ياميش رمضان في مصر: شركات مجهولة تتصدر المبيعات بأسعار وجودة متدنية

02 مارس 2024
تراجع القدرة الشرائية للمواطنين (خالد الدسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

يقف محمد عبد التواب، الموظف في شركة الأقطان المصرية (47 سنة)، وسط سوق ياميش رمضان (فواكه مُجفّفة ومُكسرات)، في الإسكندرية، راميًا بصره يمينًا ويسارًا بحثًا عن أسعار تناسب ميزانيته المحدودة، ليتمكن من شراء الأصناف والكميات التي اعتادها سنويًا، ولكن يبدو أن الأمل ضعيف بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

يواصل عبد التواب بكل همة وإصرار البحث في عمق أزقة وثنايا الأسواق عن أسعار أرخص حتى وإن كان ذلك على حساب الجودة، حاملًا على كتفيه عبء انتظار أبنائه الثلاثة ياميش رمضان. 

لسنوات عديدة، اعتاد الأب على شراء ياميش رمضان من محال البقالة التقليدية، حيث كان يجد الأصناف التي يحبها والكميات التي تكفي عائلته طوال الشهر، ولكن في هذا العام الأمور تغيرت بشكل مفاجئ ومؤلم، إذ ارتفعت الأسعار بشكل مثير للدهشة، وأصبحت الكميات التي كان يعتاد شراءها باهظة الثمن.

أصناف ياميش رمضان

"لا يمكن أن أسقط ياميش رمضان من حساباتي، فهو يمثل الفرحة والإحساس برمضان، كما يمنح الطاقة والتغذية السريعة التي يحتاجها الأبناء خلال ساعات الصيام الطويلة، ولكني أشعر باليأس والإحباط عندما أجول بين الأسواق وأجد أسعارًا تفوق ميزانيتي المحدودة"، تقول شيماء عمر ياسين، ربة المنزل الثلاثينية، خلال جولتها على محال السوق، وتضيف متحدثة لـ"العربي الجديد": في محاولة يائسة لتلبية احتياجات الأسرة، لجأت إلى البحث عن أصناف مجهولة من ياميش رمضان لتكون أرخص قليلًا، فوجدت أشكالها رثة ومغلفة بشكل غير احترافي، ويظهر عليها عدم الجودة، وتتابع: "أعرف أنها ليست الخيار الأفضل، لكني لا أملك بديلاً آخر، وبخاصة أنها تقل في أسعارها بـ30 في المائة تقريبًا عن نظيرتها من البضائع المعروفة.

وتشارك في الحديث سيدة فتحي (33 عاماً)، فتقول: "لجأت إلى تخفيض الكميات التي أشتريها سنويًا، وهو شيء مؤلم، إذ أرى أبنائي يكبرون ويحتاجون إلى كميات أكبر من المعتاد سنويًا ولكني أفعل العكس، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وحتى أستطيع التكيف مع الأوضاع الجديدة".

وعلى الرغم من ضعف جودة البدائل المعروضة، إلا أنها تشهد رواجا لدى الكثير من المواطنين الذين يتسابقون لشرائها في مواجهة الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار السلع، وسط غياب شبه تام للجهات الرقابية الحكومية.

 ورصدت "العربي الجديد" أسعار الأصناف التقليدية لياميش رمضان في الأسواق، حيث يراوح سعر البلح العادي بين 50 و75 جنيهًا، والزبيب البلدي بين 180 و300 جنيه، ولفة قمر الدين بين 85 و130 جنيها، والعرقسوس 250 غرامًا بين 50 و65 جنيهًا، والسوداني مقشر بين 120 و160 جنيهًا للكيلوغرام، وجوز الهند بين 160 و200 جنيه. كما وصل سعر كيلوغرام المشمشية السوري والتركي لما بين 460 و600 جنيه، والتمر الهندي 300 غرام لما بين 30 و45 جنيها، والبندق المحمص 400 غرام لما بين 80 و140 جنيها، والقراصيا لما بين 360 و480 جنيها.

تغير سلوك المستهلكين

يقول الحاج عزت فرج، وهو أحد كبار بائعي الياميش في الإسكندرية، لـ"العربي الجديد"، إنه في ظل تزايد الأعباء المالية على المصريين، يبدو أن هناك تغيرًا في سلوك المستهلكين الذين يسعون لتلبية الاحتياجات الغذائية لأسرهم خلال شهر رمضان بأسعار معقولة، حيث يزداد الطلب على منتجات الشركات المجهولة، مع عزوف ملحوظ عن الأصناف الشهيرة والعلامات التجارية التي تسيطر على الأسواق منذ عشرات السنوات. 

ويوضح فرج أنه على الرغم من أن أسماء الشركات التي تقف وراء إنتاج ياميش رمضان لا يعرفها الجمهور، وقد تكون شركات وهمية غير موجودة في الواقع ولا تخضع لأي رقابة من قبل الحكومة والجهات المعنية، إلا أنها أصبحت الخيار الأول للعديد من المستهلكين الباحثين عن ياميش بأسعار معقولة.

ويشير إلى أن الزبائن يلومونه لعدم عرض تلك المنتجات المجهولة ولا يقتنعون بأهمية الحجج التي يقدمها إليهم وأن تلك المنتجات غير مراقبة وتفتقر إلى الجودة والسلامة، بل يعتبرون أنها فرصة لتوفير المال في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة. ويقول إسلام الفيومي، عضو شعبة العطارة بالغرفة التجارية، في تصريحات صحافية، إن أسعار الياميش هذا العام شهدت زيادة بنسبة قرابة 50 في المائة مقارنة بأسعار العام الماضي، مضيفا أن السبب وراء الارتفاع هو استيراد معظم الأصناف من الخارج، حيث إن مصر تستورد 100 في المائة من الياميش.

أسباب ارتفاع الأسعار

ويضيف عضو شعبة العطارة أن نقص العملة الصعبة هو من أهم العوامل التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى أن الكميات التي تم استيرادها هذا العام أقل من العام الماضي، لافتًا إلى أن الأسواق تشهد حالة من ضعف الإقبال هذا العام مقارنة بالماضي، بسبب الارتفاعات في الأسعار، ويتابع: "ما يزيد الأوضاع تعقيدًا بالنسبة إلى الشركات، هو إقبال المستهلكين على خيارات أرخص وجودة أقل تقدمها شركات غير قانونية، بدلاً من الالتزام بالعلامات التجارية المعروفة، وبخاصة مع عدم انتشار ثقافة مراجعة القوانين واللوائح المتعلقة بالصناعات الغذائية ومعايير ضمان سلامة المنتجات المطروحة في السوق بين المستهلكين في مصر".

ويقول محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنين ضد الغلاء، لـ"العربي الجديد"، إن فكرة الاستغناء عن السلع  وانتشار البديل للعديد من الأسماء التجارية المعروفة  نتيجة طبيعية لارتفاع الأسعار في الأسواق المصرية التي انتشر فيها الجشع بسبب غياب الرقابة الحكومية المطلوبة، ويشير إلى وجود ركود بالسوق نتيجة عزوف المواطنين عن شراء سلع رمضانية رئيسية خلال الآونة الأخيرة بسبب زيادة الأسعار، وهو ما دفع  العديد من التجار إلى عرض كثير من الأنواع غير المعروفة والأقل سعرا بالنسبة لغالبية السلع، فليس ياميش رمضان فقط هو الذي أصبح يصنف كسلعة ترفيهية، ويؤكد أن عدداً كبيراً من هذه السلع تتحكم بها مجموعة من التجار الكبار يصنعون الأزمات في ظل الغلاء الفاحش ويعرضون أسعارا تعظّم أرباحهم، وهو ما يشكل عبئا مضاعفا على المواطن البسيط قبل شهر رمضان.

ضعف في الرقابة

ترتفع شكاوى المواطنين من ضعف الرقابة على الأسواق المصرية، ويشدد محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنين ضد الغلاء لـ"العربي الجديد" على ضرورة تنفيذ إجراء استثنائي من قبل الحكومة للسيطرة على الأسواق والقيام بالدور الرقابي من خلال الردع القوي وتغليظ العقوبات لمكافحة احتكار السلع الغذائية وزيادة العاملين بالأجهزة الرقابية سواء في وزارة التموين أو جهاز حماية المستهلك، حتي يتمكنوا من تغطية الجمهورية بأكملها.

بدوره يؤكد مصدر مسؤول في وزارة التجارة والتموين لـ"العربي الجديد" على القيام بصفة دورية بشن حملات على الأسواق والمحال التجارية لمتابعة السلع المعروضة للمواطنين ومواجهة كافة أشكال الغش والاحتكار من حيث الجودة والصلاحية، والالتزام بالأسعار إلي جانب تلقي أي شكاوى من المواطنين ميدانيا لفحصها واتخاذ اللازم لمعالجتها.

ويضيف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن جهات الرقابة التموينية  تكثف حملاتها الرقابية على الأسواق يوميا مع اقتراب شهر رمضان، لضبط المخالفين ومحتكري السلع، وإحالتهم إلى جهات التحقيق، مع التحفظ على المضبوطات، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها لصالح حقوق المستهلك، وفقاً للقوانين السارية.