سيناريوهات الأزمة اليونانية ما بعد الاستفتاء

04 يوليو 2015
مظاهرة لأصحاب المعاشات في أثينا (أرشيف/Getty)
+ الخط -

إلى أين تتجه اليونان بعد الاستفتاء، الذي سيجرى غدا الأحد على قبول أو رفض برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اقترحه الدائنون. وما هي احتمالات خروج اليونان من اليورو في حال صوت اليونانيون بـ "لا" على هذا البرنامج، وهل وضعت حسابات الكلفة السياسية لخروج اليونان؟ مجموعة من الأسئلة تحاول "العربي الجديد"، الإجابة عنها في هذا الملف.

كيف بدأت الأزمة؟

تأثرت اليونان بما يعرف الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة، وتجلت تداعياتها في اليونان مع أواخر العام 2009، بعد انتشار المخاوف بين المستثمرين حول عدم قدرة هذا البلد على الوفاء بديونه، نتيجة الزيادة الحادة لحجم الدين العام.

وقد أدى ذلك إلى أزمة ثقة في الأسواق المالية ترجمت عملياً بارتفاع الفائدة على السندات اليونانية، وارتفاع التأمين على السندات اليونانية ضد التخلف عن السداد. ومع تزايد حجم الديون العمومية وارتفاع عجز الموازنة واجه الاقتصاد اليوناني ضعفاً في النمو، وهو ما عقّد الوضع الاقتصادي اليوناني، وجعل هنالك صعوبة في الحصول على تمويلات جديدة من الأسواق المالية عبر إصدار سندات.

أمام هذه الظروف المالية اضطرت الحكومة اليونانية لتقديم طلب إنقاذ، وتم إنقاذها مالياً ست مرات. آخرها برنامج الإنقاذ الضخم الذي صمم في العام 2012 وبلغت قيمته 240 مليار يورو "حوالي 300 مليار دولار وقتها"، قدمتها دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، وهي حزمة إنقاذ مشروطة ببرنامج إصلاح اقتصادي يتضمن خفضاً في النفقات الحكومية وبيع بعض المؤسسات العامة.

ولكن لماذا رفضت اليونان هذا البرنامج؟

في الواقع فإن البرنامج كان يعمل طوال السنوات الثلاث الماضية، وحقق بعض النجاحات ولكن خطة التقشف أثرت سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين مما أدى إلى رفضه شعبياً. وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي انتخب الشعب اليوناني حزب سيريزا اليساري الراديكالي الذي تعهد بإلغاء برنامج التقشف، والتفاوض حول برنامج اقتصادي بديل. ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء الحالي، ألكسيس تسيبراس، بدأت المفاوضات مع الدائنين، المكونين من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، لوضع برنامج للإصلاح الاقتصادي كبديل لبرنامج التقشف.

ولكن لماذا دخلت المفاوضات في أزمة؟

تأزمت المفاوضات، لأن حزب سيريزا بقيادة تسيبراس يصر على برنامج للإصلاح الاقتصادي لا يتضمن خفضاً في النفقات الحكومية، وبيع المؤسسات العامة، ويرى أن التقشف لا يحقق مستقبل النمو الاقتصادي للبلاد، فيما يقول الدائنون إن هذا البرنامج نجح في دول أخرى تعرضت لظروف الإفلاس، فلماذا لا ينجح في اليونان؟ وبالتالي أصر وزراء منطقة اليورو على تطبيق جزء من خطة التقشف. أمام هذا الإصرار وجدت الحكومة اليونانية أمام معضلة حقيقية، وهي أنها من جهة بحاجة ماسة لأموال حزمة الإنقاذ التي توقفت، ومن جهة ثانية إذا قبلت بشروط الدائنين الخاصة ببعض بنود التقشف فستكون أخلت بوعودها الانتخابية.

لماذا طرحت الحكومة اليونانية الاستفتاء؟

طرحت حكومة تسيبراس الاستفتاء هروباً من تحمل تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يقترحه الدائنون، وتتعارض بعض فقراته مع البرنامج الانتخابي الذي أتي بحزب سيريزا اليساري المتطرف للحكم. وتخشى حكومة تسيبراس إذا قبلت البرنامج أن يستخدمه خصومها السياسيون ضدها. كما أن البعض يقول إن أعضاء حزب سيريزا الحاكم، معظمهم يحملون أفكاراً شيوعية متطرفة "لينينية وماوية"، وبالتالي فهم بالأساس ضد النظم الرأسمالية التي تحكم منطقة اليورو.

ما هي سيناريوهات الاستفتاء؟

الاستفتاء هو على قبول برنامج الإصلاح الاقتصادي المطروح من قبل منطقة اليورو أو رفضه. وحتى الآن تشير توجهات الناخب اليوناني، إلى أنه سيصوت لصالح البرنامج المقترح من قبل منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي.

اقرأ أيضاً: اليونان تستغل ثغرات نسيها صندوق النقد

التوقعات في اليونان تشير إلى التصويت بـ "نعم"، رغم الحرص الشديد من جانب الحكومة اليسارية الراديكالية التي يقودها رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس، على إقناع اليونانيين بالتصويت بـ "لا".

ورغم أن الشعب اليوناني قد عانى كثيراً من ويلات برنامج التقشف، الذي رفع نسبة البطالة بين الشباب إلى 60%، وزاد أعداد الفقراء وخفض معدلات الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم وعدد من البنود الرئيسية لدولة الرفاه الاقتصادي، إلا أن هنالك العديد من الاقتصاديين المرموقين يعارضون تطبيقه.

وحسب تقديرات الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل الأخيرة، جوزيف ستغليتس، فإنه منذ تطبيق برنامج التقشف على اليونان، فإن ديون البلد قفزت من 300 مليار دولار في العام 2012 إلى 370 مليار دولار بنهاية شهر يونيو/حزيران الماضي. وهو ما يعادل نسبة 175% من إجمالي الناتج المحلي. لكن لا يعني ذلك أن اليونان وصلت إلى طريق مسدود، كما يصور رئيس الوزراء اليوناني الأمور للشعب.

يرى تسيبراس أن المخرج الوحيد لليونان هو أن يرفض اليونانيون شروط الدائنين، وتبحث حكومته عن خيارات خارج منطقة اليورو لإنقاذ اليونان من أزمتها المالية.

ومما يدعم التصويت بـ "نعم"، في استفتاء الأحد أن الشعب اليوناني يدرك تماماً أن التصويت بـ "لا" يعني قفزة نحو المجهول، وربما يدفع مقابلها ثمناً غالياً. فالأوروبيون سيتعاملون بلؤم شديد مع اليونان إذا اختارت الخروج من اليورو. وهنالك حسابات كثيرة ستجعل اليوناني يفكر ألف مرة قبل التصويت بـ "لا".

ما الذي سيحدث في حال التصويت بـ "نعم"؟

يقول خبراء إن التصويت بـ "نعم"، يعني بشكل مباشر سحب الثقة من الحكومة اليونانية، أي أن الشعب اليوناني يرغب في البقاء في منطقة اليورو، وإن الحكومة هي التي تضع العراقيل.

وفي هذه الحال سيكون أمام الحكومة اليونانية الحالية، خياران، أحدهما أن تواصل وتقبل بكامل الضغوط الأوروبية، لأنها تتفاوض من موقع المهزوم. والخيار الثاني أن تقدم حكومة رئيس الوزراء تسيبراس استقالتها لتسمح لحكومة جديدة بمواصلة المفاوضات مع منطقة اليورو وصندوق النقد.

وربما يقدم الدائنون في هذه الحال حزمة إنقاذ جديدة وبرنامج أكثر تساهلاً. ويقول اقتصاديون إن تصويت الشعب اليوناني بـ "نعم" سيضع رؤساء منطقة اليورو في وضع مريح لتقديم تنازلات ترضي الشعب اليوناني.

ولكن ماذا لو صوت اليونانيون بـ "لا"؟
في حال حدوث مثل هذا الاحتمال، فإن اليونان ستعلن كدولة مفلسة من قبل وكالات التصنيف الدولية، لأن البنك المركزي الأوروبي سيوقف كل المساعدات الطارئة التي كانت تمنح للمصارف التجارية، والمحدد سقفها بحوالى 89 مليار دولار.

وستضطر الحكومة اليونانية إلى تمديد القيود الرأس مالية الحالية وبحث إجراءات عملة بديلة، ربما العودة لعملة الدراخما. وهذا يعني تجميد الحسابات المصرفية والتحويلات المالية والسماح بصرف مبالغ محددة، وربما اللجوء إلى صرف "كبونات ورقية" لشراء الضروريات إلى حين ترتيب النظام النقدي الجديد.

تشير إحدى سيناريوهات خروج اليونان من منطقة اليورو، إلى أن المصارف ستكون أولى الضحايا، حيث سيوقف المصرف المركزي الأوروبي برنامج "التسهيلات المالية الطارئة". وهذا البرنامج هو الوحيد الذي يحفظ المصارف اليونانية من الإفلاس.
 
وخلال شهر يونيو/حزيران الماضي، قدر مصرفيون حجم الأموال التي تهرب يومياً من مصارف اليونان إلى الخارج بحوالى مليار دولار.

ويرى العديد من خبراء المال والاقتصاد، أن اليونان ستشهد حالة من الفوضى والمعاناة المالية الشديدة، ربما تضعها في مصاف دول العالم الثالث خلال الشهور الست الأولى، في حال التصويت بـ "لا". وستأخذ مسألة ترتيب البيت المالي الجديد لليونان فترة زمنية طويلة تتراوح بين 3 إلى 9 شهور.

والسؤال المطروح هو عما إذا كانت منطقة اليورو ستساعد اليونان على ترتيب الطلاق في حال قرارها مغادرة اليورو أم لا، وكيف ستحصل على أموال جديدة؟

يرى صندوق النقد الدولي، أن اليونان بحاجة إلى مساعدات مالية تقدر بحوالي 60 مليار دولار خلال الثلاث سنوات المقبلة. ويقدر إجمالي حجم الديون اليونانية بحوالي 370 مليار دولار، وإذا أضيفت إليها مديونية المصارف فربما تبلغ قرابة نصف ترليون دولار.

وتعود 75% من هذه الديون إلى دول منطقة اليورو، و39 مليار دولار منها لصندوق النقد الدولي، وتقدر ديون اليونان لألمانيا وحدها بحوالي 60 مليار دولار. وهذا يعني أن اليونان ستدخل نفقاً مظلماً من الصعب الخروج منه، فضلا عن امتداد شظايا أزمتها إلى دول الجوار الأوروبي.


اقرأ أيضاً:
طوابير المتقاعدين تصطف أمام المصارف في اليونان
اليونان تقدم تنازلات ومرونة بالموقف الأوروبي
استفتاء الأحد يحسم مصير الحكومة اليونانية

المساهمون