السعودية ترفع أسعار النفط عبر خفض الشحنات إلى أميركا

17 نوفمبر 2018
ناقلة نفط تتجه إلى أميركا (Getty)
+ الخط -
تحاول المملكة العربية السعودية السيطرة على أزمتها الاقتصادية المتصاعدة، من خلال رفع أسعار النفط لدعم ميزانيتها، ولو عبر خلق معركة جديدة مع حليف المملكة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. 

وأدى اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول إلى تزايد المشكلات التي تعصف بالاقتصاد السعودي، مع انخفاض الثقة الدولية بسوق المملكة، وارتفاع الشكوك حول نجاعة رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، وتراجع الثقة بقدرته على تنفيذها، خصوصاً مع تأجيل طرح أرامكو وعدم تمكّن السلطات من تنفيذ كثير من وعود التحفيز الاقتصادي ونقل المملكة إلى مرحلة ما بعد النفط.

إمدادات أميركا

ومن ضمن سياسات التحكم في السوق النفطية، خفضت المملكة العربية السعودية شحنات النفط الخام إلى الولايات المتحدة، وهي خطوة يبدو أنها تمّت لتعزيز أسعار النفط بعد تراجعها مؤخراً. ويمكن أن تضع هذه الخطوة المملكة في خلاف مع الرئيس دونالد ترامب، الذي يريد خفض تكاليف الطاقة للأميركيين وكثيراً ما يتهم منظمة أوبك التي تقودها السعودية برفع أسعار النفط.

ويؤكد تقرير نشره موقع "سي أن بي سي" الأميركي أن السعوديين قاموا بتحميل عدد أقل من البراميل على السفن المتجهة إلى الولايات المتحدة هذا الشهر، مستمرين في ذلك الاتجاه الذي بدأ في سبتمبر/ أيلول، وفقاً لتحليل شركة "كليبر داتا" التي تتابع ناقلات النفط في العالم.

وتشير تقديرات التحميل التي أجرتها الشركة إلى أن واردات الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي قد تنخفض قريباً إلى أدنى مستوياتها.

الضغط على المخزون

ويلفت التقرير إلى أن إرسال عدد أقل من البراميل إلى الولايات المتحدة يعني أن مخزونات النفط الخام الأميركية من المرجح أن تنخفض، ويميل تقليص المخزون إلى رفع أسعار النفط. إنه تكتيك استخدمه السعوديون في العام الماضي ضمن استراتيجيتهم الرئيسية لاستنزاف وفرة النفط ودعم السوق عبر خفض الإنتاج إلى جانب الدول الأعضاء في منظمة أوبك وروسيا والعديد من المنتجين الآخرين.

وتظهر المناورة كيف تطورت جهود السعودية لإدارة سوق النفط. أثناء انهيار أسعار النفط 2014-2016، راقب المتداولون بيانات المخزونات الأسبوعية الأميركية عن كثب، لمعرفة ما إذا كان العرض الفائض ينكمش أو ينمو. وبصفتها أكبر مصدر في العالم، أدركت السعودية أنها قد تدفع البيانات في اتجاه يعزّز تكلفة النفط الخام.

وقال مات سميث، رئيس أبحاث السلع في "كيبر داتا": "لقد نجحت السعودية بشكل كبير في عام 2017 في خفض التدفقات إلى الولايات المتحدة، لأن الناس (المستثمرون في الأسواق) يمكن أن يروا المخزونات تنخفض كون البيانات الأميركية معلنة وشفافة".

وتابع سميث "أصبحت الأسواق أكثر شفافية من خلال تعقب الناقلات. يمكنك رؤية هذه التغييرات مباشرة، والسعوديون يدركون ذلك".

ويأتي الانخفاض في عدد براميل النفط السعودي المتجهة إلى الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني في أعقاب هبوط سوق النفط لمدة ستة أسابيع أدى إلى انخفاض الأسعار بنسبة 25 في المائة.

ويأتي ذلك بعد أن حذّر وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يوم الاثنين من أن أوبك وروسيا والعديد من المنتجين الآخرين قد يطلقون قريباً جولة جديدة من تخفيضات الإنتاج. وبعد وقت قصير من إعلان الفالح التحذيري، عبّر ترامب من خلال تغريدة على تويتر عن رفضه هذه الخطة.

حملات ترامب

ولكن المملكة العربية السعودية قد لا تتأثر بحملات الضغط التي يقوم بها ترامب، وفق "سي

أن بي سي". في الأيام الأخيرة، ادّعى سميث وغيره من محللي الطاقة أن ترامب خدع أوبك وحلفاءها، من خلال دفعها نحو زيادة الإنتاج في وقت سابق من هذا العام.

ويقول المحللون إن تهديدات ترامب بفرض عقوبات قاسية على إيران، وهي ثالث أكبر منتج في منظمة أوبك، لعبت دوراً في إقناع المنتجين بالتوقف عن سد الإنتاج والبدء في ضخ مزيد من النفط. لكن ترامب سمح في النهاية لبعض من أكبر عملاء إيران بالاستمرار في استيراد نفطها.

ونتيجة لذلك، وضع المنتجون مزيداً من النفط في سوق يتجه نحو زيادة العرض، ما يعطي للمتداولين سبباً آخر لبيع عقود الخام الآجلة ودفع الأسعار إلى الانخفاض.

وفي حين أن السعوديين ليسوا سعداء بهذه النتيجة، فإن سميث يقول إن تخفيض شحنات النفط إلى الولايات المتحدة لا يبدو طريقة لمعاقبة ترامب. بدلاً من ذلك، يتعلّق الأمر ببساطة بمنع تخمة نفطية أخرى وتعزيز الأسعار. ومع ذلك، فإنه يمثل تحدياً مباشراً لهدف ترامب المتمثل في دفع أسعار النفط إلى الانخفاض.

انخفاضات قياسية

ويوم الأحد الماضي، قال وزير الطاقة السعودي إن شحنات النفط من المملكة ستنخفض بمقدار

500 ألف برميل يومياً في ديسمبر/ كانون الأول. وفي اليوم التالي، قال إن أوبك وشركاءها يمكن أن يخفضوا إنتاجهم الجماعي بمقدار مليون برميل في العام المقبل.

وتظهر أرقام "كليبر داتا" أن السعوديين حولوا ما يقرب من 600 ألف برميل يومياً إلى الولايات المتحدة هذا الشهر، نزولاً من أكثر من مليون برميل يومياً في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب. وإذا استمر الانخفاض، فإن واردات الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي تتجه نحو انخفاض قياسي.

وانتعشت عمليات الشحن من السعودية للسوق الأميركية خلال شهر أغسطس/ آب، بعدما رفع تحالف أوبك الإنتاج. وتستغرق هذه الشحنات عادةً من ستة إلى سبعة أسابيع للوصول إلى الشواطئ الأميركية.

وقال سميث "بما أن عمليات التصدير هذه قد انخفضت في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، فإن هذا يعني أن هناك ندرة في عمليات التسليم مع اقترابنا من نهاية السنة".

يوم الخميس، أظهرت بيانات حكومية أن مخزونات الخام الأميركية ارتفعت للأسبوع الثامن على التوالي، إذ قفزت بمقدار 10.3 ملايين برميل. وقد يساعد الانخفاض في الشحنات السعودية في الأشهر الأخيرة من العام على التخلص من مستويات ارتفاع المخزون، وفق "سي أن بي سي".

المساهمون