زراعة غزة تتحدى حصار الاحتلال

16 نوفمبر 2015
أحد بائعي الحمضيات في مدينة غزة (عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
لم يدخر المزارع الفلسطيني أيمن أبو سلمية (40 عاما) جهدا في رعاية أرضه المزروعة بأشجار الحمضيات بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ قرابة تسع سنوات، رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي طاولت أبو سلمية وأرضه على مدار العقدين الماضيين.
وكان للمزارع أيمن قبل انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 تسعة دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) ولكن بعد سنوات الانتفاضة تراجعت المساحة لأربعة دونمات، بعدما منعته قوات الاحتلال من الوصول إلى كامل أرضه لوقوعها ضمن ما يعرف بالمنطقة الحدودية العازلة.
واشتهر القطاع طوال العقود الماضية بزراعة الحمضيات، وتحديدا في المناطق الحدودية التي كانت تضم نحو 60% من حقول الحمضيات الموجودة في غزة، ولكن خلال الفترة الجارية اختلف الأمر كليا، فتقلصت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات وتراجع حجم الإنتاج المحلي بشكل كبير.
ويزرع في غزة عدة أصناف من الحمضيات أبرزها، شجرة الليمون، البوملي، الجريب فروت، شجرة البرتقال بأصنافها وكذلك شجرة الكلامنتينا بأنواعها، في حين تبدأ زراعة أشجار الحمضيات مع مطلع شهر أبريل/نيسان من كل عام.
وذكر أبو سلمية لـ "العربي الجديد" أن تجريف الاحتلال مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالحمضيات خلال انتفاضة الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية التي شنت على القطاع طوال السنوات الماضية، يعد السبب الأساسي في انخفاض معدل إنتاج الحمضيات في غزة.
وأوضح أبو سلمية أن شراء بعض المزارعين لأشتال حمضيات من مشاتل غير خاضعة لإشراف الجهات المختصة، وهرم عدد كبير من الأشجار ساهم في الحد من المساحات المزروعة، مشيرا إلى أن الحصار الإسرائيلي ضاعف من تكاليف الإنتاج التي تقع على كاهل المزارع.
وبين أن الاحتلال منع منذ صيف عام 2007 إدخال بعض أصناف المبيدات الحشرية والأسمدة الزراعية، وكذلك منع بشكل كامل عمليات التصدير إلى الخارج، الأمر الذي اضطر المزارعين إلى تصريف منتجاتهم في الأسواق المحلية بأسعار زهيدة.
وخلال عامي 2009 و2013 واجه مزارعو الحمضيات تحديا جديدا، بعدما سمحت الأنفاق الحدودية التي كانت تربط مدينتي رفح المصرية والفلسطينية بإدخال كميات كبيرة من مختلف أصناف الحمضيات المصرية، والتي كانت تباع داخل أسواق غزة بأسعار منخفضة تنافس المنتج المحلي.
وأوضح بائع الحمضيات إسلام جعرور لـ "العربي الجديد" أن مزارعي الحمضيات شرعوا منذ بضعة أسابيع بقطف ثمار أشجار برتقال أبو سرة والكلامنتينا لبيعها في الأسواق المحلية بأسعار تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة، لافتا إلى أن فترة إنتاج أشجار الحمضيات تستمر من شهر أكتوبر/تشرين الأول، حتى نهاية شهر مايو/أيار.

اقرأ أيضا: ضربة لمنتجات الاحتلال الإسرائيلي

وأشار إلى أن حجم إنتاج أشجار الحمضيات متذبذب بين حين وآخر، بسبب ارتفاع نسبة ملوحة المياه وقلة المياه العذبة اللازمة لغالبية أصناف الحمضيات، وكذلك بسبب اعتداءات الاحتلال على المزارعين وأراضيهم، مبينا أن موسم قطف الحمضيات كان يوفر في الماضي فرص عمل مؤقتة لعشرات العاطلين من العمل.
ونبه جعرور إلى أن عددا كبيرا من مزارعي الحمضيات هجروا في السنوات الماضية زراعة الحمضيات وتوجهوا لزراعة أصناف أخرى، بسبب انعدام الجدوى الاقتصادية، موضحا أن التوسع السكاني العشوائي أدى إلى تحويل جزء كبير من الأراضي المزروعة بأشجار الحمضيات إلى أراضٍ سكنية.
ويحاول المزارعون توفير المياه العذبة اللازمة لري أشجار الحمضيات أثناء فترة الحمل والرعاية، من خلال إنشاء أحواض إسمنتية أو بلاستيكية تجمع داخلها مياه الأمطار طوال موسم الشتاء، ومع دخول موسم الأمطار يلجأ المزارعون لتخزين أشتال الحمضيات في بيوت بلاستيكية حفاظا عليها من التلف.
وبلغت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات قبل عام 2000 قرابة 31 ألف دونم، ووصل الإنتاج الإجمالي السنوي إلى نحو 60 ألف طن، بينما وصل حجم التصدير الخارجي إلى بعض الدول العربية والأوروبية بجانب أسواق الضفة الغربية المحتلة، لقرابة 40 ألف طن سنويا.
بدوره، قال رئيس قسم البستنة الشجرية بوزارة الزراعة في غزة، محمد أبو عودة لـ "العربي الجديد" إن "المتسبب الأساسي بتدمير قطاع زراعة الحمضيات في غزة هو الاحتلال الذي جرف منذ اندلاع انتفاضة الأقصى آلاف الدونمات الزراعية، ووضع قيودا مشددة على حركة التصدير والاستيراد".
وأضاف أبو عودة: "تقدر مساحة الأراضي المزروعة حاليا بنحو 17 ألف دونما، منها 9500 دونم مثمر، ونحو 7500 دونم غير مثمر"، متوقعا أن يبلغ حجم إنتاج حقول الحمضيات خلال الموسم الجاري نحو22 ألف طن، بالمقابل تبلغ حاجة سكان غزة من الحمضيات قرابة 36 ألف طن سنويا.
وأشار المهندس محمد إلى أن أصناف الحمضيات المنتجة محليا ذات مذاق رفيع وجودة أعلى من الحمضيات المصرية التي كانت تورد من الأنفاق الحدودية.
وبين أبو عودة أن وزارة الزراعة في غزة حققت في العام الجاري اكتفاء ذاتيا في بعض أصناف الحمضيات بنسبة 65%، الأمر الذي يدفعها إلى فتح باب الاستيراد الخارجي بمعدل 13 ألف طن سنويا، وبجانب ذلك اتخذت عدة إجراءات تهدف لمساندة مزارعي الحمضيات ودعم المنتج المحلي.

اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي يطوّق سلع المستوطنات بـ"ملصق خاص"
المساهمون