عن إقالة محافظي البنوك المركزية العربية

08 مايو 2016
فهد المبارك، المحافظ السابق لمؤسسة النقد العربي السعودي (Getty)
+ الخط -


يطرح قرار إقالة الدكتور فهد المبارك، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) من منصبه، أمس الأول السبت، سؤالين مهمين؛ الأول يتعلق بأسلوب تعيين وإقالة محافظي البنوك المركزية في المنطقة العربية، والثاني يتعلق بالملفات التي تواجه المحافظ الجديد للبنك المركزي السعودي د.أحمد بن عبد الكريم الخليفي، وهو بالمناسبة يعد أهم محافظ بنك مركزي في المنطقة، نظرا لضخامة الملفات المسؤول عنها داخل الاقتصاد السعودي، والذي يصنف على أنه الأول بين الاقتصاديات العربية، وكذلك نظراً لضخامة احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي والذهب التي يديرهما البنك المركزي في الأسواق والبنوك العالمية، والبالغة قيمتها نحو 600 مليار دولار.

ما يهمنا هنا هو السؤال الأول المتعلق بآلية التعيين والعزل بالنسبة لرؤساء البنوك المركزية والسلطات النقدية، فمن المعروف أن محافظي البنوك المركزية في العالم يتمتعون بحصانة شديدة، وتشدد معظم القوانين التي تنظم عمل هذه البنوك على عدم جواز عزل المحافظ إلا في حالات نادرة وبقرار من رئيس الدولة أو البرلمان وبعد استجوابه.

ومن بين الحالات التي تستوجب عزل المحافظ مثلا تسبب إدارة المحافظ للبنك المركزي في حدوث كوارث مالية ونقدية تهدد الاقتصاد الوطني مثل انهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار، أو حصول المحافظ على رشى وعمولات من البنوك والمتعاملين معها، أو من المستفيدين من قراراته، كما حدث في إندونيسيا مؤخراً.

وحتى في حال حدوث خلافات شديدة بين محافظ البنك المركزي والحكومة تعرقل عمل الأخيرة وأداء مهمتها، أو خلافات بين المحافظ ووزير المالية حول إدارة السياسات المالية والنقدية والاقتصادية والدين العام والتضخم، وهذه الخلافات تتطلب إزاحة أحد الأطراف من الساحة، فإنه في هذه الحالة يتم التضحية بالحكومة أو بوزير المالية والإبقاء على المحافظ، بسبب الآثار الخطيرة التي قد تنجم عن عزله دوليا ومحليا.

وفي الدول المتقدمة مثلاً، يظل منصب محافظ البنك المركزي محصناً من العزل والإقالة، خاصة مع حساسية الملفات التي يتولى إدارتها مثل إدارة السياسة النقدية وسوق الصرف والدين العام للدولة واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وطباعة البنكنوت، والإشراف على القطاع المصرفي، وحماية أموال المدخرين والمودعين، ومنع تآكل الودائع المحلية، عبر تطبيق سياسة استهداف التضخم، وزيادة جاذبية العملة المحلية للاستثمار سواء المحلي أو الأجنبي، ومساعدة أجهزة الدولة في زيادة موارد النقد الأجنبي.


أما في دول المنطقة فمحافظ البنك المركزي ليس محصناً من العزل والإقالة، وربما تشويه صورته والضغط عليه لتقديم استقالته إما من الحكومة أو لوبي رجال الأعمال الموالي للنظام الحاكم، وفي حال لم يتم عزل المحافظ من قبل رئيس الدولة أو تتم إقالته مباشرة بقرار رسمي هنا قد يتم الضغط عليه لتقديم استقالته، في مصر حدث ذلك مع د. محمود أبو العيون في عهد مبارك، وهشام رامز في عهد السيسي.

وفي ليبيا تم عزل محافظ البنك المركزي، الصديق عمر الكبير، في عام 2014، عقب رفضه أن يكون جزءاً من الخلاف السياسي الطاحن في البلاد، أو أن يخضع لحكومة طبرق.

وعندما حدث خلاف بين الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ومحافظ مصرف تونس المركزي، مصطفى النابلي، في شهر يوليو/ تموز من عام 2012، تمت إقالة المحافظ من منصبه بحجة أنه محسوب على الثورة المضادة وأنه ليس من أنصار ثورة الياسمين.

وأخيرا تمت إقالة محافظ مؤسسة النقد العربي (البنك المركزي السعودي) يوم السبت من دون توضيح أسباب.

أما بالنسبة للسؤال الثاني والمتعلق بأبرز الملفات والتحديات التي تواجه المحافظ الجديد للبنك المركزي السعودي فإن من أبرزها دعم استقرار سوق الصرف الأجنبي، وعدم حدوث اضطرابات لسعر الريال السعودي مقابل الدولار، خاصة مع الضغوط الشديدة التي تتعرض لها العملة السعودية بسبب انهيار أسعار النفط وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي والعجز الضخم في الموازنة العامة وارتفاع التضخم الذي يضغط على الأسواق.

ومن بين الملفات كذلك للمحافظ السعودي الجديد العمل على تحسين عوائد السعودية من الاحتياطيات الضخمة التي تمتلكها في الخارج وتبلغ قيمتها نحو 600 مليار دولار وتعادل احتياطيات الدول العربية مجتمعة بل وتزيد، على أن يراعي البنك المركزي الضوابط الأساسية في هذه النوعية من الاستثمارات مثل الأمان والضمان وإمكانية تسييلها بسهولة والعائد المناسب.

ومن بين الملفات التي يجب أن يعمل عليها المحافظ الجديد للبنك المركزي السعودي العمل على وقف استنزاف النقد الأجنبي النازح من داخل السعودية، خاصة التحويلات الضخمة من قبل العمال الأجانب والبالغة نحو 156.9 مليار ريال؛ أي ما يعادل 41.8 مليار دولار عن العام الماضي 2015، وهذا الملف يجب إنجازه بالتعاون مع وزارات وجهات حكومية عدة منها النفط والثروة المعدنية والتجارة والصناعة والعمل والزراعة.

وهناك رهان كبير على البنك المركزي السعودي في إدارة الصندوق السيادي الكبير الذي تعتزم المملكة تأسيسه بحجم يبلغ 2 تريليون دولار، وإن كانت مصادر من داخل المملكة تتوقع تأسيس إدارة مستقلة لهذا الصندوق الذي يتولى إدارة استثمارات السعودية الضخمة في الخارج.

المساهمون