العراق: 21 محققاً دولياً لفحص ملفات فساد رؤساء الوزراء

20 اغسطس 2016
مظاهرات حاشدة ضد الفساد في بغداد (Getty)
+ الخط -
أطلعت مصادر حكومية داخل مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، "العربي الجديد"، أن 21 محققاً دولياً سيصلون إلى بغداد نهاية الشهر الجاري للبدء بالتحقيق في ملفات الفساد المالي، بناء على مذكرة تفاهم وقعتها الحكومة العراقية مع الأمم المتحدة الأسبوع الماضي. ويأتي ذلك وسط اعتراض كبير من قبل أحزاب سياسية عراقية اعتبرت خطوة الحكومة بمثابة تشكيك في القضاء والسماح بإهانة شخصيات مهمة في البلاد عبر التحقيق معها من قبل مختصين دوليين.

ووفقاً لمصادر خاصة في مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن المحققين الدوليين، وجميعهم غربيون، باستثناء عربي واحد من الأردن، منحوا كامل الحرية في فحص الملفات والوثائق ومراجعة السجلات ووثائق الوزارات والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية في بغداد، على ضوء الاتفاق المبرم مع الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.
وكان رئيس الوزراء، حيدر العبادي، طلب رسمياً من الأمم المتحدة مساعدته في الكشف عن مصير 361 مليار دولار مفقودة من موازنات البلاد بين عامي 2004 و2014، فضلاً عن مصير آلاف المشاريع والاستثمارات في قطاعات الكهرباء والإسكان والزراعة.

وذلك على الرغم من إنفاق الدولة على تلك القطاعات ما مجموعه 98 مليار دولار خلال عشر سنوات.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن الفريق مُنح صلاحية التحقيق مع رؤساء الوزراء السابقين وهم إياد علاوي (2004 ولغاية 2005) وإبراهيم الجعفري (2005 ولغاية 2006) ونوري المالكي (2006 ولغاية 2014)، فضلاً عن وزراء سابقين.
وسيتمكن الفريق من التحقيق مع المسؤولين الموجودين حالياً خارج البلاد، بفضل صفة الفريق الأممية التي تخوله ذلك.
ولم تنجح جهود محاربة الفساد في العراق منذ عام 2003، وحتى الآن، حيث تشير التقارير إلى أن مجمل السرقات من المال العام في البلاد بلغت حوالى 850 مليار دولار. وتسبب الفساد في مؤسسات ودوائر الدولة العراقية في كثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية، ما دفع آلافاً من العراقيين إلى الخروج في تظاهرات حاشدة تطالب بتقديم الفاسدين إلى القضاء.
وطالب سياسيون عراقيون، في مناسبات عدة، باستقدام خبراء ومحققين دوليين للكشف عن ملفات الفساد في الحكومة العراقية ومؤسساتها المختلفة، لإبعاد شبح التأثيرات السياسية والحزبية والمسلحة عن التحقيق، وليكون نزيهاً وحيادياً ومستقلاً.

وأصدر مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بياناً، الخميس الماضي، ذكر فيه أن "الجانب العراقي وقّع مذكرة تفاهم مع منظمة الأمم المتحدة، بهدف استقدام وإشراك محققين دوليين متخصصين، لكشف ملفات الفساد الكبيرة في البلاد".
ويأتي ذلك في وقت تستمر فيه المطالبات الشعبية في العراق لكشف ملفات الفساد الكبيرة، كصفقات الأسلحة وأجهزة كشف المتفجرات وجولات التراخيص النفطية التي أهدرت مليارات الدولارات من ميزانية الدولة.

وتواجه هيئة النزاهة العراقية، المتخصصة في كشف ملفات الفساد، اتهامات بعدم الجدية في حسم تلك الملفات والتستر على أخرى من قبل حقوقيين وسياسيين ومتظاهرين يطالبون الهيئة بضرورة حسم تلك الملفات العالقة بعد كشفها للشعب العراقي وتقديمها إلى القضاء.
ويعتبر مراقبون أن مشاركة محققين دوليين في كشف ملفات الفساد في العراق تأتي استكمالاً للإصلاحات السياسية التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منتصف عام 2015 وعقب مظاهرات حاشدة طالبت بمكافحة الفساد.

وكان نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، دعا، في وقت سابق، إلى ضرورة استقدام محققين دوليين لكشف ملفات الفساد المتراكمة في العراق وحسمها وتقديمها للقضاء العراقي.
واعتبر محللون وخبراء أن مشاركة خبراء دوليين في مكافحة الفساد في العراق خطوة مهمة للغاية لكشف ملفات الفساد ومعرفة مصير الأموال المنهوبة من البلاد.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي العراقي سالم الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة العبادي قامت بخطوة مهمة بالتعاقد مع الأمم المتحدة ومحققين دوليين لكشف ملفات الفساد في العراق منذ عام 2003.
وتشمل التحقيقات تهريب الأموال وتهريب النفط وعقود التسليح".

وأوضح الجميلي أن "التحقيقات تشمل العقود الوهمية التي أبرمت في فترة حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وعمليات تهريب الذهب والدولار التي أنقذت الاقتصاد الإيراني من الانهيار، وكل العمليات الحسابية في البنك المركزي وغسيل الأموال".
ولفت إلى أن "التحقيقات ستكون طويلة وستكشف حجم الفساد وستزيل القناع عن الوجه الحقيقي للأحزاب الدينية الحاكمة وقياداتها وأذرعها الاقتصادية". وأعرب عن أمله في أن تكون إجراءات الأمم المتحدة صارمة، بهدف منع إفساد المحققين الدوليين أو طمس نتائج التحقيق لأهداف سياسية أو أمنية، وأن تعلن النتائج أمام الشعب العراقي والعالم.

ويعول كثير من الحقوقيين والخبراء على التحقيقات الدولية لكشف ملفات الفساد في العراق منذ عام 2003 والتي سببت هدر مليارات الدولارات من ميزانية العراق خلال الحكومات المتعاقبة، معتبرين أن التحقيقات الدولية هي الأقدر على النأي بمحققيها عن التأثيرات الحزبية والسياسية وشراء ذممهم، كما يحدث حالياً في العراق.
ومازالت مئات الملفات المتعلقة بالفساد تخص الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية عالقة، ولم يتم كشفها بسبب ضغوط سياسية من أحزاب وكتل حاكمة في البلاد، فيما تحاول جهات سياسية عديدة الضغط لمنع فتح تلك الملفات دولياً، بحسب المصادر.

وتولت الشركات التابعة للأحزاب السياسية الحاكمة، مسؤولية ملف إعمار العراق، وكانت النتيجة أن أصدرت هيئة النزاهة أوامر القبض على 22 وزيراً و335 مديراً عاماً، جميعهم ينتمون للأحزاب السياسية الحالية التي تحكم البلاد، بتهم فساد مالي وتمرير صفقات شركات محلية وأجنبية. لكن الكتل السياسية استطاعت تعطيل أوامر القبض في حق مسؤوليها.

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، أن العراق استعان بمحققين دوليين في ملفات الفساد، وأن وجود أولئك المحققين سيضمن حيادية التحقيقات والتخلص من الضغوط التي قد تمارس على المحقق العراقي.
وأشار إلى أن "ملف الفساد في العراق شائك وكبير للغاية وتراكم منذ سنوات عديدة". وقال إن "هذه المذكرة ستعمل على التحقيق في قضايا فساد ذات أولوية، وسيكون هناك تدريب وتأهيل للكفاءات العراقية من خلال هذه التحقيقات".
وأرجع الحديثي أسباب استعانة العراق بالمحققين إلى الضغوط التي قد تمارس على المحقق العراقي.



المساهمون