المساعدات الإماراتية لمصر..ملاحظات حول التوقيت والأهداف

24 ابريل 2016
مساعدات الإمارات النقدية تغطي حاجات مصر لأسبوعين
+ الخط -



خلال زيارته الأخيرة للعاصمة المصرية القاهرة، أعلن ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، عن تقديم بلاده مساعدات جديدة لمصر قيمتها 4 مليارات دولار، منها مليارا دولار تضاف غلى احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، ومليارا دولار عبارة عن استثمارات سيتم ضخها في وقت لاحق داخل مشروعات مصرية يتم الاتفاق عليها بين الحكومتين.

ومع أهمية التحرك الإماراتي لدعم مصر، فإن الكثير يتساءل عن أهمية التحرك للاقتصاد المصري، ومغزى توقيته، وانعكاساته على سعر الدولار مقابل الجنيه، ومدى قدرته على أن يكون قبلة الحياة للاقتصاد المصري في هذا التوقيت الحساس. وللإجابة عن هذه الأسئلة أقدم هذه الملاحظات حول المساعدات الإماراتية الأخيرة.

1- المساعدات التي تم الإعلان عنها تأتي في إطار دعم الإمارات القوي لنظام ما بعد 3 يوليو في مصر، مع الإشارة هنا إلى أن الإمارات تعد الدولة الخليجية الثانية بعد السعودية في حجم تقديم مساعدات نقدية لمصر، حيث بلغت مساعداتها 18 مليار دولار في أقل من 3 سنوات، إضافة لمساعدات عينية ونفطية ضخمة ساهمت في استقرار سوق الوقود في مصر، وتوافر المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت، وغيرها.

2- مع الإعلان المفاجئ عن تقديم المساعدات الإماراتية الأخيرة لمصر، يتساءل البعض عن مغزى الإعلان في هذا التوقيت، وسبب تحرك الإمارات المفاجئ في هذا التوقيت الحساس بالنسبة إلى النظام المصري، سواء على المستوى السياسي والأمني أو الاقتصادي.

3- حسب الأعراف الدولية فإن ما منحته الإمارات لمصر بداية هذا الأسبوع يسمى بالقرض المساند أو الوديعة المساندة، وهي تلك الأموال، التي تساند احتياطي أية دولة في وقت حرج، كما هو الحال في مصر حالياً، وبالتالي فإن الملياري دولار اللذين قررت الإمارات إضافتهما إلى احتياطي البنك المركزي المصري هما عبارة عن قروض ممنوحة بسعر فائدة قد يفوق السعر، الذي تحصل عليه الدولة الخليجية عن احتياطياتها من النقد الأجنبي المودعة في البنوك الأميركية، ومن هنا فالأموال النقدية الممنوحة ليست منحة مجانية أو مساعدات لا تُردُّ كما يردد البعض، بل هي ديون مستحقة السداد حسب فترة القرض، التي يتم الاتفاق عليها بين البلدين.


4- الوديعة الإماراتية النقدية الجديدة، والتي تبلغ قيمتها ملياري دولار، جاءت في الوقت المناسب، فهي من الناحية الاقتصادية بالغة الأهمية، إذ إنها تدعم سوق الصرف المحلية، وتوقف الانهيار المتواصل في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وتأتي أيضا في وقت تواجه فيه البلاد ندرة في النقد الأجنبي، كما اعترف بذلك وزير المالية المصري، عمرو الجارحي، قبل أيام في أثناء مشاركته في اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن، وبالتالي فإن الوديعة قد تهدأ بعض الوقت من لهيب الأسعار سواء كانت سعر الدولار أو أسعار السلع.

5- كما أن الوديعة الإماراتية ستعطي البنك المركزي المصري فرصة لوقف نزيف التراجع المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار، والأهم من ذلك دعم قدرته على سداد الدين المستحق على البلاد بداية شهر يوليو/تموز القادم والبالغ قيمته 1.7 مليار دولار.

6- جاءت الوديعة الإماراتية في الوقت المناسب أيضا، من الناحية السياسية، فهي تسبق مباشرة مظاهرات الغد، الإثنين 25 أبريل/نيسان، وتخفف الضغوط التي تتعرض لها البلاد من دول عدة، منها إيطاليا والاتحاد الأوروبي على خلفية أزمة الباحث الإيطالي، ريجيني، وتدهور ملف حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد، وكما قلت فإن الوديعة تساعد مصر في الوفاء بالتزاماتها الخارجية من سداد ديونها في الوقت المناسب، وبالتالي تقضي على أية ضغوط تتعلق بخفض التصنيف الائتماني للبلاد.

7- بشكل عام فإن المساعدات الإماراتية المقدمة لمصر، في هذا التوقيت، ليست جديدة كما يظن البعض، فقد سبق أن كشف عنها الشيخ، محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في شهر مارس/آذار 2015 خلال كلمته، التي ألقاها في مؤتمر شرم الشيخ، وأعلن فيها عن تقديم بلاده مساعدات لمصر بقيمة 14 مليار دولار منذ يوليو/تموز 2013 وحتى موعد انعقاد المؤتمر، وربما تكون الإمارات تنتظر اللحظة المناسبة لضخ هذه الأموال في شرايين الاقتصاد المصري.

8- إن من يتصور أن المساعدات الإماراتية هي قبلة الحياة للاقتصاد المصري هو شخص واهم، فحاجة مصر من النقد الأجنبي تبلغ ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار شهرياً لتمويل فاتورة الواردات وسداد أعباء الديون. والمساعدات النقدية الإماراتية الأخيرة قد لا تغطي أسبوعين من هذه الاحتياجات. صحيح أن قطاعات مدرة للنقد الأجنبي مثل السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين وقناة السويس لا تزال تعمل، لكن بطاقة أقل، وإيرادات أقل لن تغطي احتياجات البلاد الدولارية، وبالتالي فان الحل هو أن تعمل البلاد بكل طاقتها الإنتاجية.

9- المساعدات الإماراتية النقدية المباشرة لمصر تجاوزت قيمتها 18 مليار دولار منذ 3 يوليو/تموز 2013 وحتى الآن، حسب تصريحات مسؤولين إماراتييين، منهم حاكم دبي محمد بن راشد، ووزيرة التنمية والتعاون الدولي، لبنى القاسمي، إضافة إلى مساعدات نفطية وعينية، والسؤال كيف تم إنفاق كل هذه المليارات من الدولارات داخل مصر؟ وما هي القطاعات المستفيدة منها؟ وما هي انعكاساتها على المواطن؟ وهل المساعدات النفطية مجانية أم ستتم إعادة سدادها، كما هو الحال في القروض المساندة، علماً بأن الإمارات تعهدت لشعب مصر في 6 يوليو/تموز 2013 وعقب الإطاحة بالدكتور، محمد مرسي، بإرسال أساطيل تحمل سولاراً وبنزيناً ونفطاً، أولها في دبي وآخرها في قناة السويس؟

10- المساعدات الخليجية الأخيرة المقدمة من دول الخليج، سواء من السعودية أو الإمارات، ليست من بينها منح نقدية مجانية، بل معظمها عبارة عن قروض ستقوم مصر بإعادة سدادها في فترة لا تتجاوز 5 سنوات، إضافة إلى استثمارات قد تأتي، وقد لا تأتي حسب فرص الاستثمار المتاحة والايرادات المتوقعة والأرباح وغيرها، وهذا ينطبق على الملياري دولار، اللذين خصصتهما الإمارات لضخهما في مشروعات مصرية.

11- السؤال المطروح هنا هو: هل مصر العظيمة ذات حضارة السبعة آلاف سنة ستظل تعتمد على المساعدات والمنح، التي تجود بها دول الخليج من حين لآخر، وحسب مصالحها؟ وهل هذا هو حال بلد كان اقتصاده أقوى ثالث اقتصاد في المنطقة؟