مستقبل السوق السوداء في مصر

16 نوفمبر 2016
معظم البنوك تشتري الدولار ولا تبيعه(العربي الجديد)
+ الخط -

حسب تقارير دولية، فإن مصر ستقترض، خلال الربع الأخير من العام الجاري، أي خلال ثلاثة أشهر هي الفترة من (أكتوبر-ديسمبر 2016)، ما بين 9.995 و10.5 مليارات دولار، وإنها قد تقترض ما يعادل هذا الرقم وربما أكثر خلال العام القادم 2017.

الحكومة اقترضت بالفعل هذه الأيام 2.75 مليار دولار تمثل الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، واقترضت ما يعادل هذا الرقم (2.76 مليار دولار) من الصين، و4 مليارات دولار من بورصة إيرلندا عبر طرح سندات دولية قبل أيام.

وهناك قروض مرتقبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 800 مليون دولار، وقروض أخرى حصلت عليها الحكومة من دول مجموعة السبع ولم يتم الإعلان عن قيمتها أو أية بيانات متعلقة بها.

وقبل هذه القروض حصلت مصر خلال شهر سبتمبر الماضي على ملياري دولار من السعودية ومليار دولار من الإمارات.

السؤال هنا: هل مثل هذه القروض الضخمة ومعها قرار تعويم الجنيه المصري يمكن أن يقضيا على السوق السوداء للعملة في مصر؟

حسب المعلومات المتاحة، فإن هذه السوق لا تزال موجودة على أرض الواقع. صحيح أن الإقبال عليها تراجع بشدة منذ تعويم الجنيه، وصحيح أيضا أن البنوك سحبت البساط، ولو مؤقتاً، من تحت أقدام هذه السوق غير المشروعة، عبر شراء الدولار من المدخرين بسعر يقترب من سعر السوق الموازية.

وصحيح ثالثاً أن البنوك اشترت 1.4 مليار دولار من المضاربين والمكتنزين حتى نهاية الأسبوع الماضي، وقيل إن الرقم زاد إلى 2.6 مليار دولار حتى اليوم الأربعاء، لكن هل كل ذلك من العوامل والأدوات يكفي للقضاء على السوق السوداء؟

في تقديري: لا، فالسوق السوداء مستمرة بعض الوقت، وما حدث من تعويم وشراء للدولار من قبل البنوك غير كاف للقضاء على هذه السوق وبترها للأبد، حتى لو وصل رقم شراء الدولار خلال شهر إلى 3 مليارات دولار كما قال طارق عامر محافظ البنك المركزي، وذلك لعدة أسباب أبرزها ضخامة حجم السوق السوداء والتي تصل إلى أكثر من 50 مليار دولار، حسب تقديرات البعض. علماً أن هشام رامز، محافظ البنك المركزي السابق، قدّر حجم هذه السوق بنحو 35 مليار دولار قبل عام.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار حجم المضاربات العنيفة التي شهدها سوق الصرف منذ خفض الجنيه بنسبة 14.5% في شهر مارس الماضي وحتى قرار التعويم بداية الشهر الجاري، يمكن أن يكون حجم السوق السوداء قد تضاعف، أي أننا نتحدث عن 70 مليار دولار متداولة خارج القنوات الرسمية وهي البنوك والصرافات.

والقضاء على هذه السوق يعنى إقناع الغالبية العظمى من المضاربين، وممن يحوزون الدولار سواء داخل القطاع المصرفي أو خارجه بأن الدولار لن يرتفع مرة أخرى حتى ندفعهم إلى التنازل عما في حوزتهم من كميات ضخمة من الدولار، وبالتالي إعادة هذه المليارات لقنواتها الطبيعية داخل البنوك.

القضاء على السوق السوداء يتطلب أيضاً استقرار سعر العملة، وتلبية البنوك احتياجات السوق من النقد الأجنبي، وتغطية طلبات معلقة يقدرها مصرفيون بما يتراوح بين 6 و8 مليارات دولار، في حين تقدرها مؤسسات دولية بـ 13 مليار دولار.

وهنا يجب الإشارة إلى أن معظم البنوك تشتري الدولار ولا تبيعه لإعادة بناء أرصدتها من النقد الأجنبي، وما قيل اليوم من أن البنوك باعت 2.2 مليار دولار هو أمر قاصر على هيئات حكومية وشركات عامة مثل هيئة السلع التموينية وهيئة البترول، وهي الهيئات التي تستورد سلعا رئيسية مثل السكر والأرز والوقود والأدوية وألبان الأطفال وغيرها.

كما أن إعادة الثقة في العملة المحلية تتوقف أيضا على مدى عودة المستثمرين واستعادة ثقتهم وعودة السياح الأجانب، كما يتطلب أيضا تغطية المراكز المكشوفة لدى القطاع المصرفي البالغ قيمتها 2.5 مليار دولار.

بالطبع قد يتحسن وضع الجنيه مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة مع وصول البلاد سيولة دولارية جديدة، سواء عبر القروض، أو شراء الأجانب أذون خزانة حكومية، أو ضخ مستثمرين دوليين استثمارات في البورصة، وقد يستقر سعر الدولار في السوق السوداء والبنوك معاً، لكن القضاء على السوق السوداء لن يحدث في المستقبل المنظور.


المساهمون