أردوغان و"تبريد" تركيا

17 ابريل 2017
الرئيس التركي وسط انصاره قبل الاستفتاء (الأناضول)
+ الخط -
ما إن تم إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، حتى ظهر لنا مجتمع منقسم لنصفين موزعين، ما بين نعم ولا، ويبدو أن حالة الانقسام الشديدة التي شهدتها البلاد قبل وأثناء وبعد الاستفتاء على التعديلات قد انعكست على رؤية هؤلاء لمستقبل بلادهم الاقتصادي والمالي وربما المعيشي.

فريق يرى أن التعديلات الجديدة ستفتح الباب على مصراعيه أمام إعادة الاستقرار للاقتصاد التركي وسوق الصرف ومناخ الاستثمار وعودة الأموال الهاربة بعد انقلاب يوليو 2016 الفاشل، وتحسن التصنيف الائتماني للبلاد، وكذا تساعد في تعافي القطاعات الاقتصادية المتضررة من حالة الغموض السياسي السائدة في البلاد منذ ما يقرب من 10 شهور مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية، وهو الرأي الذي ذهب إليه أيضا كبار المسؤولين بالدولة، وفي مقدمتهم أردوغان ويلديرم ونائبه محمد شميشك ووزير ماليته ناجي اقبال.

وهذا الفريق يرى أيضاً أن عدم تمرير التعديلات الدستورية كان من الممكن أن يدخل البلاد في أزمة سياسية حادة يصاحبها دعوات للمعارضة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وربما رئاسية، خاصة وأن رافضي الاستفتاء قد يعتبرون أن نتيجة الاستفتاء هو تصويت على أردوغان نفسه الذي تبناها ودفع بقوة لتمريرها، وفي حال ذهاب تركيا إلى انتخابات مبكرة، فإن هذا يضر بالاقتصاد ومناخ الاستثمار ويزيد مخاوف المستثمرين المحللين والأجانب على حد سواء.

وهناك فريق متشائم حيال الصورة المستقبلية لاقتصاد بلاده، إذ يرى بقاء الحال على ما هو عليه من تراجع سعر الليرة مقابل الدولار، واستمرار هروب السياح والاستثمارات الأجنبية، فالغموض السياسي لا يزال قائماً في ظل حالة الانقسام الشديدة حول التعديلات الدستورية، والمخاطر الجيوسياسية لا تزال موجودة على الأرض، وبالتالي فإنه لا يتوقع حدوث تطور ملموس للاقتصاد التركي خلال الفترة المقبلة.

ويستند هذا الفريق في رؤيته المتشائمة لمستقبل الاقتصاد إلى أن التعديلات ستدعم سلطات أردوغان في كل الملفات بما فيها الاقتصادية والمالية، وهو ما يعني مزيداً من المركزية في إدارة ملف الاقتصاد وتفرد الرئيس التركي في صناعة القرار.


إذن هناك حالة انقسام واضحة داخل المجتمع التركي الذي بات في لحظة فارقة، خاصة عقب اعلان حزب الشعب الجمهوري المعارض إنه سيطعن في نتائج الاستفتاء، وإذا لم تنته حالة الاحتقان الشديدة القائمة فإن أوجاع الاقتصاد ستستمر، خاصة مع وجود أسباب موضوعية لاستمرارها، منها المخاطر الجيوسياسية القائمة في البلاد بسبب الإرهاب والأزمتين السورية والكردية، وتوتر علاقة تركيا مع الروس والأوروبيين والأميركان والإيرانيين.

على أردوغان "تبريد" المجتمع واستيعاب الغاضبين من التعديلات الدستورية عبر السماح بمزيد من الحريات العامة، وتحسين السياسات المالية والميزانية العامة، وخفض معدل التضخم البالغ 11.29% في شهر مارس/آذار الماضي، واستعادة الثقة بالقطاع المالي والمصرفي بعد استرداد الثقة بالجهاز الأمني الرسمي، وأن يدرك الرئيس التركي أن تعرض بلاده لبضع هجمات إرهابية قد يصيب الاقتصاد في مقتل، ويؤدي لحالة ركود كبيرة.

كما يجب على أردوغان عدم الدخول في مواجهات مع البنك المركزي حول إدارة السياسة النقدية وأسعار الفائدة، وعدم التوسع في سياسة مصادرة أموال معارضيه السياسيين كما حدث عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.

وأظن أن أردوغان قادر على لعب هذا الدور المطلوب والقيام بعملية تبريد واسعة للمجتمع، خاصة عقب اعلان أطراف رسمية أن التعديلات الدستورية لن يتم تطبيقها على الفور، بل سيتم ترحيلها إلى العام 2019، وأن رئيس الوزراء باق في منصبه حتى موعد الانتخابات المقبلة.

المساهمون