادلة مفادها أنه "إن كنت تريد أن تكون جزءاً من الطبقة الراقية العالمية، فلا بد لك من أن تكون هنا".

وأضافت أن المنظمة تبدو كأنها تقدم شيئاً تفتقر إليه هيئات دولية أخرى، مكان يجتمع فيه قادة الأعمال التجارية والحكومات "ليخرجوا ببعض الأفكار". لكنها نبهت إلى أن لذلك "جوانب مقلقة".

وكتبت غارستن وسوربوم أنه مع قدوم عشرات رؤساء الدول والحكومات إلى دافوس كل عام، يمكن النظر إلى المنتدى الاقتصادي العالمي على أنه هيئة "لا تملك تفويضاً قانونياً للتأثير على الحوكمة العالمية بعد، لكنها تطمح إلى ذلك". 

بدوره، يشير أوليفييه كلاسن من منظمة "بابليك آي" السويسرية غير الحكومية، التي قادت التظاهرات والحملات الأخرى المناهضة لاجتماع دافوس إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي لطالما كان "معتمداً بشكل كامل" على الشركات الألف التي تموله، وبالتالي يتبني وجهة نظرها.

وتزايدت الشكوك حول ما إذا كان المنتدى أو المنظمة تحقق هدفها المعلن وهو "تحسين حال العالم" في ظل تصاعد الاستياء حيال أجندة دافوس الداعمة لقطاع الأعمال وميل الناخبين للتصويت إلى قادة شعبويين.

وبين الانتقادات الدائمة لاجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، بما في ذلك الاجتماع السنوي الذي سيجري في دافوس هذا الأسبوع، ومفاد هذه الانتقادات أنها خلقت بكل بساطة فضاء آمنا لعالم الأعمال، لكي يضغط على الحكومات ويؤثر عليها لمصلحته من دون رقابة.
دلالات
المساهمون