مغادرة استثمارات أجنبية تهدد قطاع الطاقة في مصر

07 سبتمبر 2016
تقليص الاستثمارات النفطية يفاقم أزمة الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه الاستثمارات النفطية في مصر تحديات عدة، وسط تصاعد المخاوف من تزايد حالات تخارج الشركات العالمية من السوق المصرية، سواء بالانسحاب الكامل، أو الإعلان عن بيع حصص من أسهمها وتقليص عمليات البحث والاستكشاف وتنمية حقول النفط المكتشفة، ما قد يتسبب في تفاقم أزمة الطاقة في مصر، حسب خبراء لـ"العربي الجديد".
وقال وزير البترول المصري طارق الملا أمس الثلاثاء، إن استثمارات شركات النفط الأجنبية في البلاد بلغت 6.6 مليار دولار في السنة المالية الماضية 2015-2016، بانخفاض 12% عما سجلته السنة المالية 2014-2015، والتي جذب استثمارات لشركات النفط العالمية في مصر بلغت 7.5 مليار دولار.

وتسيطر الشركات الأجنبية على أنشطة استكشاف وإنتاج النفط والغاز في مصر، ومنها بي.بي وبي.جي البريطانيتان وإيني الإيطالية.
وحسب خبراء لـ"العربي الجديد"، دفع انخفاض أسعار النفط العالمية بالإضافة إلى الاضطرابات وتراجع المؤشرات الاقتصادية في مصر، العديد من الاستثمارات الأجنبية بمختلف القطاعات وأبرزها النفط، إلى الاتجاه لمغادرة مصر أو تقليص الأعمال عبر التخلص من بعض الاستثمارات.

وكانت شركة إيني الإيطالية قد بدأت مؤخراً، في إجراء مفاوضات مع شركات نفط من بينها لوك أويل وإكسون موبيل وتوتال وبي.بي بشأن بيع حصة لا تقل عن 20% في حقلها العملاق للغاز في مصر، ويأتي ذلك في الوقت الذي تصاعدت فيه قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر.
وتملك "إيني" الإيطالية حقل ظهر بالكامل، وقالت إنها ترغب في إدخال شركاء ضمن استراتيجيتها لبيع بعض أنشطتها للمساعدة في تحقيق هدف جمع خمسة مليارات يورو من خلال التخلص من أصول على مدار العامين المقبلين.




وفي وقت سابق، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن الشركة أنها تخطط لخفض استثمارات وبيع حصص في حقول نفط وغاز، بما يساعدها على زيادة توزيعات الأرباح، والتحول إلى مساهم أصغر حجماً في قطاع التنقيب.
وقال الرئيس التنفيذي كلاوديو ديسكالزي "إن عمليات البيع ستكون في الأساس من خلال تقليص حصصنا في الاكتشافات، منها اكتشافات تحققت في الآونة الأخيرة"، مشيراً إلى أن حقول الغاز الكبرى التي تعمل بها الشركة في موزمبيق ومصر على رأس القائمة.

وفي هذا الإطار، اعتبرت وكيلة اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري المصري سابقا، وأستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، يمنى الحماقي، أن السبب الرئيسي في تلك الانسحابات يرجع في الأساس إلى الأوضاع الاقتصادية الخاصة بالشركات العالمية التي تأثرت بتراجع أسعار النفط، وليست لأسباب خاصة بالسوق المصري.
وقالت الحماقي في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": "نحن نقدم جميع التسهيلات لشركات الطاقة العالمية"، مشيرة إلى أن معظم شركات البترول العالمية تقوم حاليا بإعادة هيكلة شاملة لمواجهة انخفاض الأسعار وتتبع سياسات انكماشية وتقشفية لمواجهة انخفاض الأسعار.

وأكدت أن الانسحابات ستؤثر على مصادر الطاقة في مصر، ما يستدعي تدخلاً سريعاً من الدولة من خلال الشركات المحلية لمواجهة أي عجز يترتب على تلك الانسحابات أو توقف الإنتاج، موضحة أن الحكومة المصرية سددت حتى الآن أكثر من نصف المديونيات المستحقة لدى الشركات العالمية.
وطالبت الحماقي بضرورة إعادة هيكلة لسياسة الاتفاقيات البترولية ومراعاة مردودها الإيجابي على الاقتصاد المصري، مؤكدة أن الاتفاقيات البترولية السابقة لم تتم فيها مراعاة مصلحة الاقتصاد المصري.

واستبعدت أن يكون قرار شركات النفط بالانسحاب من السوق المصري أو ببيع جزء من حصصها مرتبطاً بأسباب سياسية، لافتة إلى أن البيزنس لا يعرف السياسة وأن ما يهم رئيس مجلس إدارة أي شركة هو تحقيق الأرباح في نهاية العام، خاصة في ظل تراجع أسعار النفط العالمية.
ويعد الاستثمار في قطاع النفط والتنقيب من أكثر القطاعات جذباً للمستثمرين الأجانب في مصر، إذ يستحوذ على نحو 59.6% من إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد، مقابل 2.2 % للصناعات التحويلية ونحو 5.8 % في قطاع التشييد والبناء و9.8% في قطاع الخدمات، حسب الإحصاءات الرسمية.

ولم تكن شركة إيني الإيطالية الوحيدة التي اتجهت لتقليص أعمالها، فقد أعلنت العام الماضي شركات "توتال" الفرنسية، و"بي بي" و"بي جي" البريطانية، و"إكسون موبيل" و"كونوكو فليبس و"شيفرون" و"أباتشي" الأميركية، عن عمليات خفض واسعة النطاق للإنفاق والعمالة، على خلفية تراجع أسعار النفط العالمية.
وقال رجل الأعمال المصري، والباحث الدولي في شؤون الطاقة، نايل الشافعي، إن شركة شل الهولندية تدرس الخروج من مصر بالكامل، وإنها توقفت تماما عن تنمية امتيازات المياه العميقة التابعة لشركة "بريتش جاس" البريطانية، والتي استحوذت عليها شل في أبريل/نيسان 2015.

وكانت شركة "شل" قررت تخفيض استثماراتها في مصر بمنطقة امتيازها "بدر الدين" لنحو 350 مليون دولار العام الجاري، مقابل ما يتراوح بين 450 إلى 500 مليون دولار سنوياً.
وأعلنت شركة سيركل أويل الأيرلندية التي تعمل في السوق المصرية في منطقة امتياز حقل بترو امير بخليج السويس عرض حصتها في الحقل البالغة 40% للبيع، واستدعت الشركة عروضاً لشراء الحصة من شركات ترغب في الشراء وأقفلت باب تلقي العروض يوم 10 مايو/أيار الماضي.
وقال المدير العام لسيركل أويل، حسن حطبة، في تصريحات صحافية سابقة، إننا نقيم العروض وإن الشركة شأنها شأن عدد من الشركات التي تأثرت بالظروف الاقتصادية الصعبة من بينها مستحقات الشركة لدى الهيئة العامة للبترول.

وعلى الرغم مما أعلنته الحكومة المصرية من قدرتها على سداد الديون المتأخرة المستحقة لشركات النفط الأجنبية، بعد جدولة تلك الديون، إلا أن مراقبين ومختصين في قطاع الطاقة شككوا في ذلك.
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، لـ"العربي الجديد"، أن خروج شركات النفط العالمية من مصر رسالة شديدة السلبية للاستثمار في مصر، إذ تسبب ذلك في عجز مصر عن إنتاج الطاقة، وكذلك إعطاء صورة سلبية لحالة مناخ الاستثمار الأجنبي في البلاد.

وأوضح في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" أن مصر تجني الآن ثمار الاستراتيجية الخاطئة التي اتبعها رجال الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأكملتها الإدارة الاقتصادية للانقلاب العسكري.
وأشار إلى أن المديونية المستحقة لشركات النفط ما زالت تمثل عبئا كبيرا على الحكومة، وتمثل كذلك تهديداً لشركات النفط الأجنبية التي تعاني من مشكلات مالية، في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، على الرغم من محاولة الحكومة تخفيض هذه المديونية من دون جدوى.



دلالات
المساهمون