اتجاه النمو العالمي...خفض توقعات أميركا وبريطانيا وتراجع حاد للسعودية

25 يوليو 2017
تختلف مستويات النمو بين المجموعات الاقتصادية(أود أندرسون/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال تحسن النمو العالمي الذي توقعه صندوق النقد الدولي، في إبريل/نيسان الماضي، على حاله، بالرغم من التغييرات الاقتصادية التي تشهدها الدول والتخبط في السياسات العامة، خصوصاً حول التجارة والحمائية والتوتر السياسي.
وأشار آخر تقرير للصندوق عن شهر يوليو/تموز الحالي صدر أمس، إلى أن الناتج العالمي سينمو بمعدل 3.5% في 2017 و3.6% في 2018. إلا أن هذا المسار التصاعدي، يخفي خلفه تبايناً في معدلات النمو بين الدول.
فتوقعات النمو للولايات المتحدة أقل مما كانت عليه في إبريل/نيسان، وهو ما يرجع في الأساس إلى افتراض أن السياسة المالية العامة ستكون أقل توسعاً في الفترة المقبلة مقارنة بالتوقعات السابقة. في حين رُفِعَت توقعات النمو لليابان وكذلك لمنطقة اليورو بشكل خاص، حيث حقق النشاط الاقتصادي مفاجآت إيجابية تشير إلى قوة الزخم في أواخر 2016 وأوائل 2017. ورُفِعَت توقعات النمو للصين أيضاً، في انعكاس لقوة الربع الأول من عام 2017. ولا يزال التضخم مكبوحاً في الاقتصادات المتقدمة وأقل من المستويات المستهدفة بوجه عام، كما يواصل التراجع في عدة اقتصادات صاعدة، مثل البرازيل والهند وروسيا.

تباطؤ سعودي

ويشهد النمو الاقتصادي في المنطقة العربية تباطؤاً ملحوظاً هذا العام، وفق صندوق النقد، بينما من المتوقع أن يتراجع النمو في السعودية إلى نحو الصفر. وبعد أداء أفضل من المتوقع في العام 2016 مع معدل نمو بلغ 5%، لن يزيد هذا المعدل عن 2.6% هذا العام في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان.
وكان الأداء الجيد العام الماضي مرده خصوصاً إلى نمو قوي فاق 6.5% في إيران بفضل المستوى المرتفع للإنتاج النفطي، بحسب الصندوق.
إلا أن الصندوق خفّض في مراجعته لآفاق الاقتصاد العالمي توقعاته للنمو في السعودية، المصدر الأول للنفط الخام في العالم، إلى 0.1% فقط في العام 2017 وفق توقعات يوليو/تموز، مقابل 0.3% في توقعاته لشهر نيسان/إبريل الماضي. وستكون تلك أدنى نسبة نمو في السعودية منذ العام 2009 عندما سجل الاقتصاد انكماشاً بـ2%، على خلفية تراجع عائدات النفط بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وفق وكالة "فرانس برس".

وحذّر صندوق النقد في تقريره الصادر أمس أنه "إذا تواصل التراجع الحالي لأسعار النفط فيمكن أن تؤثر أكثر على آفاق الدول المصدرة للنفط في المنطقة".
ومن المفترض أن ترتفع نسبة النمو في السعودية إلى 1.1% في 2018 بتراجع بـ0.2% بالمقارنة مع توقعات نيسان/إبريل، بحسب صندوق النقد الدولي. وكان الاقتصاد السعودي سجل معدلات نمو بنسبة 4.1% و1.7% تباعاً في 2015 و2016. ويتوقع الصندوق في الوقت نفسه تحسناً في معدل النمو الاقتصادي الإقليمي بمعدل 3.3% في 2018.

بيئة من عدم اليقين

من جهة أخرى، تبدو المخاطر المحيطة بتنبؤات النمو العالمي متوازنة إلى حد كبير على المدى القصير، لكن الكفة السلبية لا تزال هي الأرجح على المدى المتوسط، وفق تقرير الصندوق. فعلى الجانب الإيجابي، يمكن أن يكون التعافي الدوري أقوى وأكثر استمرارية في أوروبا، حيث تراجعت المخاطر السياسية.
وعلى الجانب السلبي، ترتفع احتمالات حدوث تصحيح في السوق بسبب التقييمات السوقية العالية ودرجة التقلب بالغة الانخفاض في بيئة من عدم اليقين الكبير بشأن السياسات، مما قد يؤثر على النمو ومستوى الثقة.

ومع التحول إلى سياسات أكثر دعماً في الصين، خاصة النمو الائتماني القوي، تزداد مخاطر انخفاض النمو على المدى المتوسط. ويمكن أن تؤدي عودة السياسة النقدية العادية في بعض الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما الولايات المتحدة، إلى تضييق الأوضاع المالية العالمية بأسرع من المتوقع. وذلك، إضافة إلى مخاطر أخرى لا تزال بارزة حتى الآن، ومنها التحول إلى السياسات الانغلاقية والمخاطر الجغرافية-السياسية، وفق تقرير الصندوق.

ويبلغ النمو العالمي المتوقع للفترة 2017-2018 معدلات أقل من متوسطات ما قبل الأزمة، خاصة في أكثر الاقتصادات تقدماً والاقتصادات الصاعدة والنامية المصدرة للسلع الأولية، وإن كان أعلى من المقدر لعام 2016 وهو 3.2%.
وبيّن أكثر الاقتصادات تقدما والاقتصادات الصاعدة والنامية المصدرة للسلع الأولية، هناك عدد كبير يواجه طاقة إنتاجية زائدة وتيارات معاكسة للنمو الممكن تأتي من شيخوخة السكان وضعف الاستثمار وبطء التحسن في الإنتاجية.

وتشكل الإصلاحات الرامية إلى تعزيز الناتج الممكن عنصراً ضرورياً في كل البلدان، وفق التقرير الصادر عن الصندوق. ويشرح التقرير أهمية توزيع المكاسب المحققة على كل مستويات الدخل، وكذا مراعاة المراقبة الدقيقة للمخاطر المحيطة بالاستقرار المالي. كما ينبغي أن تواصل البلدان المصدرة للسلع الأولية التكيف مع انخفاض الإيرادات، مع العمل على تنويع مصادر النمو.

دعوة إلى تغيير السياسات

ويتوقع جيمس ماكورماك، المدير الإداري والرئيس العالمي لمجموعة فيتش للتصنيف الائتماني، في مقالة تحت عنوان "التقشف يموت في هدوء"، أن يسجل الاقتصاد العالمي أعلى نسبة نمو هذا العام منذ العام 2010، ولكنه مع ذلك يحذّر من انكماش مقبل.
ويشرح ماك أن خفض الديون الحكومية ترتبط بين النمو الاقتصادي وأسعار الفائدة. فكلما كان معدل النمو أعلى نسبة إلى أسعار الفائدة، كلما كان مستوى خفض الديون الحكومية اللازم لتثبيت استقرار الدين أو خفضه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أقل.

ومع استمرار النمو الاقتصادي في الارتفاع بينما تتراجع أسعار الفائدة، على الأقل خارج الولايات المتحدة، يتاح للسلطات المالية المزيد من الفرص لخفض الدين، وخلق الحيز المالي اللازم لتدابير التحفيز عندما يأتي الانكماش الدولي المحتم التالي، وفق ماكورماك. ولكن صناع السياسات لا يفعلون هذا، مما يوحي بأنهم أعطوا الأولوية إلى حد كبير لاعتبارات سياسية قبل الحيطة المالية. ونتيجة لهذا، لم يعد أمام الساسة، خاصة في أوروبا، أي اختيار سوى محاباة سياسات النمو الشامل والتدقيق في التأثير المحتمل الذي قد تخلفه أي سياسة بعينها على توزيع الدخل.

في حين يقول أناتول كاليتسكي إن أصولية السوق ألهمت مغالطات فكرية بالغة الخطورة: ومنها أن الأسواق المالية عقلانية وفعّالة دائماً، وأن البنوك المركزية يجب أن تستهدف ببساطة التضخم ولا تشغل بالها بالاستقرار المالي والبطالة، وأن الدور المشروع الوحيد للسياسة المالية يتلخص في ضبط الموازنة، وليس تثبيت استقرار النمو الاقتصادي. ويشرح في مقالة له، أنه حتى بالرغم من أن هذه المغالطات فجرت اقتصاد أصولية السوق بعد عام 2007، ظلت هذه المغالطات في التوجه الاقتصادي مستمرة حتى اليوم.

وكان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، قد أعلن سابقاً "إن توقعاتنا لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشير إلى أن النمو سيكون منخفضاً إلى حد لا يتيح خلق فرص العمل الكافية أو تحسين مستويات المعيشة. وهناك كثير من البلدان، خاصة الدول المستوردة للنفط، تتحمل مستويات مديونية عالية أيضاً".


المساهمون