الحكومة السودانية تشجع الاستيراد على حساب المنتج المحلي

08 سبتمبر 2016
الاعتماد على الاستيراد يرفع أسعار السلع في السودان (الأناضول)
+ الخط -

اتجهت الحكومة السودانية، في الآونة الأخيرة، إلى زيادة استيراد السلع على حساب الإنتاج المحلي.
وساهم تراكم الأزمات التي مرت على السودان، والتي كان آخرها انفصال دولة الجنوب، في إهمال الإنتاج المحلي، وبالتالي تراجع الصادرات بشكل حاد، ما فاقم عجز الموازنة.
وأرجع خبراء اقتصاد لجوء الحكومة إلى زيادة الاستيراد، لاعتمادها الكبير على فاتورة الجمارك في تسيير نفقاتها المتزايدة، بالإضافة إلى تلبية احتياجات السوق، في ظل تراجع الإنتاج المحلي.

وكشفت تقارير حديثة عن استيراد السودان أربعة آلاف وخمسمائة سلعة ومنتج سنويا من دول مختلفة، واحتلت الصين المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر تصديرا للسودان بثلاثة آلاف سلعة، حسب الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، لـ"العربى الجديد"، إن الاستيراد يتلقى امتيازات كبيرة، والسبب في ذلك هو اعتماد الحكومة على الجمارك في تسيير النفقات المتزايدة لقطاعاتها المترهلة، ما يدفعها إلى تشجيع الاستيراد.
ويضيف عثمان، أنه في المقابل يتعرض كل من الإنتاج المحلي والتصدير لإجراءات معقدة من الحكومة، ما يدفع بعض المستثمرين إلى اتخاذ طرق غير قانونية لتجاوز العقبات. وأوضح أن الإنتاج المحلي يحقق مكاسب عديدة للاقتصاد، أبرزها توفير العملة الصعبة عبر تصدير جزء من الإنتاج، والمساهمة في حل مشاكل البطالة وانهيار الجنيه.

ويقول عثمان إنه لا توجد شركات متخصصة في التصدير تمتلك إمكانيات كبيرة تستطيع فتح أسواق عالمية للمنتجات المحلية، كما لا توجد جهة تهتم بتشجيع الإنتاج بمواصفات عالمية، حتى أصبح هذا القطاع عشوائيا.
وحسب تقارير رسمية، خرج السودان من الأسواق العالمية للسلع التي يتميز بها، ومنها الفول والسمسم والصمغ العربي، الأمر الذي يحتاج خططا جديدة لإعادة مكانة الصادرات السودانية في مختلف الأسواق العالمية والعربية.
وأظهرت إحصائيات غير رسمية استيراد السودان 500 سلعة من الدول العربية، في حين تراجعت صادراته إلى تلك الدول.

ويقول الخبير الاقتصادي فيصل عوض لـ"العربى الجديد"، إن إنتاج السودان لا يغطى الحاجة الفعلية للسوق المحلي، وفي بعض السلع نجد أن تكلفة إنتاجها أعلى من تكلفة الاستيراد.
ويشير عوض، إلى أن الحكومة تفرض رسوما تعجيزية أدت إلى إخراج الكثيرين من دائرة الإنتاج، حتى في الجوانب التي تمتلك فيها السودان ميزات كالزيوت والألبان ومشتقاتها.
وشدّد على أهمية وضع استراتيجية قطاعية من قبل مختصين، مع مراعاة إلغاء الرسوم المفروضة على الإنتاج، وأكد أن ردم الفجوة بين الصادرات والواردات لن يتحقق بدون زيادة الإنتاج المحلي.


وتقول الإحصائيات الرسمية، إن العجز في الميزان التجاري قُدر العام الماضي، بـ6 مليارات دولار، حيث بلغت قيمة الواردات 9 مليارات دولار والصادرات 3 مليارات دولار.
وأصبح السودان شبه مستورد كليا للمواد الغذائية، ما جعل أسعار الدولار تلعب دورا رئيسيا في تسعير السلع الأساسية في الأسواق، حيث زاد التضخم بمعدلات قياسية في مختلف المنتجات ومنها الأدوية. ومن إجمالي 3 آلاف نوع من الدواء يحتاجها السودان يتم استيراد 1500 نوع منها، حسب مسح رسمي.

ويقول أستاذ الاقتصاد هيثم فتحي، لـ"العربى الجديد" إن المخرج من الأزمة يتطلب توجيه كل الموارد لتمويل السلع التي يستهدفها البرنامج الخماسي للدولة، ووضع سياسات داعمة ومشجعه للعملية الإنتاجية.
واعتمدت الحكومة البرنامج الخماسي بدءاً من عام 2015، والذي يقوم على تشجيع وتحفيز الصادرات لتساهم في تحقيق الاستقرار لسعر الصرف ووقف تدهور العملة المحلية.
وشهد الدولار ارتفاعاً غير مسبوق، بعد أن كسر حاجز 17 جنيهاً الأسبوع الماضي، بينما تحدد الحكومة سعره رسمياً بـ 6.4 جنيهات، قبل أن يتراجع مطلع الأسبوع الحالي، إلى 14 جنيهاً، بسبب تحويلات المغتربين.

ويؤكد فتحي، أن هناك خطوات جادة وتحركات من قبل الحكومة في معالجة الأزمة، منها تعديل قانون الاستثمار ليواكب المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد وجذب المستثمرين.
ويطالب اقتصاديون بترشيد الاستيراد عبر إصدار تشريعات أو قرارات تقضي بالحد من استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، ووضع قوائم بالسلع غير الاستراتيجية التي لها بديل محلى.
ويقول فتحي، إن الاقتصاد السوداني شهد سلسلة من المتغيرات على صعيد هياكل الإنتاج والتشغيل والأسواق والتجارة الخارجية، وامتد نطاق هذه التغيرات ليشمل الاهتمامات الرئيسية للسياسة الاقتصادية العامة.

وأضاف أن الاقتصاد تعرض إلى صدمات واختلالات ومشاكل نجمت عن الحروب والحصار، ففي عام 2005 وقعت اتفاقية السلام الشامل، ما نتج عنها استحقاقات لتطبيقها فأرهقت اقتصاد البلاد، لتتبعها الأزمة المالية العالمية 2008 التي أثرت بانخفاض صادرات البلاد من النفط الذي اعتمدت عليه البلاد كثيرا، لتأتي قاصمة الظهر 2011 بانفصال دولة الجنوب ومعها جزء كبير من موارد السوان البترولية.
وأكدت تقارير حديثة ضرورة زيادة إنتاج وتصدير المعادن والثروة الحيوانية والذهب والقطن والصمغ الغربي، من أجل إحداث توازن بين الصادرات والواردات، ولكن بسبب عدم الاستقرار والحصار والتشوهات الهيكلية في القطاعات الإنتاجية وبعض المعيقات الصادرة لم تستطع الحكومة تحريك هذا الملف، حسب محللين.

ووفقاً لتقارير رسمية، يستورد السودان قمحا ودقيقا بقيمة مليار دولار سنويا، كما يستورد 800 ألف طن من السكر سنويا، رغم وجود ستة مصانع للسكر، و60 ألف طن من الألبان سنويا بقيمة 160 مليون دولار، إضافة الى استيراد لحوم وعصائر، حسب تقارير رسمية.
ورغم وجود مخزون سمكي ضخم يتجاوز 120 ألف طن في الأنهار والبحيرات والسدود والبحر الأحمر، إلا أن السودان يستورد سنويا أسماكا بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار، كما يستورد فواكه وخضروات وزيوتا، رغم امتلاكه مساحات زراعية هائلة.

وصنّفت مؤسسة "غولدمان ساكس" الأميركية، في دراسة حديثة، السودان، في المركز الأول في قائمة الدول التي تمتلك أراضي زراعية غير مستغلة، وذلك بمساحات تقترب من 80 مليون فدان.
وحسب خبراء اقتصاد، فإن الأراضي الزراعية المستغلة في السودان قليلة ولا تتناسب مع التطلعات المحلية والإقليمية المنتظر تحقيقها لسد الفجوة الغذائية في الوطن العربي.
ولا يصدّر السودان سوى عدد قليل من السلع الزراعية، من بينها السمسم والقطن والموز والبرسيم الذي يمثل 85% من مجمل الصادرات، حسب تقارير رسمية.



المساهمون