العراق يخفّض رواتب المتقاعدين ويوسع دائرة التقشف

08 ديسمبر 2015
التقشف يطاول كبار السن (فرانس برس)
+ الخط -


فوجئ المتقاعدون في العراق باستقطاع مبالغ متفاوتة من رواتبهم خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، دون توضيح من الجهات الحكومية حول أسباب وحجم الاستقطاعات، وقالت مصادر حكومية لـ "العربي الجديد"، إن الاستقطاعات كانت ضمن خطة تقشفية لمواجهة الأزمة المالية الحادة التي تواجه الحكومة.

وحسب الإحصائيات الرسمية، يزيد عدد المتقاعدين في العراق عن مليوني شخص أغلبهم كبار سن ومرضى لا يملكون مصادر دخل أخرى، حيث يعيشون على رواتبهم التقاعدية التي يتسلمونها كل شهرين.

وأعلنت اللجنة المالية في البرلمان العراقي أول أمس، عزمها عقد اجتماع مع مدير التقاعد العام في البلاد لمعرفة سبب الاستقطاعات من رواتب المتقاعدين. وقال عضو اللجنة مسعود حيدر، لـ"العربي الجديد"، إن "شكاوى عديدة وصلت اللجنة المالية في البرلمان من المتقاعدين حول استقطاع مبالغ من رواتبهم، ونقوم بدراستها الآن مع الجهات المختصة".

وفي هذا السياق، أكد المتقاعد الحاج تحسين (67 عاماً) أنه فوجئ باستقطاع 80 ألف دينار (الدولار = 1165 دينارا) من راتبه البالغ 800 ألف دينار عراقي لشهرين ما يعني استقطاع 40 ألف دينار من راتب 400 ألف لكل شهر.

وأوضح تحسين لـ "العربي الجديد"، أن الاستقطاعات شملت العشرات من المتقاعدين الذين يعرفهم، وأضاف أن الجهات الحكومية لم تحدد ضوابط الاستقطاعات وأسبابها.

والحال نفسه حصل للمتقاعد مرضي العلي (63 عاماً) الذي قال "استقطعوا مبلغ 50 ألف دينار من راتبي البالغ 650 ألفاً كل شهرين، أي أنهم استقطعوا 25 ألف دينار من الراتب الشهري البالغ 325 ألف دينار وعندما استفسرنا لم تكن الإجابات واضحة فالبعض قال إنها دعم للحشد الشعبي وآخرون قالوا إنها جاءت ضمن خطة التقشف الحكومية".

واشتكى متقاعدون آخرون باستقطاع مبالغ كبيرة من رواتبهم وصلت إلى 170 ألف دينار عراقي.

وقال سامح المولى (67 عاماً) "لقد خدمت في الدولة وأفنيت شبابي لها لأتقاعد في النهاية بمبلغ زهيد جداً لا يكفي لسد حاجات أسرتي وأبنائي، ولا أتلقى في الشهر سوى مبلغ 200 ألف دينار (180 دولارا) لتأتي الحكومة وتشمل رواتبنا الهزيلة بالتقشف".

وأوضح المولى أنّ "الحكومة العراقية تزيد معاناة الطبقة الفقيرة في البلاد بهذه الإجراءات، فيما لا تجرؤ على استقطاع رواتب المتقاعدين من الرئاسات الثلاث والوزراء والدرجات الوظيفية الخاصة التي أرهقت ميزانية العراق".

وحسب التقارير الرسمية، يقدّر عجز الموازنة العراقية بنحو 21 مليار دولار، في موازنة حجمها حوالي 95 مليار دولار، وتعاني بغداد من انكماش الإيرادات، بسبب تفاقم الاضطرابات الأمنية وتدهور القطاعات الاقتصادية المختلفة، كما انخفضت عائدات النفط المصدر الرئيسي للدخل في البلاد، والذي تأثر سلباً بتراجع أسعار الخام عالميا من 115 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران العام الماضي إلى أقل من 45 دولاراً حالياً.

ودعا المتقاعدون لخروج مظاهرات حاشدة في عموم البلاد احتجاجاً على إجراءات التقشف الحكومية. وقال الناشط صبري السماوي "تلقينا دعوات عديدة من قبل المتقاعدين، وأغلبهم من كبار السن للوقوف معهم في محنتهم هذه لتنظيم مظاهرات حاشدة احتجاجاً على استقطاعات ستشمل رواتبهم ضمن خطة التقشف الحكومية".

وأوضح السماوي "لن نتوانى عن مساندة آبائنا وأمهاتنا من المتقاعدين والفقراء المطالبين بحقوقهم المشروعة، وستخرج المظاهرات في أنحاء البلاد إذا لم تصدر الحكومة قراراً بإيقاف إجراءات التقشف بحق المتقاعدين".

اقرأ أيضاً: العراق يقرّ نظاماً جديداً لرواتب موظفي الدولة

وكان سياسيون ومختصون طالبوا في عام 2012 مع إقرار الموازنة الأضخم في تاريخ العراق حينها بزيادة رواتب المتقاعدين كونها الرواتب الأضعف في البلاد، غير أنَّ الحكومة العراقية لم تتجاوب مع تلك المطالبات المستمرة، بل أقدمت على تخفيض رواتب المتقاعدين.
 
وأصدرت الجمعية العراقية للمتقاعدين بياناً بداية الأسبوع الجاري استنكرت فيه شمول رواتب المتقاعدين بإجراءات التقشف الحكومية، ووصفت الجمعية الخطة بـالإجراء التعسفي، مطالبةً الجهات المختصة بالتدخل لإيقاف الاستقطاعات المالية من رواتب المتقاعدين.

وقال البيان، إن "التقشف الحكومي أخذ يزحف ليشمل بشكل غير قانوني شمل الدرجات الوظيفية المختلفة للمتقاعدين".

وأوضح البيان أن "التقشف سيشمل خمس درجات وظيفية للمتقاعدين من أصل ست درجات (من الأولى إلى الخامسة) في ظل ظروف معيشية قاسية يمر بها العراقيون وأبرزها الارتفاع غير المسبوق في الأسعار".

وكشف البيان أن أغلبية المتقاعدين في العراق تجاوزوا سن السبعين عاماً ما يتطلب دعمهم حكومياً بدلاً من شمولهم بإجراءات التقشف، في ظل استمرار رواتبهم على حالها دون زيادة منذ سنوات طويلة، وتزايد متطلبات الحياة اليومية لهم ولعائلاتهم.

وتابع "قام مجلس الوزراء ووزارة المالية بالتجاوز على رواتب المتقاعدين الذين يعيش أغلبهم في فقرٍ شديد".

وفي المقابل التزمت الجهات الحكومية الصمت فيما يتصاعد غضب المتقاعدين. وأكدت مصادر حكومية عراقية، رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، بحث مع أعضاء قياديين بالبرلمان ورؤساء أحزاب حول توسيع دائرة التقشف، حيث جرى أيضاً اقتراح تخفيض مرتبات الدرجات الخاصة والموظفين الكبار وأعضاء البرلمان لامتصاص أي موجة غضب تجتاح الشارع.

واعتبر مختصون أن استقطاع مبالغ مالية من رواتب المتقاعدين ضمن خطة التقشف الحكومية إجراء غير قانوني في الأصل، كون المتقاعدين حالياً خارج الخدمة ولا يجوز استقطاع مبالغ مالية من رواتبهم.

وقال الحقوقي صباح العبيدي، إن "المتقاعدين خارج الخدمة ولهذا فإن إجراءات استقطاع مبالغ مالية من رواتبهم يعتبر إجراءً غير قانوني، ولا سيما في ظل ضعف رواتبهم في الأساس التي لا تكاد تسد حاجاتهم اليومية وعائلاتهم من المتطلبات المنزلية والحياتية المختلفة".

وأوضح العبيدي في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه "على الحكومة تطبيق إجراءات التقشف أولاً على المتقاعدين من الرئاسات الثلاث، بدءاً من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان العراقي والوزراء والنواب والدرجات الخاصة الأخرى في الدولة بدلاً من تطبيقها على الفقراء والكادحين من الشعب العراقي".
 
واعتبر خبراء الاقتصاد هذه الاستقطاعات في غير محلها تجاه المتقاعدين التي تعتبر من الشرائح الفقيرة في العراق ما سيؤثر سلباً على معيشتهم. وأكد الخبير الاقتصادي حازم الداوودي، لـ"العربي الجديد"، أن "الاستقطاعات سترفع نسبة الفقر في البلاد، وتخفض القدرة الشرائية وترفع من نسبة الركود في السوق المحلية فالمتقاعدين رواتبهم في الأساس ضعيفة ولا تكفيهم لمعيشتهم، وأغلبهم مرضى وكبار سن يصرفون معظم رواتبهم على العلاج".

فيما قال الباحث الاقتصادي ميسم عبد الحميد، لـ "العربي الجديد"، إن "الاستقطاعات ستؤثر على نحو 8 ملايين عراقي إذا عرفنا أن عدد المتقاعدين يزيد عن المليونين وكلهم أرباب أسر، وبالتالي ستؤثر الاستقطاعات على حوالي ربع الشعب العراقي".


اقرأ أيضاً:
الفساد المالي يعرّض العراق للإفلاس
تدهور الاقتصاد يعرقل مساعي عراقية للاقتراض الخارجي

المساهمون