قناة السويس الجديدة

13 اغسطس 2015
5 مليارات دولار إيرادات قناة السويس سنوياً حالياً (أرشيف/Getty)
+ الخط -
بسلسلة من الاحتفالات الرسمية والإعلامية، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشروع قناة السويس الجديدة. وبالنسبة للإعلام المصري، المشروع فاتحة عهد جديد في مصر لإعادة بناء الثقة فيها، وجمع الناس خلف القيادة، والتبشير بعهد جديد من المشروعات الكبرى التي تشكل قناة السويس الجديدة باكورتها.

لا شك أنّ الإعلام نجح، إلى حدٍ كبير، في استقطاب اهتمام الشعب المصري، داخل مصر وخارجها، وفي إضفاء مشاعر الفخر والكبرياء لديهم. وقد تلقيت العتب من إخوة مصريين كثيرين في عمّان، أنكروا عليّ عدم تهنئتي لهم بالإنجاز الكبير.

وقد عدت إلى الأدبيات الكثيرة التي نشرت عن المشروع، فوجدت أن بعض التقارير، وأهمها تقرير وكالة بلومبيرغ، يشكك في صحة الأرقام التي تناولها رئيس هيئة قناة السويس، حول مضاعفة الدخل المتولّد من القناة، عبر مشروع التوسعة خلال عشر سنوات.

ويبلغ مجموع الدخل الحالي من القناة، حوالي 5 مليارات دولار في العام، من المتوقع أن يصل إلى حوالي 12 مليار دولار خلال عشر سنوات، وهذا يعني أن كلفة مشروع التوسعة التي بلغت حوالي 8 مليارات دولار، يمكن استردادها خلال 5 سنوات، بافتراض أن المضاعفة في الدخل سوف تحصل بالتساوي في السنوات العشر المقبلة.

ويرى خبراء كثيرون هذه الأرقام محط تفاؤل، وخصوصاً أن عمل الموانئ البحرية والشحن البحري معرّض للتراجع، وليس إلى التوسع، كما أكدت تصريحات لمدير ميناء سنغافورة بهذا الشأن.

ولنا الحق، نحن الباحثين، أن نشكك في صحة كل الأرقام، سواء الصادر منها عن خبراء مصريين أو خبراء في نيويورك وسنغافورة. ولكن، أناقش هنا أن المشروع يستحق التأمل فيه بنظرة أكثر عمقاً.

مضى على افتتاح قناة السويس الأولى، أيام الخديوي إسماعيل، أكثر من حوالي 146 سنة ميلادية، ويبلغ طولها حوالي 164 كيلومتراً رابطة بين البحرين، الأبيض والأحمر.

وهكذا مكّنت قناة السويس التجارة العالمية البحرية من التدفق من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، ومن البحر الأحمر عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، ومنه عبر مضيق جبل طارق إلى المحيط الأطلسي. وهكذا عززت القناة الطريق البحري المهم، الواصل بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.

وقد بقيت القناة حتى عام 2015 على حالها، من حيث الاتساع والطول. ولم تتوقف عن العمل إلا مرتين، نتيجة حروب في المنطقة. بعد تأميم القناة عام 1956، حين وقعت حرب السويس الثلاثية على مصر، فأغلقت القناة مدة محدودة، قبل أن تنظّف ويُعاد تشغيلها على أيدي المرشدين المصريين، وبعد حرب 1967، حيث وقفت القوات الإسرائيلية على مشارف القناة.

ولم تقبل مصر بالسماح للسفن الإسرائيلية أو العابرة لإسرائيل بالمرور فيها، بينما أصرت إسرائيل على ذلك، وبعد حرب 1973، وانكفاء القوات الإسرائيلية، أعيد فتح القناة أمام الملاحة الدولية.

فتح تأميم القناة الباب أمام التساؤل الكبير. هل يجوز لمصر التي تملك القناة أن تسمح لسفن أو تمنع غيرها من استخدام القناة، وخصوصاً السفن الإسرائيلية؟ هل هنالك حق مرور محدد بقانون دولي، بغض النظر عن رأي صاحب القناة في ذلك؟

انتهى هذا السؤال بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، الذي بموجبه بقيت سيناء منزوعة السلاح، وسمح للنفط المصري في سيناء بالشحن لإسرائيل، تعويضاً عن الذي فقدته من إيران بعد قيام الثورة الإسلامية فيها.

اقرأ أيضا: حكومة مصر تتراجع عن توقعاتها بشأن إيرادات قناة السويس

لذلك، تاريخ القناة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ مصر، وبالدروس المستقاة منه، فالقناة كانت شركة إنجليزية فرنسية، نتيجة صراعات بين القوتين العظميين، علماً أن الذي أشرف على بناء القناة، مواطن فرنسي (فيرديناند دي ليسيبس). لكن احتلال بريطانيا مصر عام 1882 فرض واقعاً جديداً على ملكية القناة وإدارتها.

وفي الوقت نفسه، لم ينل المصريون الذين حفروا القناة بعرقهم ودمائهم وتكبّدوا آلاف الضحايا منها شيئاً يذكر إلا بعض الرسوم، علماً أن القناة حمّلت مصر ديوناً ثقيلة. ولذلك، كان تأميم القناة وما نجم عنه من حرب جمّعت العرب حول مصر عام 1956، وأدخلت المنطقة كلها في عصر جديد من الهيمنة الأميركية والتجاذب الأميركي الروسي في الحرب الباردة في المنطقة.

وفي ضوء هذه الحقائق، تقرر أن تقصر أسهم شركة قناة السويس الجديدة على المصريين. وكان الطاقم الفني والمهني الذي أنجز القناة الجديدة مصرياً. وهذا بحد ذاته إنجاز يذكر.

كذلك، تعلّم المصريون أن استعادة هيبة مصر ونفوذها في المنطقة، تتطلّب شواهد على قدرتها على الإنجاز اللامع، وهو ما استخدم حفر القناة الموازية (35 كيلومتراً) وتعميق القناة القديمة على مسافة (37 كيلومتراً)، ليكون شاهداً على ذلك.

الواضح أن على مصر أن تعزز علاقاتها مع دول أفريقية، خصوصاً التي ينبع نهر النيل منها، ولا سيما إثيوبيا (النيل الأزرق) ودول أخرى مثل كينيا، وتنزانيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا (دول منبع النيل الأبيض). وتذكّرنا زيارة الرئيس باراك أوباما لأفريقيا، قبل ثلاثة أسابيع، بالمستقبل الاقتصادي الذي ينتظر هذه الدول.

وإذا ما انتعشت هذه الدول، وزاد التدفق التجاري والخدماتي بينها وبين دول أوروبا وشمال أميركا، فإن قناة السويس كواصلة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط من ناحية، وشرق ووسط أفريقيا على البحر الأحمر، سوف تشهد مزيداً من الحركة.

الأمر الثاني، أنّ أنابيب النفط والغاز باتت موضع دراسة لاستبدال نقل هاتين المادتين الحيويتين بالأنابيب بدل البواخر، إذا زادت طاقة قناة السويس الاستيعابية بالبارجات الكبيرة حاملة النفط والغاز، فإن معدل كلفة النقل سوف يتراجع، ما يعطي القناة أهمية أكبر.

وأخيراً، مشروع الصين لإعادة إحياء طرق الحرير البرية والبحرية مع الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، سيجعل قناة السويس جزءاً من هذا المشروع الحيوي الكبير، الذي تهتم به الصين، والتي ستصبح قريباً أكبر اقتصاد في العالم.

لذلك، للمشروع مبرراته في هذا الوقت. وهو لا شك إنجاز يستفيد من الإرث التاريخي والعاطفي والوطني لدى الشعب المصري. وقد وجدت إدارة الرئيس السيسي فيه فرصة لكي تظهر فاعليتها ومقبوليتها لدى الشعب العربي المصري.

وللمشروع آثار بيئية، قد تكون سلبية، مثل أي سد أو أي مشروع نفط صخري. وكذلك قد لا تكون الأرقام المتفائلة صحيحة، لكن المشروع يبقى مهماً لمصر، والتي يجب أن تعيد تأكيد دور القناة في الشحن البحري الدولي، وتستعد للمتغيّرات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية، التي قد تصب في صالح مشروع القناة، وتعزز فيه دور مصر على الساحتين الإقليمية والعالمية.

اقرأ أيضا: خبراء يحذرون مصر من إلغاء عوائد شهادات قناة السويس
المساهمون