بينما ستبدأ ميزانية الولايات المتحدة الجديدة للعام المالي 2021 /2022 بعد يومين في بداية أكتوبر/ تشرين الأول، تواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أزمة مالية وسط رفض الحزب الجمهوري التصويت لصالح رفع سقف الدين العام من مستواه الحالي البالغ 28.5 تريليون دولار إلى مستوى أعلى يسمح لوزارة الخزانة بإصدار سندات دين جديدة توفر سيولة للحكومة الفيدرالية.
ومعروف أن الولايات المتحدة التي تعاني من العجز المتواصل في الميزانية، تعتمد على إصدار سندات الدين الحكومي في تمويل الإنفاق عبر مزادات مفتوحة تشرف عليها وزارة الخزانة الأميركية.
وحتى الآن تعتبر سندات الدين الأميركية المتوسطة، مدة 10 سنوات من أكثر الأدوات المالية جاذبية للمستثمرين والدول في أنحاء العالم، إذ إنها تمثل "الملاذ الآمن" في أوقات الأزمات المالية والأدوات الأسرع في التحويل إلى سيولة، كما أنها غير مكلفة من ناحية التأمين عليها أو تحويلها إلى نقد.
ويقدر سوق السندات الأميركية بنحو 21 تريليون دولار، حسب بيانات مؤسسة "سيفما" التي تراقب سوق الأدوات المالية الثابتة في الولايات المتحدة. وتتخوف سيفما وغيرها من وكالات التصنيف الائتماني من تداعيات التخلف عن السداد على حسابات السندات التي حان أجل سدادها وليس خدمة فوائدها، لأن نظام الأتمتة يقوم بشطبها مباشرة.
وحسب الدستور الأميركي، فإن سقف الاستدانة الحكومية يخضع لموافقة الكونغرس، أي أن أعضاء مجلسي النواب والشيوخ هم من يحددون عبر التصويت مستوى الدين العام، وبالتالي فإن وزارة الخزانة تنتظر موافقة الكونغرس على السماح لها برفع سقف الدين حتى تتمكن من إصدار سندات جديدة حينما تبدا الميزانية الجديدة لجمع التمويل اللازم لتغطية النفقات الحكومية.
يذكر أن الكونغرس سبق له أن علق سقف الدين العام على عهد الرئيس دونالد ترامب في العام 2019 ثم تم رفعه لاحقاً إلى السقف الحالي البالغ 28.5 تريليون دولار.
ووفق محللين فإن ما يحدث حالياً هو أن الحزب الجمهوري يستخدم رفض زيادة الدين العام كأداة ضغط للحصول على تنازلات من الحزب الديمقراطي المنافس حول خفض الإنفاق الحكومي. وبالتالي رفض الحزب الجمهوري مساء الإثنين التصويت لصالح مشروع رفع سقف الدين في مجلس الشيوخ، حيث رفض 50 عضواً المشروع مقابل موافقة 24 عضواً، بينما تحتاج إجازة المشروع إلى موافقة 60 عضواً.
وعلى الرغم من خطورة موضوع التمويل في السوق الأميركي والعالمي، ينظر العديد من خبراء المال إلى أزمة رفع سقف الدين بمنظار "المناورات الحزبية" أو "المزايدات والابتزاز السياسي" في واشنطن أكثر منه أزمة مالية حقيقية، لأنه موضوع خطر لا يمكن أن يقدم عليه أي من الحزبين، لأن توقف وزارة الخزانة عن تمويل الانفاق ستكون له تداعيات خطيرة على موقع الولايات المتحدة كدولة عظمى وعلى الدولار كـ"عملة احتياط"، وكذا على تصنيف الدين السيادي للولايات المتحدة، ولا يستبعد محللون أن يؤدي إلى انهيار أسعار الأسهم المتداولة في سوق "وول ستريت"، ينتهي بمحو تريليونات الدولارات.
في هذا الشأن، تقول دراسة صادرة عن وكالة "موديز" الأميركية للتصنيف الائتماني، أصدرها الاقتصاديان مارك زاندي وبيرنارد ياروس، إن تخلف الولايات المتحدة عن سداد مستحقات حملة السندات الحكومية سيكون مكلفاً للاقتصاد الأميركي وستكون له "تداعيات كارثية" وبالتالي من المستبعد حدوثه.
وحسب الدراسة، فإن عدم الموافقة على رفع سقف الدين الأميركي سيقود إلى تعليق الحكومة لمدفوعات الإنفاق الحكومي خلال الشهور الأخيرة من العام الجاري.
على صعيد الاقتصاد الكلي تقول موديز، إن عدم رفع سقف الدين سيكلف الاقتصاد نحو 6 ملايين وظيفة، ويرفع معدل البطالة إلى 9.0%. أما على صعيد أسواق المال، فلم تستبعد الوكالة أن يؤدي تخلف الولايات المتحدة عن تسديد مستحقات حملة السندات إلى أزمة في البورصة شبيهة بأزمة انهيار سوق "وول ستريت" عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008".
وتتوقع موديز في أسوأ السيناريوهات، أن يخسر سوق المال الأميركي نحو 15 تريليون دولار، أي نحو 25% من قيمته الحالية القريبة من 60 تريليون دولار.
وبحسب وكالة التصنيف العالمية فإن التخلف عن سداد مستحقات السندات حتى ولو حدث لفترة وجيزة، يعد خطرا، لأن المستثمرين في السندات الأميركية سيعتقدون أن " التمويل الحكومي أصبح لعبة سياسية في يد الكونغرس"، وبالتالي تتوقع الوكالة أن تحدث أزمة ثقة في أدوات الدين الأميركية، وستكون لها تداعياتها الخطيرة على الولايات المتحدة.
وترى موديز أنه في حال عدم إجازة رفع سقف الدين العام الأميركي، فإن وزارة الخزانة الأميركية ستكون مجبرة على التخلف عن السداد في 20 اكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لكن مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري يعتقد أن وزارة الخزانة يمكنها الاستمرار في تلبية الإنفاق حتى بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
من جانبه يقول مدير معهد أبحاث " بيكون بوليسي أدفايزرس" في واشنطن، بين كولتان، إن " التخلف عن السداد لو حدث للحظة واحدة فإن الثقة التي ستخسرها أدوات الدين الأميركي ستكون دائمة".
ويشير كولتان في تعليقات نقلتها نشرة " ماركت ووتش" إلى أن أي تخلف سينعكس مباشرة على العائد على السندات الأميركية. ويستبعد مصرف باركليز البريطاني في تحليل أن تعجز الولايات المتحدة عن تسديد التزاماتها، ولكن الارتباك السياسي ستكون له تداعيات سلبية على سوق المال الأميركي. وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد حذرت قبل أسابيع من مخاطر عدم إجازة رفع سقف الدين على الاقتصاد الأميركي.