الدولار وفاتورة النفط تضرب صرف عملات الاقتصادات الناشئة

02 سبتمبر 2018
الدولار صداع مستمر للاقتصادات العالمية (Getty)
+ الخط -

على الرغم من أن التركيز انصب خلال العام الجاري على انخفاض سعر صرف الليرة التركية، التي فقدت 40% من سعرها، إلا أن العديد من عملات الدول الناشئة تعاني من الضغوط والتدهور في أسعار صرفها.

والسبب كما يصفه مصرفيون يعود في الأساس إلى عاملين، أحدهما قوة الدولار وارتفاع سعر الفائدة الأميركية. وهو ما يوصف في عالم أسواق المال بانتهاء عهد "الأموال الرخيصة". والثاني يعود إلى ارتفاع أسعار النفط التي رفعت من حاجة الدول للدولارات، إذ إن النفط يباع بالدولار. يضاف إلى هذه العوامل اشتعال الحروب التجارية والاضطرابات السياسية في دول مثل البرازيل وفنزويلا وليبيا واليمن وإيران.

وبحسب بيانات وكالة بلومبيرغ، انخفض مؤشر العملات الناشئة خلال أغسطس/ آب المنصرم بنسبة 2.2%. وهذا هو الانخفاض المتواصل للشهر الخامس على التوالي خلال العام الجاري.

كما لاحظ معهد التمويل الدولي الذي يوجد مقره في واشنطن هروب الاستثمارات من أسواق المال الناشئة خلال النصف الأول من العام الجاري. وتزايد ذلك في أعقاب أزمة البيزو الأرجنتيني.

ومن بين العملات التي كانت أسوأ أداءً في المؤشر، الراند الجنوب أفريقي والبيزو الأرجنتيني والروبية الإندونيسية والروبية الهندية والليرة التركية والريال الإيراني، وذلك إضافة إلى انهيار العملة الفنزويلية وتدهور الريال البرازيلي.

ويرى استراتيجي العملات بمجموعة "دويتشه بانك"، فيليب وي، في مذكرة للعملاء، أن على الدول الآسيوية أن تراقب عملاتها، خاصة الدول التي لديها عجز كبير في الميزانية والحساب الجاري.

ويحذر الخبير فيليب وي في المذكرة الدول الآسيوية من هروب الأموال إلى مراكز غربية في حال تطور التوتر التجاري الحادث حالياً بين بكين وواشنطن إلى حرب تجارية شرسة.

من جانبه، يرى الاقتصادي بمجموعة "أي أن جي" المصرفية الهولندية في سنغافورة، باراكاش ساكبال، أن الوضع التمويلي في آسيا حالياً مختلف عما كان عليه قبل عقدين حينما حدثت أزمة المال في اقتصاديات النمور الآسيوية، حيث إن التدفقات التمويلية الخارجية إلى هذه الدول ضعيفة.


وأضاف، في تعليقات بهذا الصدد، أن المستثمرين باعوا بكثافة موجوداتهم في العديد من الأصول بالدول الناشئة بعد أزمة البيزو الأرجنتيني، والآن بدأوا يتخارجون من الموجودات الإندونيسية والهندية والعديد من أسواق المال الناشئة. كما يتخارجون حالياً من السوق التركي. وهذا الحال خلق وضعاً من ندرة الدولارات.

وبحسب تقرير لمصرف "جي بي مورغان"، من أكثر العملات التي تأثرت بقوة الدولار وسياسات الحروب التجارية وارتفاع أسعار النفط، الروبية الإندونيسية التي تدهور سعر صرفها يوم الجمعة، إلى أدنى مستوى منذ أزمة المال الآسيوية في عام 1998. وحسب التقرير فقد انخفضت الروبية الإندونيسية إلى 14.750 مقابل الدولار.

وذلك على الرغم من أن البنك المركزي الإندونيسي رفع سعر الفائدة أربع مرات منذ مايو/ أيار الماضي. كما ارتفعت الفائدة على السندات الحكومية بحوالى 10 نقاط مئوية، وهو الارتفاع الأعلى منذ العام 2016.

وبذلك تكون الروبية الإندونيسية قد خسرت 7.8% خلال العام الجاري. وإندونيسيا من الدول التي تعاني من عجز كبير في الحساب الجاري.

وفي نيودلهي، انخفضت الروبية الهندية إلى 71.035 مقابل الدولار في تعاملات اليوم الجمعة. وهذا السعر هو الأدنى للروبية الهندية خلال العام الحالي. وحسب التقرير فإن ما يحدث حالياً هو أن هروب المستثمرين من أسواق المال الناشئة في أميركا الجنوبية وآسيا، يخلق نقصاً في السيولة الدولارية.

ويرى استراتيجي العملات في مجموعة "دويتشه بانك"، فيليب وي، في مذكرة للعملاء، أن على الدول الآسيوية أن تراقب عملاتها، خاصة الدول التي لديها عجز كبير في الميزانية والحساب الجاري. ويحذر الخبير فيليب وي في المذكرة الدول الآسيوية من هروب الأموال في حال تطور التوتر التجاري الحادث حالياً بين بكين وواشنطن إلى حرب تجارية شرسة.

ويلاحظ أن الليرة التركية من بين العملات الأقل تهديداً على المدى المتوسط والطويل، رغم الضغوط المكثفة التي تواجهها حالياً. وذلك ببساطة يعود إلى طبيعة الاقتصاد التركي الجاذبة لاستثمارات من أثرياء منطقة الخليج والدعم المباشر الذي وجدته من قطر وألمانيا. يضاف إلى ذلك انتعاش الحركة السياحة وشراء الأجانب للعقارات. وهذه العوامل تخفف من الضغوط مرحلياً.


ويرى الرئيس التنفيذي لمصرف "كريدي سويس" السويسري، تيجاني تيام في تعليقات لقناة "بلومبيرغ التلفزيونية" يوم الجمعة، أنه لا يرى أن ما يجب أن تفعله الاقتصادات الناشئة هو إدارة اقتصاداتها بحرص شديد ومراقبة المؤشرات.

ويلاحظ في هذا الصدد، أن الليرة التركية استفادت في تعاملات الجمعة من خطوة خفض الفائدة على "ودائع العملات الصعبة"، حيث صعدت الليرة التركية في وقت مبكر من تعاملات أمس الجمعة بنحو 3% تقريباً مقابل العملة الأميركية لتسجل 6.45 ليرات لكل دولار المتوفرة للشركات والدول من قبل المصارف العالمية.

ويسبب الدولار القوي الذي يتزامن مع ارتفاع أسعار النفط صداعاً للعديد من دول العالم، حيث فاتورة النفط ويعري تدريجياً احتياطات العملات الصعبة. وكان مصرف "غولدمان ساكس" قد حذر في يوليو/تموز الماضي من مخاطر الدولار القوي على الاستقرار في الدول الناشئة. وقال المصرف إن قوة الدولار إذا تواصلت متزامنة مع ارتفاع أسعار النفط ربما تؤدي إلى هزة سياسية في بعض الدول.

كذلك تتخوف الدول الآسيوية من تداعيات الحظر الأميركي على السلع الصينية وقيام الصين بخفض قيمة عملتها لزيادة تنافسية صادراتها. ويحذر مصرفيون من أنّ إجراء صينياً كهذا يمكن أن يضعف من صادرات العديد من الاقتصادات الناشئة.

وبالتالي تكون الحرب التجارية ليست مكلفة بالنسبة للصين وحدها وإنما مكلفة كذلك بالنسبة لدول أخرى في آسيا وأفريقيا. ولاحظ استراتيجي العملات بمصرف نومورا الياباني في تحليل، أن البنك المركزي الصيني قرر رفع نسبة مخاطر احتياطي العملات إلى 20%، في الشهر الماضي تحسباً للتدخل من أجل استقرار عملته.

وما يزيد من خطورة الدولار القوي على الاستقرار السياسي في الاقتصادات الناشئة والدول الفقيرة أن قوته تتزامن مع صعود أسعار النفط. وبالتالي فإن العديد من الدول تواجه دولاراً قوياً مقابل عملاتها الضعيفة وحاجة إلى مزيد من الدولارات لتغطية فاتورة الوقود وتسديد أقساط الديون.
المساهمون