الدولار يودع الصفر

18 ديسمبر 2015
القرار الأميركي يعطي الدولار قوة عالمياً (فرانس برس)
+ الخط -
أخيراً وبعد نحو 10 سنوات من التردد، فعلها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، وقرر في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، الأربعاء، رفع سعر الفائدة على الدولار ربع نقطة مئوية (%0.25) للمرة الأولى خلال عقد من الزمان، وبعدها مباشرة قررت العديد من البنوك المركزية العالمية بما فيها العربية والخليجية إجراء زيادات مماثلة في أسعار الفائدة على الودائع الدولارية لديها.

وعقب القرار الأميركي مباشرة، خرجت تحليلات تتحدث عن حقبة جديدة من الدولار القوي، قد تطول، في ظل عدم وجود عملة عالمية قوية تنافس العملة الأميركية، وعن عصر جديد للورقة الخضراء التي تعتبرها معظم المؤسسات النقدية في العالم حصنا من المخاطر، بجانب الذهب وسندات الدول الثمانية الصناعية الكبرى مضمونة العائد.

كما تحدثت مؤسسات مالية عن موجة هروب واسعة للاستثمارات والأموال من الأسواق الناشئة، وكذا نزوح كبير من الأسواق التي تشهد مخاطر جيوسياسية وأمنية واقتصادية، مثل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متجهة نحو الأسواق الأكثر أمنا، خاصة مع تخلي صانع القرار الأميركي عن سياسة الدولار المنعدم الفائدة أو الدولار "الزيرو"، التي تم اعتمادها عقب دخول الاقتصاد مرحلة ركود منذ 2006.

وزاد من هذه التوقعات تخمينات بإجراء البنك المركزي الأميركي زيادات أخرى في أسعار الفائدة على الدولار خلال العام 2016، خاصة مع تحسن مؤشرات الاقتصاد الأميركي ومعدلات البطالة والنمو به، وهو ما يعطي الدولار قوة عالمياً، لأن زيادة العائد عليه تعني أن هذا الاقتصاد ودع مرحلة الركود التي كانت السمة الرئيسية له، منذ الأزمة المالية العالمية، التي انطلقت في أغسطس من العام 2008، وأن برنامج التيسير النقدي الذي وفرته السلطات الأميركية لدعم القطاع المالي والمصرفي، الذي كان مهددا بالانهيار عقب الأزمة المالية، أوشك على الانتهاء.

اقرأ أيضاً: مبادرة جيدة

بالطبع رفع فائدة الدولار، وإن كانت محدودة، إلا أنه يعني الكثير لأسواق المال، ويعكس طبيعة الاستثمارات في المرحلة المقبلة واتجاهات المستثمرين الدوليين، وأول ما يعطيه هو أنه يعكس بوادر تعافٍ للاقتصاد الأميركي من الأزمة المالية التي المت به فى صيف العام 2008، وأن أكبر اقتصاد في العالم يودع مشاكله المزمنة، وأن رؤوس الأموال قد تجد مكانا آمناً في ظل المخاطر، التي تكتنف الاقتصادات الكبرى لمنطقة اليورو والصين واليابان.

لكن الحديث عن تخلي المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في الأدوات التقليدية مثل الذهب والمعادن النفيسة والعملات لصالح الدولار، هو استنتاج قد يكون متسرعاً من قبل البعض، والدليل على ذلك أن البورصات وأسواق المال والمعادن الثمينة، وفي مقدمتها سوق الذهب، لم تشهد انخفاضات حادة عقب قرار المركزي الأميركي برفع العائد على العملة الاميركية، والسبب أن الزيادة في سعر الفائدة على الدولار كانت بسيطة حيث لم تتجاوز ربعاً في المائة، وأن استثمارات العالم لا تريد أن تمنح صانع القرار الأميركي شيكاً على بياض، أو موافقة على قراراته وتوقعاته.

بالطبع القرار الأميركي يعطي مؤشرات قوية للمؤسسات الدولية التي تدير مليارات الدولارات حول العالم، لكن القرار ليس هو المؤشر الوحيد في تحديد اتجاهات الاستثمارات في الفترة المقبلة.

وبالطبع أيضا، أنا لا أتحدث هنا عن سعر صرف الدولار المتداول في الأسواق العربية، خاصة في الاسواق المضطربة سياسيا، فهذا الدولار يسير عكس الاتجاه، ويواصل ارتفاعه في سوق صرف عملة مضطرب، وسوق سوداء نشطة يسيطر عليها المضاربين وتجار العملة.

اقرأ أيضاً: حكومات الغلاء والفقر
المساهمون