على أنصار آدم سميث وتلامذته أن يعيدوا، وبالسرعة الكلية، النظر بمفهوم "اليد الخفية"، ويعيدوا كتابة "ثروة الأمم" وفق ما وصلت إليه المصارف السورية من إبداعات. فمفهوم العائد العام للمجتمع هو عوائد الأفراد، تم دحضه من دمشق وفق نظرية أسدية جديدة.
إذ أظهر تقرير، أصدره المصرف المركزي بدمشق، زيادة موجودات القطاع المصرفي خلال النصف الأول من العام الجاري بقيمة 7.17 مليارات ليرة سورية، وبنسبة 90% عما كانت عليه الموجودات خلال النصف الأول من العام الفائت، والفضل، هذه المرة، للمصارف الحكومية الأربعة وليس للمصارف الخاصة الأربعة عشر، لأن موجودات المصارف العامة ارتفعت 4.722 مليارات ليرة، والمصارف الخاصة التقليدية 1.417 مليار ليرة، في حين لم تزد موجودات المصارف الإسلامية سوى بقيمة 1.031 مليار ليرة، لتكون مساهمة المصارف الحكومية بنحو 66% من إجمالي موجودات القطاع المصرفي بسورية، مقابل 20% للمصارف الخاصة ونحو 14% للمصارف الإسلامية.
ووفقاً للتقرير، فقد ساهمت المصارف العامة بحوالي 66% من إجمالي زيادة موجودات القطاع المصرفي خلال النصف الأول من 2020، مقابل مساهمة المصارف الخاصة التقليدية بـ20%، والمصارف الخاصة الإسلامية بـ14%.
لن نتوقف والقارئ عند سؤال لماذا تأخر تقرير "المصرف المركزي" إلى ما بعد انتهاء الربع الثالث ليصدر تقرير النصف الثاني، لأن المتابع لأي رقم أو نسبة بسورية، يعرف أنها لا تصدر إلا بعد عام على إمكانية قراءتها أو الاستفادة منها، وربما تعجّل "أبو المصارف" بدمشق وأصدر نتائج النصف الثاني، لأهداف، على الأغلب، وطنية، من شأنها تعزيز الثقة بالمنظومة المصرفية وإغراء أصحاب الرساميل ليودعوا أموالهم حيث الثقة والربح والأمان.
كما لن نستفسر عن القصد من موجودات، هل هي كل ما يمتلكه المصرف، من قروض واحتياطيات وأرواق استثمارية، حولها على طريقته إلى نقد، لضرورة تقييم عمل المصارف وزف بشرى الزيادة للجمهور المترقب، أم المقصود فقد زيادة الإيداعات التي سيّر التقرير باتجاهها.
بل سنسأل فقط، عن هوية وقصد وغاية المودعين بالمصارف السورية، ليحصلوا فائدة أعلاها 12% سنوياً، إن كان الاإداع لأكثر من ثلاث سنوات، أو فائدة بنسبة 9% إن كان هدف الإيداع تكتيكي لحساب توفير قصير، ويخسروا جراء التضخم نصف إيداعاتهم.
لأن في تلك الإجابة فك لبعض طلاسم التقرير، خاصة إن علمنا أن الليرة السورية خسرت أكثر من 100% من قيمتها، منذ مطلع العام حتى نهاية النصف الأول، وأكثر من 140% حتى اليوم، إذ لم يزد سعر الدولار مقابل الليرة مطلع عام 2020 عن 1100 ليرة، في حين تجاوز بنهاية حزيران 2350 ليرة، ووصل اليوم إلى 2650 ليرة.
نهاية القول: على الأرجح المسألة يد خفيفة زوّرت الحقائق وليست خفية يا آدم سميث، فهنا لم يزد العائد الشخصي للفرد المودع، وبالتالي لن تزيد مساهمته في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع.
لذ الأرجح، وفق نظرية اليد الخفيفة الأسدية، أن زيادة الموجودات بالمصارف الحكومية جاء بعضها عبر الإيداع الإلزامي لضمان استمرار العمل بواقع الاستقواء، وبعضها الآخر كفالات لشركات أو إيداع لمؤسسات حكومية.
إذ ليس من المنطق أن يقدم أي عاقل على إيداع أمواله ليكسب فائدة بسيطة ويخسر نصف أمواله بسبب التضخم، هذا إن فرضنا جدلاً حريته بالسحب متى يشاء.
وأما زيادة موجودات المصارف الخاصة التي لا تملك صلاحية إلزام الإيداع على رجال الأعمال، فأغلب الظن أنها أعادت تقييم مركز القطع البنيوي الموجود لديها بالقطع الأجنبي، لتستفيد من فارق سعر الدولار مقابل الليرة السورية، فظهرت بالنتائج النظرية زيادة في موجوداتها.
هذا إن لم نفرض، رغم ذلك ضمن أساسيات نظرية اليد الخفيفة، أن المصارف الخاصة ضاربت بسوق العملات من خلال حصة القطع البنيوي البالغة 60% من الأموال الأساسية، واستفادت من تقلبات سعر الصرف، فزادت موجوداتها.