السوريون يدخلون دائرة الفقر من أوسع الأبواب

12 سبتمبر 2014
8 ملايين سوري يعيشون على خط الفقر (Getty)
+ الخط -
لم يكن الفقر غريباً عن السوريين، لكن معايشته إلى الحد الذي حولهم إلى لاجئين، وأوصل نسب الفقر لأكثر من 52% من المواطنين، وأوصل أكثر من 20% تحت خط الفقر المدقع، بحسب بحث قام به أخيراً المركز السوري لبحوث الدراسات، هو المشهد الجديد، بعد اقترافهم "جرم" الثورة والمطالبة بالحرية والعدالة في توزيع الفرص.
أخذ الأسد الأب، التفقير نهجاً مستورداً من المنظومة الاشتراكية، وإن أبقى على الرأسمالية كأسلوب تطبيق، أظهرت مع ثلاثينية حكمه برجوازية الجيش وحزب البعث، وتلاشت الطبقة الوسطى، لتبقى سورية مؤهبة للانفجار، الذي حصل في عام 2011، وكان امتداداً للربيع العربي.
أما نظام بشار الأسد فقد رد، إلى جانب القتل والتهجير، بسياسة التجويع والحصار الاقتصادي على السوريين، بهدف إشغالهم بلقمة عيشهم وإبعادهم عن المطالبة بالحرية، وفق شعار أطلقه علانية، وتبناه الجيش والمليشيات المساندة للأسد: "التجويع حتى التركيع".
وتأتي هذه السياسة، إلى جانب الحصار الاقتصادي المفروض على نظام بشار الأسد، إن من الدول العربية بحسب قرار الجامعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 أو لاحقاً من الاتحاد الأوروبي، على نقص المعروض السلعي في السوق السورية وارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 400 % على حسب الموسم والعرض والمنطقة.
وقال الباحث السوري سمير رمان: "بعد فشل النظام السوري في قمع تطلعات الشعب الى الحرية عبر القتل والتهديم، لجأ إلى سلاح الحصاروالتجويع، فأبقى على معدل الأجور والرواتب التي لا تتجاوز 300 دولار، وترك المجال رحباً لتجار الأزمات ليتحكموا في العرض والطلب والتسعير، في واقع غياب الرقابة عن الأسواق، وترافق ذلك مع توقف العجلة الانتاجية، سواء للقطاع الصناعي أو الزراعي، ما أدى إلى غياب السلع في الأسواق وارتفاع سعرها مقارنة مع دخل السوريين المتردي أصلاً".
وأشار رمان لـ"العربي الجديد" إلى أن ما زاد من شعور السوريين بارتفاع الأسعار، هو تضخم العملة وتراجع سعر الصرف مقابل العملات الرئيسية، حيث كان سعر صرف الدولار بداية الثورة نحو 48 ليرة ووصل اليوم الى نحو 170 ليرة.
وتابع قائلا: "هذا إن فرضنا أن لجميع السوريين أجراً شهريّاً، لأن من ضمن سياسة النظام في العقاب الجماعي، أتى فصل الموظفين في المناطق الثائرة من عملهم، ليترك السوريين أمام خيار صعب بين الحرية والموت جوعاً، وهنا لا نبالغ بمقولة الموت جوعاً، لأن العديد من المناطق السورية شهدت وفيات نتيجة نقص الغذاء والماء والدواء وصلت للمئات، بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الذين ثاروا إلى جانب السوريين، أو كانوا حواضن للثوار".
وغابت جميع الضوابط والقوانين عن الأسواق السورية، وباتت الحاجة وقلة العرض وجشع التجار، هي العناصر الاساسية التي تحدد الأسعار، لتظهر أنماط استهلاكية لم تكن متداولة من ذي قبل، وهي الشراء على حسب الوجبة الواحدة، فمن كان يتسوّق حاجة أسرته لأيام، الآن يشتري مستلزمات الغداء أو العشاء فقط.
كما طاولت ارتفاعات الأسعار الخضار والفواكه، رغم الزيادة النسبية للعرض نتيجة الموسم، بحسب ما أكد مروان جوخدار لـ "العربي الجديد". وقال: "وصل سعر كيلو البندورة إلى 50 ليرة والخيار وصل إلى 60 ليرة والبطاطا وصل سعرها الى 70 ليرة، وتبقى الفواكه، وخصوصاً المستوردة ضمن خانة الكماليات بالنسبة للسوريين، حيث لا يقل سعر كيلو الموز عن 300 ليرة والتفاح عن 350 ليرة سورية".
أما أسعار المحروقات، فكانت الأكثر ارتفاعاً في سورية، فبعد سيطرة المعارضة على مناطق إنتاج النفط وتراجع الإنتاج من 380 ألف برميل يومياً إلى أقل من 150 ألف برميل، أشارت تقارير إعلامية أخيراً إلى أنها تهرب على الحدود بسعر 50 دولاراً للبرميل، ووصل سعر لتر المازوت إلى 120 ليرة سورية والبنزين 235 ليرة سورية وأسطوانة الغاز 3500 ليرة سورية.
ورفعت وزارة الكهرباء السورية أسعار الكهرباء بنسبة تتراوح بين 70% إلى 150% للشرائح المنزلية التي تستهلك أكثر من 800 كيلو واط، ويأتي رفع أسعار الكهرباء، بعد رفع قيمة تعرفة استهلاك المياه بأكثر من 100%.
وقدرت وزارة الكهرباء الأضرار المباشرة، التي لحقت القطاع، بنحو 270 مليار ليرة سورية، نتيجة "الاعتداءات" على محطات التوليد والتحويل.
أما الأضرار غير المباشرة فقد بلغت 850 مليار ليرة، مشيرة إلى أن "الاعتداءات المتكررة على أنابيب نقل الوقود اللازم لمحطات التوليد وخطوط الضغط العالي ومحطات التحويل أدت إلى خروج نحو 5000 ميجاواط عن الخدمة. ويعاني قطاع الكهرباء في سورية من نقص الوقود المشغل لمحطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى الاستخدام غير القانوني للخدمة، ما يتسبب بأحمال زائدة تؤدي إلى احتراق الخطوط في كثير من الأحيان.
وقال المفتش المالي، ابراهيم محمد، لـ"العربي الجديد": "اجتمعت قلة العرض مع غياب الرقابة وزيادة الطلب، ما أدى الى ارتفاع الاسعار".
وأضاف: "أثرت موجة الجفاف التي ضربت المنطقة على كمية الإنتاج، والمشروعات الزراعية التي تعتمد الري، تزيد تكاليف إنتاجها نتيجة غلاء المازوت ومستلزمات الإنتاج، من بذار وأسمدة، ما انعكس على السعر النهائي الذي يدفعه المستهلك الذي لا يجد طريقة لتحسين دخله لتتناسب مع غلاء الأسعار".
أما المواطن السوري فلم يعد قادراً على تحمل ارتفاع الأسعار، يقول رضوان محمد من ريف دمشق: "ارتفعت أسعار اللحوم بشكل كبير نتيجة تقدم الثوار إلى العاصمة، والريف القريب، وصعوبة وصول الأغنام حيث تعدى سعر كيلوغرام لحم الخروف 2500 ليرة ولحم العجل 1900 ليرة في أسواق المرجة وسط دمشق".
ويضيف محمد، وهو تاجر أغنام، "يعود سبب غلاء الأسعار لتهريب الأغنام إلى الأردن ولبنان ولارتفاع أسعار الأعلاف، حيث انسحب العديد من مربي الأغنام نتيجة الخسائر والأخطار".
يذكر أن النظام السوري يساهم في فلتان الأسعار بعد انسحابه المتدرج من الدعم، إذ رفع سعر ليتر البنزين في أبريل/نيسان الفائت بنسبة 20%، ورفع سعر السكر بحجة زيادة العجز التمويني المقدر على موازنة 2014، نتيجة دعم الخبز يبلغ 138.5مليار ليرة والعجز التمويني الخاص بمادتي السكر والرز نحو 30.6 مليار ليرة.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والغلاء الفاحش في سورية، بالاضافة الى الحرب الدائرة هناك، عوامل ساهمت في ارتفاع نسب الفقر، إذ أصبح معدل الفقر في سورية 45%، في حين كانت في عام 2010 حوالي 12%، بحسب تقرير "أهداف الألفية لعام 2014"، الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وقال رئيس قسم السياسات الاقتصادية في إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، خالد أبو إسماعيل، "لا شكّ أن الوضع المتأزم في سوريا أرخى بظلاله السلبية على تحقيق الأهداف التنموية".
وأوضح أنه "من حيث مستوى التنمية فإن دول الخليج هي الأعلى، لكن من حيث نسبة التقدم، فإن سوريا كانت في طليعة الدول العربية، بالإضافة إلى عُمان ومصر وتونس. إلا أن الوضع السوري اليوم تغيّر عن عام 2010، إذ هناك نسبة تراجع كبيرة، فعلى سبيل المثال نسبة الفقر، اليوم، في سوريا تتراوح بين 40% و45%، في حين كانت في عام 2010 حوالي 12%. وعندما نتكلم عن الالتحاق (التعليم)، فالنسبة كانت فوق 95% في 2010، واليوم نسب الالتحاق وصلت إلى حوالي 50 إلى 70% حسب المناطق. أضف إلى ذلك نسبة وفيات الأطفال التي ارتفعت وانتشار الأمراض الوبائية".
وبحسب أبو إسماعيل، كانت سورية في طليعة الدول العربية من حيث الإنجاز، وأصبحت، اليوم، في المؤخرة مثلها مثل الصومال، هذا الوضع السيّئ في سورية أثر بشكل كبيرٍ على الوضع اللبناني خصوصاً من الناحية الاقتصادية.
وبحسب تقديرات برنامج الامم المتحدة الانمائي، فإن أكثر من نصف سكان سورية يعانون من الفقر بسبب النزاع، وبحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة فإن نحو 8 ملايين سوري يعيشون على خط الفقر، فيما يعيش قرابة 5 ملايين في فقر مدقع، وعزت المنظمة ارتفاع نسبة الفقر في سورية إلى أن معظم النازحين في الداخل والبالغ عددهم قرابة 6 ملايين استنفدوا مدخراتهم، ولم يعد بإمكانهم التأقلم مع الأزمة والصعوبات الاقتصادية الناجمة عنه.
وفي تقرير صادر عن "المركز السوري لبحوث السياسات"، في يونيو/حزيران الماضي، فإن نسبة من دخلوا دائرة الفقر بسبب الحرب، يقدرون بنصف سكان سورية، موضحاً أنه دخل 8 ملايين سوري دائرة الفقر نتيجة زيادة أسعار البضائع والخدمات وتراجع مصادر الدخل والأضرار المادية للممتلكات.
المساهمون