2019 .. العام الأصعب على المصريين

07 ابريل 2019
(العربي الجديد)
+ الخط -


تعالوا نرصد معاً حال المواطن المصري منذ اعلان الحكومة عن إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي قبل نحو 40 شهراً، ونسأل: هل تحسن وضع المواطن المعيشي في ظل وعود متواصلة بقرب قطف ثمار الإصلاح وحدوث انتعاش اقتصادي؟


2016


في عام 2016 ظن المصريون أنهم خرجوا من عنق الزجاجة التي حشرتهم الحكومة بها لسنوات طويلة، وأنهم بدأوا خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي سيوفر فرص عمل لملايين الشباب ويحسن الأجور ويحد من الفقر والبطالة والفساد ويرفع معدل النمو الاقتصادي ويقلص من عجز الموازنة العامة ويحد من الدين العام سواء الداخلي أو الخارجي. 

كما ظنوا أن قفزات أسعار السلع، خاصة الرئيسية والغذائية، قد انتهت بالقضاء على السوق السوداء للعملة وتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سعر الصرف الأجنبي.

لكنهم اكتشفوا في نهاية العام أن مدخراتهم المحدودة تهاوت، وأن عملتهم المحلية فقدت أكثر من 50% من قيمتها بين عشية وضحاها، وأنهم عرفوا ولأول مرة أنواعاً جديدة من الضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة، وأن حكومتهم أبرمت اتفاقا قاسياً مع صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، كما عرفوا زيادات كبيرة في تعريفة الجمارك على سلع أساسية للأسرة وعلى غيرها من الرسوم الحكومية.

2017

في العام التالي 2017 تكرر ما حدث في العام 2016 حيث قفزات في الأسعار لم يشهدها المصريون من قبل، ومعدلات تاريخية في التضخم لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وتوسع في الاقتراض الخارجي لا يتناسب مع موارد البلاد الدولارية، وبرنامج إصلاح اقتصادي يفرم الجميع وفي المقدمة الطبقات الفقيرة والمتوسطة حيث يقوم على فرض الضرائب وخفض الدعم لسلع رئيسية كالوقود والكهرباء.

2018

في عام 2018 انتظر المصريون وللسنة الثالثة موسم قطف ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طال انتظاره، وانتظروا حدوث هدنة مع الأسعار الملتهبة خاصة مع الوعود الحكومية المتكررة بخفض الأسعار، إلا أن ذلك ذهب أدراج الرياح بسبب زيادة الضرائب والجمارك والرسوم وعجز الموازنة القياسي وزيادة أعباء الدين الخارجي والمحلي.

2019

في بداية عام 2019 عادت الحكومة لتؤكد وتقسم بأغلظ الأيمان أن موسم قطف الثمار قد بدأ، وأن المواطن سيشعر بتحسن اقتصادي ومالي على كل المستويات، وأنه لا أعباء جديدة على المواطن في هذا العام، وأن الحكومة لن ترفع الأسعار أو الضرائب، ولن تفرض رسوما جديدة على الخدمات المقدمة للمواطن في المصالح الحكومية، ولن ترفع تذاكر المترو والقطارات.
كانت هذه التأكيدات تخرج من كبار المسؤولين في الحكومة في الوقت الذي كان فيه كل من محافظ البنك المركزي طارق عامر ووزير المالية محمد معيط يبعثان برسالة لصندوق النقد الدولي يوم 28 يناير/ كانون الثاني يتعهدان فيها للصندوق بإلغاء الدعم الحكومي على معظم منتجات الطاقة بحلول يوم 15 يونيو/ حزيران المقبل.

بل إن عامر ومعيط أكدا في رسالتهما أن الخطوة تعني زيادة سعر البنزين والسولار والكيروسين وزيت الوقود الذي يتراوح حاليا بين 85 و90% من سعره العالمي.

ولم تكتف رسالة المحافظ والوزير بذلك، بل أكدا أن الحكومة ستذهب لأبعد من ذلك، فعقب بدء ربط بنزين أوكتين 95 بالأسعار العالمية، والذي بدأ في إبريل/ نيسان الجاري، ستطبق الحكومة آليات تسعير مماثلة للمنتجات الأخرى في يونيو/ حزيران مع توقع أول تعديلات في الأسعار في منتصف سبتمبر/ أيلول.

زيادات قياسية

ومع الكشف عن تعهدات الحكومة الأخيرة لصندوق النقد الدولي الذي بات هو المتحكم في رسم السياسة المالية، فإن المواطن سيكون خلال عام 2019 على موعد مع زيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات:
1- زيادة كبيرة في أسعار الكهرباء، حيث تم خفض الدعم الحكومي من 16 مليار جنيه إلى 10 مليارات جنيه وبنسبة تراجع تزيد عن 37%.

2- تحرير أسعار الوقود وبيعها بالأسعار العالمية، وهذا سيترتب عليه حدوث قفزات كبيرة في أسعار البنزين والسولار والغاز، وحسب مشروع الموازنة الجديدة فإنه سيتم خفض الدعم المقدم للمنتجات البترولية من 89 مليار جنيه في الموازنة السابقة إلى 52.8 مليار جنيه في يوليو/ تموز المقبل بنسب تراجع تصل إلى 42%، وبالتالي فإننا أمام زيادات جديدة في الأسعار قد تبدأ بنسبة 30% وتصل حتى 50%.

كما أن الزيادة ستطاول جميع أنواع الوقود بما فيها وقود الفقراء والمزارعين، حيث من المقرر أن يرتفع سعر السولار من 5.5 جنيهات إلى 7.5 جنيهات، وكذا سعر بنزين 80، وزيادة بنزين 92 من 6.75 جنيهات إلى 9 جنيهات للتر، وبنزين 95 من 7.75 جنيهات إلى 10 جنيهات للتر، وكذلك سعر أنبوبة البوتاغاز (غاز الطهو الشعبي) من 50 إلى 75 جنيهاً للاستهلاك المنزلي، ومن 100 إلى 150 جنيهاً للاستهلاك التجاري، وهذه الزيادات سيترتب عليها زيادات في تعرفة المواصلات العامة وأسعار الأغذية وغيرها.

3- زيادة كبيرة في الضرائب رغم تعهد الحكومة أكثر من مرة بعدم فرض أي ضرائب جديدة على المواطن، فقد توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع حصيلة الضرائب في مصر خلال السنوات الأربع المقبلة بنسبة 75.6% لتصل إلى 1353 مليار جنيه في العام المالي 2022-2023.
كما كشف الصندوق أمس السبت، عن أن إيرادات مصر من الضرائب سترتفع بفضل زيادة مجموعات ضريبة القيمة المضافة والرسوم على السجائر ومنتجات التبغ، وزيادة رسوم الدمغة على مختلف التراخيص والخدمات الحكومية وتنفيذ نظام ضريبي مبسط للشركات الصغيرة والمتوسطة وتسوية المنازعات الضريبية، وتوسيع قاعدة ضريبة دخل الشركات وبرنامج شامل لتحسين إدارة الإيرادات.

4- البدء في مرحلة التسريح الطوعي لموظفي الدولة، وما أعلنته الشركة المصرية للاتصالات " حكومية" من الاستغناء عن ألفي موظف خير دليل، وربما لاحقا سيتم اللجوء لسياسة التسريح الإجباري مع استغلال قوانين مثل تعاطي المخدرات وقوائم الجماعات الإرهابية، علما بأن الحكومة تعهدت لصندوق النقد الدولي بخفض فاتورة الأجور بنسبة 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب سياسة الرواتب الحالية وفرض رقابة مشددة على العلاوات والبدلات وعملية التوظيف، والاستمرار في تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد الذي أقره البرلمان في أغسطس/آب 2016.

5- الاستمرار في حذف المصريين من دعم البطاقات التموينية، ومع زيادة المرتبات في الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه سيتم حذف ملايين الموظفين من البطاقات التموينية الذين ستزيد رواتبهم عن 1500 جنيه. 

قدرة المواطن

بالأرقام سيكون العام المالي الجديد 2019-2020 الذي يبدأ في يوليو المقبل هو العام الأصعب على المصريين، حيث سيتم إجراء زيادات كبيرة في أسعار سلع رئيسية، وقد تتفاقم الأسعار مع توقعات مؤسسات مالية اقليمية ودولية بزيادة سعر الدولار الذي ينعكس مباشرة على أسعار الأغذية خاصة أن مصر تستورد نحو 60% من حاجاتها الغذائية.
السؤال هنا عن قدرة المواطن على تحمل هذه الإجراءات التقشفية العنيفة خاصة مع تأخر موسم قطف الثمار، والتهام التضخم أي زيادات جديدة في الرواتب؟

هل سيخرج المصري إلى الشارع كما فعل المواطنون في الجزائر والأردن والسودان، أم أن آلة القمع ستحول دون ذلك، وبالتالي ستزيد الأمراض الاجتماعية الخطرة مثل السرقة والتسول والانتحار والطلاق والعنوسة وغيرها؟
المساهمون