"نيوم" السعودي... معبر اقتصادي لتحالف إقليمي يضم إسرائيل

17 نوفمبر 2017
المشروع يؤصل لتحالف إقليمي جديد بعضوية إسرائيل(فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت السعودية منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع إطلاق مشروع استثماري ضخم، تحت مسمى "نيوم"، وهو كما أعلن ولي العهد محمد بن سلمان، اسم مختصر لمستقبل جديد. ونيوم ليس مجرد مشروع اقتصادي عادي، فهو معبر وجسر واصل بين العلاقة بين السياسة والاقتصاد، وعنوان بارز لتغير المشهد السياسي داخل السعودية، ويمكن من خلاله أيضا فهم طبيعة التحالفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

وعليه، فإن الحديث عن المشروع اقتصادياً وإن كان هاماً، إلا أن تناوله من هذه الزاوية فحسب، يخفي الزوايا الأخرى للمشروع، والتي أبرزها علاقات التشابك السياسي الاقتصادي، وهو الملمح البارز في السياسة الدولية اليوم، بوصف أن الاقتصاد جزء أساسي لبناء تحالفات سياسية، بل إنه في أغلب الأحيان يكون الأساس في بناء التحالفات الدولية.

التغيرات الاقتصادية

تنطلق الاستراتيجية الاقتصادية للسعودية والتي وضحت فى رؤية 2030 من انتهاج طريق اقتصادي يخفف الاعتماد على الريع النفطي، عبر التوسع فى أنشطة استثمارية، لتعظيم موارد المملكة. ويتزامن مع ذلك تخفيض الإنفاق الحكومي، بما فيه من بنود تقديم الخدمات الاجتماعية، وتخفيض بند الأجور، والتخلص من بعض أصول المملكة الإنتاجية، كطرح جزء من شركة البترول العملاقة أرامكو للبيع، وبذلك تدخل السعودية فى إجراءات الخصخصة والتكيف الهيكلي، تحت ضغوط زيادة الإنفاق العسكري، وانخفاض عائدات البترول منذ 2014، وهذا ينذر في المستقبل بقلاقل اجتماعية، خاصة أن المملكة تعاني من تفاوت اجتماعي كبير، برغم عائدات البترول الضخمة.

من منطلق هذه الرؤية، أعلن محمد بن سلمان، في مؤتمر دولي، مشروع نيوم، والذي سيقام على مساحة تتجاوز 26 ألف كيلو متر، ويمتد من ساحل البحر الأحمر بالسعودية الى ساحل البحر الأحمر بمصر، مرورا بخليج العقبة، وصولا إلى الأردن، بتكلفة 500 مليار دولار. وبدا واضحاً خلال مؤتمر الإعلان عن المشروع، أن ولي العهد تصدر المؤتمر، الذي عقد بحضور 2500 شخصية اقتصادية من 60 دولة. واتخذ الإعلان طابعاً اقتصادياً وسياسياً دعائيا. تحدث بن سلمان بوصفه الحاكم الأول للملكة، مركزاً على التبشير بالمستقبل، بداية من اسم المشروع "نيوم" الذي يعنى المستقبل الجديد، وصولاً الى التفاؤل الضخم بما سيحققه المشروع للسعودية والمنطقة العربية. المشروع سيضم مدينة للمستقبل والتكنولوجيا، مدينة رأسمالية تتجاوز نمط الاقتصاد الريعي والنفطي، وتتجاوز ايضاً تقاليد المملكة المحافظة، فـ "نيوم" سيضم منتجعات سياحية ومناطق ترفيهية، وتعليمية، وخدمات سياحية، نيوم رسمت له صورة ذهنية ليكون هدية السعودية للعالم على حد وصف بن سلمان.

خريطة تحالف جديدة

ظهر محمد بن سلمان فى مؤتمر الإعلان عن نيوم بوصفه حاكما فعليا للمملكة، وهو ما تجلى بوضوح مع حملة القبض على أكثر من 200 شخصية من أصحاب النفوذ المالي والأمني والقبلي، منها أمراء من العائلة المالكة، ووزراء ورجال أعمال، ومنها ايضا أباطرة للإعلام العربي، فى مقدمتهم الوليد بن طلال وصالح كامل واخرون، الحملة قادها بن سلمان بمساعدة إقليمية من أجهزة ترهن نفسها لخدمات جمع المعلومات وإدارة التآمر، ولها في ذلك سوابق.


ويتضح أن مشروع نيوم والخطة الاقتصادية للمملكة في تكامل مع سلسلة الإجراءات الأخيرة والتي شملت الاحتجاز ومصادرة الأموال، فهناك رغبة في تشكيل تحالف سياسي واقتصادي جديد فى السعودية، صحيح أنه لا يختلف في مضمونه عن التحالف الذي حكم السعودية مسبقا، الا أن التغير يستهدف استدامة حكم العائلة التي تدرك ان وجودها بتشكيلتها القديمة من الصعوبة استمراره، لذا أحدثت خلخلة في البناء القائم، لكي يستقيم مع حكم ولي العهد، الذي تطالب أصوات سعودية من اليوم بتوليه الحكم وبأن يصبح ملكاً شرفياً.

ويعد مشروع نيوم مثالا لحالة إعادة تشكل النفوذ وعلاقات القوى الاقتصادية، وما يتلوها أو يتجاور معها من ملامح تشكل للمشهد السياسي محليا وإقليميا، بحكم أن السياسة والاقتصاد في حالة جدل دائم، وأن أي تغير في البناء الاقتصادي يتبعه تغير سياسي، وأن التغير السياسي تكون له أبعاد وأسس اقتصادية أيضا، وغالبا ما تكون القوى والمصالح الاقتصادية أكثر تأثيرا وعمقا، وفي الحقيقة فإن مشروع نيوم إذا طبقنا عليه المنظور السابق، فإنه لا يمكن فصله عمّا يجري في السعودية من صراعات على السلطة وتغير علاقات النفوذ والقوة، كما لا يمكن فصله عن تشكل علاقات النفوذ دوليا، فهناك أحلاف جديدة تتشكل على المستوى المحلي في السعودية وعلى مستوى المنطقة.

وإذا كانت السعودية تخلق تحالفا سياسيا داخليا جديداً لولي العهد محمد بن سلمان، فإنه في المقابل، هناك تحالف إقليمي جديد يتشكل، هذا التحالف تقود فيه السعودية بعض دول الخليج ودولاً عربية، وتضم معها إسرائيل، وهذا الحلف يتشكل لمواجهة إيران بالأساس، وتباركه أميركا، ولعل هذا الحلف جزء من أسباب العلاقات الحادة بين دول الخليج اليوم، وأساس للمناوشات التي تصل إلى حد التهديد بالحرب على لبنان، ناهيك عن ملفات المواجهة العسكرية في عدة مناطق مثل سورية واليمن، والمواجهة السياسية ما بين السعودية وعدة دول أخرى، وكل هذه الملفات يستخدم فيها سلاح الاقتصاد سواء عبر العقوبات أو المنح والعطايا.

يتضح أن السعودية تسند لمصر والأردن مهام عديدة من بينها مشاركة الدولتين في مشروع نيوم، وتعتمد على الدولتين في بناء علاقات اقتصادية وسياسية موسعة مع إسرائيل، وهو ما يكشف عنه مشروع نيوم كمقدمة اقتصادية للتعاون الرباعي بين مصر والسعودية وإسرائيل والأردن، والذي يعد خطوة لاستكمال ما اصطلح على تسميته بصفقة القرن، يتضح أن نيوم جزء من حلف يستهدف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي مقابل تطبيع كامل مع إسرائيل.

في مؤتمر إعلان مشروع نيوم السعودي لم نر ممثلي دولتي مصر والأردن، ولم نسمع صوت أحد منهم، الغريب أو الذي نراه غريبا أن المسؤولين المصريين أصابهم الخرس، بمن فيهم وزراء المجموعة الاقتصادية، بينما يكرر بن سلمان أن المشروع سيقام على أرض مصرية.


وحتى كتاب الصحف ومقدمو البرامج الحوارية وغيرهم من الكتاب الذين يتغنون بعطايا واستثمارات السعودية "وينوبهم من الحب جانب"، لم يتطرق أحدهم إلى غياب مصر عن مؤتمر الإعلان عن المشروع أو الصمت وعدم التعليق عليه من جانب المسؤولين، على الرغم من حضور وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي التي ربما فوجئت بإعلان نيوم، الأمر الذي يطرح سؤالا ملحا وهو: طالما سيقام المشروع على أراض مصرية، فلماذا الصمت الرسمي.


ولماذا لا نسمع الوزيرة، سحر نصر، تتحدث بوضوح وبتفاصيل عن المشروع، وخاصة وهي المختصة بالاستثمارات ولا تفوت فرصة للحديث عن المنح والاستثمارات والقروض، كما لم نلحظ وزيرة التخطيط ولا مكتبها الإعلامي النشط يتحدث عن مشروع نيوم، إلا إذا كان المشروع يمثل مفاجأة، والمفاجآت كما نعرف تفسد وتتناقض مع قواعد التخطيط، ولم نر وزير الخارجية المصري النشط يعلق على المشروع من باب تقوية العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية.

والغريب ايضا أن مشروع نيوم لم يعلق عليه إعلاميو الحكومة ولا إعلاميو المملكة من المصريين، على هذا الصمت، واتضح أن الكل في انتظار الإشارة للحديث، أو أنه يفهم ولا يريد الحديث بحكم أن المشهد يدار بشكل فوقي. وإذا ردت المسألة إلى أصولها، والتي تشير إلى دخول إسرائيل كشريك في المشروع، فإن الصمت يصبح مفهوما ومشروطا بأحداث في انتظار الوقوع، أو خطوات في انتظار التنفيذ، لأن هناك اتفاقاً بالشراكة في إطار حلف سياسي يضم مصر والأردن والسعودية وإسرائيل، وخاصة أن مصر والأردن تربطهما بإسرائيل اتفاقيات سلام وعلاقات اقتصادية كان من ضمنها اتفاقية الكويز، التي عقدت في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وهنا يصبح مشروع نيوم اتفاقية اقتصادية جديدة لم تعلن بعد بين السعودية والأردن ومصر وإسرائيل، كطريق للتطبيع العربي الإسرائيلي الشامل الذي يخطط له.

ما يقارب ثلاثة أسابيع مرت على إعلان مشروع نيوم ولم تعلق مصر عليه إلا حين وجهت بعض الأسئلة حول التطورات في السعودية، ومشروع نيوم، والتي رد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي معلقا بشكل مختص، وهو ما يؤكد أن مصر ستمثل معبرا تجاريا وسياسيا في آن واحد، وأنها أداة ربط هي والأردن لإشراك إسرائيل اقتصاديا وسياسيا.


أي أن المشروع من حيث وجوده الاقتصادي والجغرافي أحد نقاط المعابر نحو التطبيع، وامتداد العلاقات الاقتصادية والسياسية ما بين إسرائيل والدول العربية، وليس كما نشرت بعض التقارير الأجنبية أنه يتم بموافقة إسرائيلية، فالمشروع تجاوز مسألة الموافقة إلى المشاركة الفعلية، بل إنه بجانب أنه أداة تطوير للعلاقات الاقتصادية المصرية السعودية بعد تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فإنه بوابة ومعبر لتحالف إقليمي جديد تقوده السعودية وتكون إسرائيل جزءاً منه.

دلالات
المساهمون