بدأ البرلمان الجزائري في مناقشة الموازنة الجديدة لعام 2019 مع وزراء حكومة أحمد أويحيى، وتستمر المناقشة إلى نهاية الأسبوع القادم، قبل عرضها على النواب في جلسة علنية للتصويت عليها نهاية الشهر الحالي.
وينتظر المواطنون حل أزماتهم المعيشية من خلال الموازنة الجديدة وعلى رأسها 3 مطالب وهي مواجهة الغلاء وتوفير السكن واستحداث فرص عمل.
وللمرة الأولى منذ بداية الأزمة المالية لم تحمل موازنة الجزائر، أي زيادات أو إضافات في أسعار الطاقة والضرائب والرسوم، وهو ما أدى لارتياح مبدئي في أوساط الجزائريين الذين أنهك جيوبهم غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "مسودة أو مشروع موازنة الدولة هو ليس بيانات وأرقاما فقط، بل هو خريطة طريق الحكومة للسنة القادمة، وينقل للمواطن صورة واضحة حول ما تنوي الحكومة إنجازه في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
وحسب نور الدين، يبقى دعم الأسعار والخدمات التي كثر حوله الجدل مؤخرا، ضمن المواضيع الحساسة التي سيراقب الجزائريون القرارات بشأنها في الموازنة، رغم تطمينات الحكومة بأن ملف إلغاء الدعم أو تقليصه لن يفتح في العام المقبل.
الإبقاء على الدعم
كان موضوع الدعم من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في الجزائر منذ بداية السنة الحالية، حيث وضعته حكومة أويحيى في مقدمة الملفات التي يجب "تصويبها" حسب وصف وزير المالية عبد الرحمن راوية، وذلك من خلال التحول من الدعم العام للأسعار والخدمات، إلى الدعم الموجه من خلال صب إعانات مالية في جيوب العائلات المعوزة ضعيفة الدخل، بدءا من السنة القادمة، لكبح فاتورة الدعم.
إلا أن الحكومة الجزائرية فاجأت الرأي العام بزيادة مخصصات الدعم للسنة القادمة بنسبة 0.7%، حيث بلغت قيمة التحويلات الاجتماعية المقررة 1.77 تريليون دينار (16 مليار دولار)، مقابل 1.76 تريليون دينار لعام 2018. ووفق البيانات الرسمية، يستحوذ دعم العائلات والسكن والصحة على نحو64% من إجمالي ميزانية الدعم.
وقال الخبير الاقتصادي عبدالرحمن عية، لـ"العربي الجديد"، إن "بصمة حسابات الانتخابات الرئاسية ظهرت في قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، حيث راجعت الحكومة حساباتها، خاصة من خلال تأجيل قرار مراجعة سياسة الدعم، بعدما كان من المقرر العمل بها خلال أشهر قليلة".
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "زيادة ميزانية الدعم في ظروف اقتصادية صعبة لها خلفيات سياسية أكثر منها اجتماعية أو اقتصادية، فمنذ بداية السنة والحكومة تتحدّث عن إلغاء دعم أسعار الطاقة، السنة المقبلة، لأسباب اقتصادية معروفة للجميع، لكنها اليوم تتراجع، رغم أن الأسباب التي قدمتها لا تزال قائمة".
وتتزايد مخاوف الجزائريين من ارتفاع الأسعار في ظل تراجع سعر الدينار وضعف القوة الشرائية للمواطنين. ولا يخفي المواطن عبدالله بوجلدة تخوفه من لجوء الحكومة إلى المساس بنظام الدعم الذي تعود الجزائريون عليه منذ عقود من الزمن، والذي قد يمس أسعار الطاقة بالإضافة إلى الخبز والحليب.
ويقول بوجلدة لـ"العربي الجديد": "جيب المواطن البسيط لا يحتمل تحرير الأسعار التي ستقفز في حال إلغاء الدعم، فمثلاً سعر الحليب سيرتفع من 25 إلى 50 ديناراً وسيرتفع سعر الخبز إلى 25 ديناراً للرغيف بدل 8.5 دنانير".
توفير وظائف
يبدي كثير من الشباب الجزائريين قلقاً متزايداً من عدم تمكنهم من الحصول على فرص عمل في مجتمع يشهد صعوداً في معدل البطالة، بينما يمثل الشباب نحو60% من السكان في البلد.
وفي مكتب وكالة التشغيل في ضاحية "حسين داي" بالعاصمة، التقت "العربي الجديد" الشاب عمر ركاب، الذي عمل محاسبا في إحدى الشركات قبل أن تقوم بتسريحه ونحو 20 آخرين لتراجع أعمالها.
قال ركاب: "أبحث عن عمل منذ قرابة 6 أشهر، وأخشى أن تطول المدة بسبب شح عروض العمل، خاصة أن الركود الاقتصادي ألقى بظلاله على كل القطاعات". وتابع الشاب "بعد قرار الحكومة تقليص الإنفاق العام في الموازنة، من المؤكد أن نسبة البطالة سترتفع وهو مؤشر لا يبعث على الأمل".
السكن لمحدودي الدخل
من أكثر القضايا التي تؤرق الجزائريين، هو الحصول على السكن، ضمن مختلف الصيغ التي تدعمها الدولة الجزائرية، سواء الاجتماعية التي تقدم مجانا أو بأسعار مخفضة أو بالإيجار مدى الحياة لأصحاب الدخل المتوسط، وهي الصيغة التي سجلت المشاريع المتبقية منها في موازنة 2019، بغلاف مالي يقارب 1.1 مليار دولار.
يقول الموظف كمال ديقار إنه "وضع ملف للاستفادة من سكن بالإيجار سنة 2002 ولا يزال ينتظر دوره"، ويأمل المواطن حسب حديثه لـ"العربي الجديد" أن "يظفر بسكن سنة 2019 وينتهي كابوس يتقاسمه مع مئات الآلاف من الجزائريين".
وأعلنت الحكومة عن صعوبات أمام إنجاز المساكن القليلة التكلفة، البالغ سعرها 19 ألف دولار والموجهة لأصحاب الدخل المتوسط والتي فاق عدد طالبيها 900 ألف مواطن، وذلك رغم تعهد الرئيس الجزائري بوتفليقة بإنجاز مليوني وحدة سكنية في عهدته الرئاسية الرابعة التي ستنتهي في مارس/آذار 2019.