رقابنا في يد العدو

23 أكتوبر 2014
إسرائيل تدمّر غزة.. ومصر تشتري الغاز منها
+ الخط -

 

على مدى أكثر من 35 عاماً، فشل الكيان الصهيوني في إقناع المصريين والعرب بالتعاون معه اقتصادياً واستيراد منتجاته، ذلك لأننا كنا نتعامل مع السلع الإسرائيلية على أنها مغموسة بدماء الفلسطينيين، أو مزروعة في أراضٍ عربية محتلة، أو أنتجتها يد مجرمة قتلت أطفالنا ونساءنا في صبرا وشاتيلا وبحر البقر والسويس وسيناء وغزة وبيروت والجولان، أو مصنوعة لدى جيش الاحتلال وتوجه حصيلتها لتمويل صفقات شراء الأسلحة التي يتم قتلنا بها.

ورغم محاولات الحكومات المتعاقبة كسر هذا الحصار الاقتصادي الشعبي المفروض على الكيان الصهيوني عبر الترويج لمشروعات من عينة اتفاقية الكويز والشرق الأوسط الجديد وغيرها، إلا أن المقاطعة استمرت، بل قويت يوما بعد يوم، خاصة في الأوقات التي يشن فيها الاحتلال عدوانا على إحدى الدول العربية، كما حدث في عدوان غزة الأخير. 

ويبدو أن الحكومات المتعاقبة والمتحالفين معها لم ييأسوا من المحاولات الفاشلة لكسر المقاطعة، فقد عادوا إلى تسويق فكرة التعاون الاقتصادي مع الكيان الصهيوني وضرورة التعامل معها؛ بحجة أنه يحقق مصالحنا نحن، لأننا بحاجة للسلع الإسرائيلية ومنها الغاز.

وعلى غرار حملة "مش أحسن ما نبقى زي سورية والعراق"، و"مش أحسن ما يكون هناك ظلام في مصر وبلدنا عتمة ويتعطل الاستثمار وحال العباد والبلاد"، بدأت في الأوساط الاقتصادية حملة، هدفها إقناع المصريين بضرورة التعاون مع العدو الإسرائيلي واستيراد الغاز منه.

وحسب هؤلاء المطبّعين الجدد، فإننا بدل أن نستورد الغاز من دولة قطر "المارقة عن الصف العربي"، أو من إيران العدو التاريخي للسنّة والأمة العربية، يجب أن نستورده من إسرائيل، الجار الوديع الذي أبرمنا معه اتفاقية سلام منذ عام 1979 والذي لا يناصبنا العداء منذ تلك اللحظة، بل ويحمي حدودنا الشرقية من الإرهابيين".

وبدأ أصحاب الحملة بغسل أدمغة المصريين، عبر تقديم مبررات من عينة: أن غاز إسرائيل هو الأرخص والأقرب، مقارنة بغاز روسيا وإيران والجزائر.

أما قطر، فلن نستورد منها، حتى لو كان الغاز بالمجّان، لأنها تُؤوي "الإرهابيين" أعداء الوطن، كما أن الميزانية المصرية لا تتحمل مزيداً من الأعباء، خاصة إذا ما استوردنا الغاز من دولة بعيدة مثل روسيا، وإسرائيل تساعدنا في القضاء على "الإرهابيين" داخل سيناء وغزة وسورية والعراق، وبالتالي تساعدنا في حماية الأمن القومي المصري والعربي.

ثمّ "ما الفرق بين أن نستورد الغاز من إسرائيل أو قبرص أو روسيا أو حتى الجزائر، خاصة إذا كانت إسرائيل الأقرب والأرخص، فمعدّات وأنابيب توصيل الغاز موجودة منذ أيام شركة شرق البحر المتوسط التي كان يتم عبرها تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وبالتالي لن نحتاج لاستثمارات جديدة لا نملك كلفتها حالياً"، هكذا يقول أصحاب دعوات التطبيع الجدد.

وفي حال نجاح الحملات الساعية لوأد سلاح المقاطعة الاقتصادية العربية، والتي أتوقع أن تدعمها وسائل إعلام وبقوة خلال الفترة المقبلة، سيتم تمرير صفقة شراء مصر الغاز الإسرائيلي والتي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، وقد يتم تمرير صفقات أخرى أخطر.

وفي هذه الحالة ستصبح رقاب المصريين تحت يد العدو، فإسرائيل يمكن أن تقطع الكهرباء عن مدن مصر، وفي أي لحظة، من خلال وقف توريد الغاز لمحطات توليد الكهرباء، وإسرائيل يمكن أن تهدد مناخ الاستثمار في مصر، عبر عدم تزويدها المصانع بالطاقة. 

مبارك باع الغاز لإسرائيل "بتراب الفلوس"، وأفقر مصر لسنوات طويلة، ويجب أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى، بدلا من القضايا الهزلية التي يحاكم بشأنها اليوم، مثل قصور الرئاسة وغيرها.

 

المساهمون