الكويت..شكوك في ضبط الحكومة أسعار السلع بعد رفع الوقود

16 اغسطس 2016
تكلفة استخراج برميل النفط وتكريره في الكويت الأرخص عالميّاً(Getty)
+ الخط -


استفاق المواطنون الكويتيون في الثاني من أغسطس/آب الجاري، على صدمة تمثلت في إعلان مجلس الوزراء زيادة أسعار الوقود رسمياً بنسب تتراوح بين 40% لأقل فئات الوقود جودة إلى 80% لأكثرها جودة تنفيذاً لسياسة ترشيد الدعم في الميزانية العامة، وهو ما سيسبب ارتفاعاً في فاتورة استهلاك الوقود للمواطنين والمقيمين على العموم.

وسيتم تطبيق سياسة التسعير الجديدة والمرتبطة بأسعار النفط اعتباراً من بداية سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك تماشياً مع السياسات المتبعة من دول مجلس التعاون الخليجي.

ووفقاً للقرار الحكومي فإن سعر وقود 91 أوكتان (الممتاز) ارتفع من 65 فلساً للتر الواحد إلى 85 فلساً، وسعر وقود 95 أوكتان (الخصوصي) وهو الأكثر استخداماً من المواطنين الكويتيين ارتفع من 65 فلساً إلى 105 فلوس للتر الواحد وسعر وقود بريميوم 98 (ألترا) ارتفع من 90 فلساً إلى 165 فلساً للتر الواحد.

ووجه مجلس الوزراء لجنة إعادة دراسة مختلف أنواع الدعوم التي تقدمها الدولة بمراجعة أسعار الوقود كل ثلاثة أشهر لتتناسب مع أسعار النفط العالمية والأهداف المرجوة من إعادة ترشيد الدعم.
خبراء اقتصاديون شككوا من جانبهم في وعود الحكومة بمراقبة الأسعار والقضاء على التضخم الذي سينتج بسبب رفع أسعار الوقود والمحروقات، حيث قام وزير التجارة قبل خمسة أيام من إعلان الحكومة رفع الدعم عن الوقود بإلغاء قرار سابق له يقضي بتجميد أسعار السلع والخدمات الحرفية، مما يفتح الباب أمام تجاوزات التجار برفع الأسعار بحجة ارتفاع تكلفة النقل والتخزين.


وكان البنك الدولي قد بارك الخطوة الكويتية برفع أسعار الوقود ووصفها بالجريئة في بلد هو الأعلى عالمياً في تقديم الدعوم على مستوى الفرد وأن القرار يتوافق مع رؤية دولة الكويت في تعزيز البيئة التنافسية وتحقيق المزيد من التنوع الاقتصادي على الأمدين المتوسط والطويل.

وقال مدير البنك الدولي في دولة الكويت، الدكتور فراس رعد، إن حجم الدعم الذي تقدمه الكويت للطاقة يمثل عبئاً كبيراً على خزينة الدولة إذ تتراوح تقديرات هذا الدعم بين 3.1% و5.7% من الناتج الإجمالي المحلي في الكويت علماً أن التقديرات التي تقترب من الحد الأعلى، أي 5.7% تتضمن كذلك كلفة أثر دعم البنزين على البيئة والصحة العامة.

وأضاف رعد: أن الدعم الضخم الذي تقدمه الكويت كان سبباً في بروز اختلالات واضحة في الاقتصاد الكويتي لاسيما في ارتفاع نسبة استهلاك الطاقة التي تزيد عن المعدلات المتوقعة والطبيعية في دولة مثل الكويت نسبة إلى نمو سكانها واقتصادها وظروفها المناخية، حيث إن دعم الطاقة في الكويت وعبر السنوات الطويلة الماضية أفضى إلى استخدام الأدوات الكهربائية بصورة غير مسؤولة، خصوصاً مكيفات الهواء وهي التي دفعت نحو الزيادة المفرطة في استخدام الكهرباء.

 لكن الخبير الاقتصادي، فهاد حماد، قال لـ"العربي الجديد": ليست الكويت بحاجة لإملاءات من مدراء البنك الدولي الذين لم يزوروا الكويت سوى مرتين في حياتهم ليخبرونا عن وجوب عدم استخدام مكيفات الهواء في درجات حرارة تصل إلى 52 درجة مائوية في الصيف. 

وأضاف: أنه أمر مجنون أن تسقط الحلول التي تناسب مناخ بريطانيا وأميركا وأستراليا على دولة صحراوية مثل الكويت، رفع أسعار الوقود لن يقلل استخدام الأجهزة الكهربائية ولن يقلل استخدام السيارات لأنه بكل بساطة إن لم تستخدم سيارة في الكويت فإنك ستموت من الحر الشديد في المشي أو استخدام الدراجات الهوائية أو النارية، فالكويت ليست امستردام كما يظن بعضهم. 

وأكمل فهاد: الدولة تربح حالياً من بيع الوقود للمواطنين بمقدار 10 فلوس عن كل لتر بسبب أن تكلفة استخراج برميل النفط وتكريره في الكويت هي الأرخص عالمياً، حيث تبلغ 8 دولارات عن البرميل، لكن الهدف من رفع الأسعار لا يزال مجهولاً، خصوصاً أنه سيدخل البلاد في مأزق التضخم اقتصادياً وفي مأزق الاضطرابات سياسياً.

وقال الخبير الاقتصادي سلطان العجمي لـ"العربي الجديد": الخطوة غير مفهومة ففاتورة الدعم غير موجودة كون الدولة تبيع الوقود وهي رابحة أصلاً، لكنها تسجل في الدفاتر بأنها تخسر وهي خطوة مستغربة لأن أسعار النقل العام ستتضاعف مما يعني تضاعف أجور العمال والسلع على حد سواء.

وأضاف: كان الأولى بالحكومة أن تبدأ في خصم المكافآت الشهرية الضخمة التي يحصل عليها مسؤولون وقياديون في وزارات الدولة وأن ترشد إنفاقها الخارجي قبل أن تبدأ في الأخذ من جيب المواطن مباشرة اتباعاً لسياسات البنك الدولي التي لا تعد سوى تنظير ممل لا يسمن ولا يغني من جوع.

لكن الخبير الاقتصادي الشهير، حجاج بو خضور، كان له رأي آخر حيث صرح لوكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا): إن قرار رفع أسعار البنزين يعد خطوة إصلاحية اقتصادية مهمة في ميزانية البلاد للسنوات المقبلة في ظل ما شهدته أسعار النفط من انخفاض خلال الفترة الأخيرة، و من شأن هذا القرار التقليل من نسبة الدعوم المقدمة للمحروقات وتعزيز ثقافة الادخار وتعديل السلوك الاستهلاكي للمواطن.

وأضاف أن هذا القرار يساهم في الحد من عمليات التهريب والسرقات للمحروقات التي تكبدت البلاد بسببها خسائر كبيرة وذلك لتقارب الأسعار بين الأسواق المجاورة والسوق الكويتية.

لكن سيل الوعود الحكومية والتطمينات بمراقبة الأسعار لم تعفها من غضب الشارع الكويتي وممثليه في البرلمان الذين قالوا إن القرار من شأنه أن يعرض الحكومة للمساءلة الشديدة.

وقال النائب محمد طنا العنزي في تصريح لـ"العربي الجديد": لن يمر هذا القرار مرور الكرام على مجلس الأمة(البرلمان) وسنتخذ كل الطرق القانونية لإيقافه والحد من أضراره على المواطنين والمقيمين على حد سواء.

وأضاف: هناك أماكن تبذير أخرى يمكن القضاء عليها ومعالجتها بدلاً من الاتجاه لجيوب المواطنين والأخذ منها بغير وجه حق مما يسبب أزمات اقتصادية ربما لن تخرج منها الكويت أبداً.

لكن اجتماعاً جمع مجموعة من النواب في البرلمان برئيس مجلس الوزراء بعد أيام من إقرار رفع الدعم لم ينته إلى أيّ حلول، حيث أصر مجلس الوزراء على موقفه، مؤكداً أن الأمر يتعلق برؤية اقتصادية كاملة لن تقبل الحكومة من البرلمان تعطيلها، وبين شد وجذب يترقب الكويتيون بخوف الموعد الرسمي لرفع الأسعار في محطات الوقود والذي حددته الحكومة في الأول من سبتمبر هذا العام.

 

المساهمون