التقليد يكبد السعودية 8 مليارات دولار سنوياً

08 فبراير 2017
انتشار السلع المغشوشة يقلق الأجهزة الرقابية (Getty)
+ الخط -
كثّفت الحكومة السعودية، من حملات ضبط السلع المقلدة والمعيبة، في وقت تشهد فيه المملكة ارتفاعاً في معدلات تسرّب هذه السلع، والتي تقدر قيمة ما يتم ضبطه منها بنحو 2.2 مليار دولار سنوياً، وفق البيانات الحكومية، بينما تصل خسائر الشركات نتيجة انتشارها بالأسواق إلى قرابة 8 مليارات دولار سنوياً.
وأعلنت وزارة التجارة والاستثمار السعودية، أمس، أن الفرق الرقابية ضبطت في يناير/كانون الثاني الماضي أكثر من 709 آلاف منتج إنارة غير مطابق للمواصفات القياسية، بعد جولات مكثفة على عدد من مستودعات مستوردي الإنارة في ثلاث مدن رئيسية.
وضبطت الوزارة أيضاً محولات وتوصيلات كهربائية مخالفة لنظام المواصفات والمقاييس ونظام مكافحة الغش التجاري في جدة (غرب المملكة)، وكذلك أكثر من 38 ألف قطعة مقلدة من شواحن وسماعات وبطاريات الهواتف المقلدة لعلامات تجارية معروفة في العاصمة الرياض، فضلاً عن أكثر من 20 ألف قطعة مقلدة لساعات تحمل علامات مشهورة.
وشملت جولات التفتيش 8 آلاف منشأة تجارية في مختلف مناطق المملكة، ونتج منها ضبط 2088 مخالفة لأنظمة حماية المستهلك، ونحو 75 حساباً نشطاً عبر المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي تقوم ببيع منتجات مقلدة ومغشوشة لعلامات تجارية مسجلة في الوزارة.
ورغم حجم المضبوطات المرتفعة التي تعلن عنها وزارة التجارة والاستثمار، لا تزال السعودية سوقاً رائجة للبضائع المقلدة، ليكشف تقرير أصدرته مصلحة الجمارك العامة مؤخراً، أن إجمالي ما يتم ضبطه من المواد المقلدة والمغشوشة سنوياً يزيد عن 123 مليون وحدة، بارتفاع سنوي تبلغ نسبته 6.1%.
وتقدر قيمة المضبوطات بأكثر من 8.2 مليارات ريال (2.2 مليار دولار)، وفق تقرير مصلحة الجمارك، غير أن ما يتسرب للأسواق يصل إلى أضعاف هذه القيمة، كما أن جزءا كبيرا من البضائع المقلدة يتم إنتاجه محلياً.

خسائر كبيرة للشركات
يقدر خبراء اقتصاد الخسائر، التي تتعرض لها الشركات جراء المنتجات المقلدة بأكثر من 30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، بيد أن خسارات الاقتصاد السعودي تفوق ذلك، من خلال الأضرار التي تلحقها المنتجات المقلدة، خاصة الأجهزة الكهربائية، والمواد الغذائية، وقطع غيار السيارات.
ويقول فايز الديري، الخبير الاقتصادي، إن السعودية تحارب بقوة المنتجات المقلدة، ولكن لا يمكن القضاء على هذا النشاط دون مساهمة من المواطن، الذي يشتري تلك المنتجات.
ويضيف الديري لـ "العربي الجديد" أن "العقوبات وحدها لا تكفي، ولابد من وعي كبير من المواطن، فضلاً عن أن الكثير من العقوبات لا تتوازى مع الجرم".
ويتابع: "لابد من تشديد العقوبات على المضبوطين والمخالفين، الذين يُقدمون على استنساخ السلع والماركات الأصلية، ما يجعلها منتشرة في السوق السوداء، نعاني من أن نسبة البضائع المقلدة أكثر من 40% من السوق السعودية، وهي مكلفة على المدى البعيد".
ويقول الديري إن الكثير من المستهلكين لا يعرفون أنهم يشترون منتجات غير أصلية، خاصة الكهربائية منها، التي قد تسبب الحرائق، كما أن شراء قطع غيار السيارات المقلدة يسبب الحوادث والوفيات".
ويعتبر أن " العمالة الوافدة هي من تقوم بأعمال التقليد بشكل واسع، خاصة في مجالات الأغذية وزيوت السيارات، ولإيهام المشترين أنها من نوعية ممتازة".


رواج واسع لرخص الأسعار
يقول فهد الراشد، رجل الأعمال السعودي، إن المنتجات المقلدة والمغشوشة تتسرب للأسواق عبر محلات البضائع الرخيصة، التي انتشرت بشكل كبير في المملكة وتلقى رواجاً واسعاً.
ويضيف الراشد لـ "العربي الجديد": "هناك محلات يعرف المقبلون عليها أنها تبيع منتجات مقلدة ولها سوق رائجة، ولكنها تظل أقل خطورة من المحلات التي تبيع منتجات مقلدة على أنها أصلية بسعر مرتفع، وتوهم المشتري أنها ذات جودة عالية".
ويشير إلى أن العقوبات تطاول كل من يتورط في إدخال البضائع المغشوشة للسعودية، وأن العقوبة تصل للسجن، لافتًا إلى أهمية تشديد الرقابة على الجمارك، خاصة أن الأضرار لا تقتصر على الجانب الشخصي، وإنما تمتد إلى الاقتصاد الوطني.
ويتابع أن المستهلك ينفق الكثير على منتج غير أصلي، كما أن الدولة تخسر قيمة الجمارك، لاسيما أن هذه المنتجات تدخل عبر التهريب، وتشديد الرقابة عليها يؤدي إلى قصر السماح على السلع الأصلية وبالتالي سداد جمارك عليها.
وتشير بيانات صادرة عن الجمارك السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن إجمالي قيمة الواردات خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي 2016، بلغ نحو 438.5 مليار ريال (120 مليار دولار)، بنسبة انخفاض 20% عن الفترة ذاتها من عام 2015، التي بلغت خلالها نحو 551.3 مليار ريال (147 مليار دولار).
وبلغت الإيرادات الجمركية المحصلة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016 حوالى 21.2 مليار ريال (5.6 مليارات دولار)، في حين بلغت قيمتها في الفترة ذاتها من 2015 نحو 20.7 مليار ريال (5.5 مليارات دولار)، بارتفاع بلغت نسبته 3%. وبلغ إجمالي مضبوطات الغش التجاري والتقليد خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي نحو 47 مليون وحدة.

البطالة تزيد السلع المغشوشة
يتخوف خبراء اقتصاد من انتشار تجارة السلع المقلدة والمغشوشة، في ظل تسريح العمالة التي يشهدها القطاع الخاص، بسبب تأثره بتداعيات هبوط أسعار النفط على مدار العامين الماضيين.
وهوت أسعار النفط عالمياً بأكثر من 51% منذ منتصف عام 2014 في ظل تخمة المعروض عالمياً، ليصل سعر البرميل حاليا إلى نحو 56 دولاراً، مقابل 115 دولاراً قبل عامين ونصف، ما دعا منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والمنتجين المستقلين من خارجها للاتفاق على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً بحلول يناير/كانون الثاني 2017 من أجل إعادة الأسعار للصعود.
وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم، من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام.
ونتيجة لتراجع أسعار النفط، لجأت السعودية لخفض الدعم عن الطاقة والمياه والكهرباء نهاية العام الماضي، فيما خفضت بدلات وعلاوات موظفي الدولة، كما خفضت رواتب الوزراء بنسبة 20%، ومكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15% في محاولة لترشيد الإنفاق.
كما تسبب تقليص الإنفاق الحكومي في توقف الكثير من المشروعات وإغلاق عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، بينما تعرضت الشركات الكبرى، خاصة في قطاع المقاولات لأزمة مالية تسببت في تسريح عشرات الآلاف من العمالة وتأخر الرواتب، لا تزال توابعها قائمة.
ولم تقتصر الأزمة على العمالة الوافدة وإنما على العاملين السعوديين، الذين طاولت التسريحات الآلاف منهم في القطاع الخاص.
ووفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء (حكومي) يبلغ معدل البطالة بين السعوديين 12.1% في الربع الثالث من 2016 (من يوليو/تموز إلى نهاية سبتمبر/أيلول).

بطالة مرشحة للارتفاع
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن معدل البطالة بين السعوديين مرشح للارتفاع خلال 2017، بعد أن ارتفع فعلياً في الربع الثالث 2016 إلى 12.1% مقارنة بـ 11.6% في الربع الثاني.
وبحسب بيانات وزارة العمل السعودية، يبلغ عدد العمالة السعودية في القطاع الخاص نحو 1.7 مليون موظف. فيما يبلغ عددهم نحو 1.2 موظف في القطاع الحكومي، بحسب بيانات وزارة الخدمة المدنية.
واتخذت المملكة خطوات نحو إلغاء مشروعات بقيمة تصل إلى تريليون ريال (267 مليار دولار) تمتد على مدار خمس سنوات، في خطوة بررتها الحكومة بترشيد الإنفاق على المشروعات غير الضرورية.
وتسعى الحكومة السعودية إلى إعادة هيكلة بعض المشروعات، وإيقاف التعاقد على تنفيذ عدد كبير آخر، لا سيما التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، وفق ما قاله مصدر حكومي في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الماضي لـ "العربي الجديد".
وكشف وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في تصريحات صحافية في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، أن مكتب ترشيد الإنفاق الذي تأسس، العام الماضي، لمراجعة المشاريع الحكومية وفر للمملكة 80 مليار ريال (21 مليار دولار) في التكاليف.
المساهمون