توجه حكومي لزيادة الأسعار يثير غضب السودانيين

16 ديسمبر 2015
المواطنون يعانون من ارتفاع أسعار السلع (الأناضول)
+ الخط -


يتخوف السودانيون من الآثار السلبية لإعلان وزير المالية، بدرالدين سليمان، من رغبة الحكومة في رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والقمح من خلال موازنة العام الجديد 2016، وأثار هذا التوجه حفيظة العديد من الأوساط الاقتصادية والسياسية التي عبرت عن احتجاجها على الخطوة.

وسارعت قوى سياسية معارضة إلى تحذير حكومة الخرطوم من مخاطر الخطوة التي ستقود لانفجار الوضع بالبلاد، وحثت المواطنين على تنظيم الاحتجاجات لوقف رفع الدعم.

وفي هذا السياق، قال رئيس "منبر السلام العادل"، الطيب مصطفى، في مؤتمر صحافي بالخرطوم الأسبوع الجاري، إن قرار الحكومة برفع الدعم من شأنه أن يحدث انفجاراً أسوأ من الاحتجاجات السابقة.

وشهدت البلاد في سبتمبر/أيلول عام 2013 تظاهرات كانت الأعنف من نوعها احتجاجا على قرار حكومي برفع الدعم بشكل تدريجي عن الوقود بنسبة 12%، وقتل وجرح خلالها نحو 500 مواطن.

وطالب وزير المالية الأسبوع الماضي، البرلمان، بتمرير خطط الحكومة برفع الدعم عن السلع الثلاث بالتزامن مع زيادة الأجور للعاملين في الدولة وتخصيص موارد لدعم الشرائح الضعيفة لامتصاص الآثار السالبة لرفع الدعم.

وتعهد الوزير بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين في العام المقبل من خلال سياسات تتصل بتأمين السلع الغذائية وترشيد الإنفاق الحكومي، فضلا عن تقليل المصروفات الإدارية، بجانب خفض معدلات التضخم وتوفير النقد الأجنبي. واعتبر الوزير أن ما يمر به الاقتصاد من أزمات أمراً متوقعاً.

وقال النائب البرلماني عن كتلة المؤتمر الوطني، بابكر محمد توم، لـ"العربي الجديد"، إن سياسة رفع الدعم التدريجي أقرت في البرلمان السابق باعتباره أنه مجرد تشويه للاقتصاد.

وأضاف "أن الدعم يذهب لمن لا يستحق، فالأولى أن يذهب للشرائح الفقيرة مباشرة"، ولكنه أقر في الوقت نفسه على ضرورة وجود حوافز تتصل بالوفرة في السلع كالغاز والوقود والدقيق، فضلا عن زيادة المرتبات وتوفير فرص عمل بجانب التدرج فيها، مؤكدا أن الخطوة من شأنها ان توفر مبالغ بالمليارات للموازنة.

وتؤكد الحكومة أن دعم السلع يشكل عبئاً على ميزانيتها إذ يمثل 10% منها، ومن المقرر أن تودع الحكومة ميزانية العام الجديد أمام البرلمان الأسبوع الجاري.

ويرى محللون أن اللجوء إلى سياسة الحكومة برفع الدعم باعتباره حلا عاجلاً لأزمتها الاقتصادية غير مجد، مؤكدين على أن الأزمة تفاقمت على خلفية ارتفاع الدولار الذي تجاوز حدود 11.5 جنيها في السوق السوداء، فضلا عن فشل الموسم الزراعي، واستمرار أزمة التحويلات الخارجية، بجانب تراجع أداء الاقتصاد بشكل عام.

وأكدوا أنه لا مبرر للخطوة في ظل تراجع أسعار النفط عالميا من 115 دولار للبرميل منذ يونيو/حزيران عام 2014 إلى أقل من 38 دولار حاليا.

واتجهت الحكومة إلى رفع الدعم رغم توفر بدائل أخرى تتصل بتقليص الإنفاق الحكومي الذي بلغ في النصف الأول لموازنة العام الحالي 29 مليار جنيه (الدولار = 6.5 جنيهات في السوق الرسمي) من 26 مليار جنيه في نفس الفترة من العام الماضي، حسب المحللين.

وأثيرت أخيراً قضية سفر وفد من البرلمان "24 نائبا" إلي جنيف قيل إن الدولة أنفقت على سفرهم مبالغ باهظة وصلت إلى 8 ملايين جنيه أي ما يعادل 1.2 مليون دولار.

ويرجح اقتصاديون أن يعمد البرلمان إلى تمرير قرار رفع الدعم بالنظر لأغلبية الحزب الحاكم فيه فضلاً عن حلفائها في الحكومة.

اقرأ أيضاً: الاحتياطي الأجنبي يفاقم الأزمات المعيشية في السودان

وأبلغت مصادر حكومية، "العربي الجديد "، أن قرار رفع الدعم يجد مقاومة داخل الحزب الحاكم الذي يرى أن الخطوة من شأنها أن تطيح بالحكومة، وأشارت إلى إمكانية استغلال المعارضة الخطوة في إثارة الشارع.

وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، وجود دراسة أمنية حذرت الحكومة من مخاطر قرار رفع الدعم، إلا أن المصادر أكدت في نفس الوقت أن هناك من أقنع الرئيس السوداني عمر البشير، بجدوى الخطوة في حالة اتخاذ معالجات تضمن عدم إثارة الشارع عبر خطط وبرامج لدعم الشرائح الفقيرة.

ويقول المحلل الاقتصادي كمال كرار، لـ"العربي الجديد"، إن اقتصاد البلاد في أزمة تعبر عن نفسها بأشكال كثيرة بينها عجز الميزانية المتصاعدة الذي لا توجد طريقة لتغطيته إلا بزيادة الضرائب والجمارك وأسعار السلع.

وأضاف "أن عجز الميزانين التجاري والمدفوعات والإفراط في الديون الخارجية تمثل مظاهر سالبة للاقتصاد السوداني.

واعتبر كرار، خطوات الحكومة برفع الدعم استجابة لروشتة صندوق النقد الدولي فيما يتصل برفع الدعم وسياسة التحرير والخصخصة، وقال إن "الحكومة كلما وجدت نفسها في مأزق تلجأ لتبريرات لفرض زيادات على الشعب وهو أمر متكرر منذ أربع سنوات بحجة واحدة اسمها رفع الدعم عن سلع بعينها.

وشدّد على أن الأرقام تثبت أن الحكومة لا تدعم أي سلعة باعتبار أن تكلفة إنتاج النفط وتكريره لا تتجاوز الثلاثة دولار للبرميل الواحد والتي تباع في السوق المحلي بأكثر من مائة دولار وفق للسعر المعلن.

وأكد كرار أن خطوة الحكومة لإنقاذ الميزانية في ظل تصاعد الإنفاق الحكومي والصرف على الحرب والأمن لها آثارها وستمثل مزيداً من إفقار المواطن باعتبار أنها ستسهم في رفع الأسعار بشكل جنوني.

وأشار إلى آثار أخرى منها تدهور الإنتاج المحلي وتراجع الصادرات غير البترولية.

واعترف رئيس القطاع الاقتصادي في الحزب الحاكم (ولاية الخرطوم) الماحي خلف الله، بتأثر الفقراء ومحدودي الدخل بسياسة رفع الدعم، وأكد ضرورة التدرج في تنفيذها وفقا لخطة مدروسة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي للدولة، وقال الماحي لـ"العربي الجديد"، إن دعم السلع يقود لعمليات تهريب السلع المدعومة إلى خارج البلاد.

وعبر المواطنون عن غضبهم من التوجه الحكومي في ظل ارتفاع أسعار بعض السلع إلى أكثر من 300% الفترة الأخيرة.

وفي هذا الإطار، رأى الموظف الحكومي، عبد الله محمد، في حديثه لـ"العربي الجيد"، أن الحكومة عادة ما تحمل المواطن أعباء إضافية لحل أزماتها الاقتصادية، وأضاف "لم يكفها الفقر الذي نعانيه الآن وتدهور حالتنا المعيشة، ما دفع جميع أفراد الأسرة للعمل".

ويشتكي السودانيون من ارتفاع نسب الفقر الذي قدرته الحكومة في آخر إحصائية لها في 2009 بنحو 46%، بينما يرجح خبراء اقتصاديون تجاوزه 80%.

أما ربة المنزل، فاطمة، فتقول لـ"العربي الجديد"، "نحن لا نعرف إلي أين تريد أن تذهب بنا الحكومة، حيث تقطع الكهرباء في الشتاء، كما نعاني من أزمة غاز الطهو، وبدلا من أن تبشرنا بانفراج الأزمة تخيفنا بشبح رفع الدعم".

 

اقرأ أيضاً:
قفزات كبيرة في أسعار السلع في السودان
السودان يرفع الدعم عن واردات القمح

دلالات
المساهمون