بجهود مكثفة بذلتها أنقرة، جرى التوصل إلى اتفاقية نقل الحبوب عبر البحر الأسود الموقعة في إسطنبول بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، ثم مُدِّدَت أكثر من مرة لمعالجة نقص الغذاء العالمي الذي أنذر بكارثة إنسانية.
لكن مصير الاتفاقية يبدو مهدداً في ظل غموض وتضارب بشأن مدة تمديدها الأخير وتمسك روسيا بضرورة رفع العقوبات الغربية المفروضة على قطاعها الزراعي، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عام.
وعبر الأسئلة الثلاثة التالية، التي أجاب عنها الأستاذ المساعد الدكتور خلوق كيديك أوغلو، عضو هيئة التدريس في جامعتي قونية للأغذية والزراعة وميسوري، يمكن توضيح الملابسات التي قد تحدد مصير الاتفاقية الحيوية للأمن الغذائي العالمي، ولا سيما للدول الأفريقية منخفضة الدخل.
1. هل الاتفاقية في خطر؟
في 22 يوليو/ تموز 2022، وُقِّعَت اتفاقية ممر حبوب البحر الأسود، لمدة 120 يوماً، ثم مُدِّدَت لـ120 يوماً أخرى اعتباراً من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وفي 19 مارس/ آذار 2023، أُعلن تمديد جديد، لكن دون إعلان مشترك موحد لمدته.
وقال مسؤولون أوكرانيون إن الاتفاقية مُددت لمدة 120 يوماً، فيما قال مسؤولون روس إنها مُددت 60 يوماً فقط. ولم يصدر عن تركيا ولا الأمم المتحدة أي بيان في هذا الصدد. ويبدو أنه يوجد خطر على استمرارية الاتفاقية.
وقال مسؤولون روس إن تمديد الاتفاقية لـ60 يوماً بدلاً من 120 يوماً يجب أن يُنظر إليه على أنه مؤشر على أن موسكو ليست راضية تماماً عن الاتفاقية وطريقة تنفيذها. ودعا مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، في مارس/ آذار الماضي، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على بلاده في المجال الزراعي، وأمهلها 60 يوماً للقيام بذلك.
ووفقاً لتصريحات روسية، فإنه على الرغم من إمكانية تصدير منتجات الحبوب والأسمدة الروسية، إلا أن قطاع تصدير المنتجات الزراعية الروسية يواجه صعوبات في العثور على السفن اللازمة للشحن والتصدير وفي المعاملات المصرفية.
وتلك الصعوبة تعود إلى العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا جراء حربها في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022. وهذه العقوبات تسبب لموسكو مشاكل خطيرة في قطاع صادرات الحبوب والأسمدة. واستمرار اتفاقية ممر الحبوب مرتبط بالقضاء على تلك المعوقات المرتبطة بالعقوبات الغربية.
2. ما أهمية الاتفاقية؟
أوكرانيا وروسيا دولتان مهمتان للغاية في قطاع إنتاج وتصدير الحبوب للأسواق الدولية. وتحتل روسيا المرتبة الأولى وأوكرانيا المرتبة الخامسة في تصدير القمح العالمي بحسب الأعوام من 2017 إلى 2021، حيث استحوذ البلدان على 30 بالمائة من إجمالي صادرات القمح العالمية.
وبالمثل، لروسيا وأوكرانيا مكانة مهمة في إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية الأخرى مثل الذرة والشعير وبذور عبَّاد الشمس، كذلك فإن روسيا دولة مهمة جداً للأسواق الدولية من حيث إنتاج الأسمدة وتصديرها.
ومع بداية الحرب الأوكرانية الروسية، حدثت زيادات خطيرة في أسعار الحبوب في الأسواق الدولية، وظهرت مخاطر تتعلق بالأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان التي تعتمد على البلدين في واردات الحبوب، فمثلاً يستورد السودان كل ما يحتاجه من القمح، بينما تستورد مصر 80 بالمئة من روسيا وأوكرانيا.
ولذلك، من المتوقع أن يتأثر الأمن الغذائي للبلدان الأفريقية منخفضة الدخل سلباً بسبب الحرب. وهكذا، تعتبر اتفاقية ممر الحبوب في البحر الأسود ذات أهمية كبيرة من حيث الأمن الغذائي العالمي، وخصوصاً بالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل.
ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، سُلِّم نحو 28.9 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق الدولية. لكن البلدان منخفضة الدخل لم تستفد كفاية من تلك الشحنات، فقد أُرسِل 11 بالمائة فقط منها إلى الدول الأفريقية، فيما استحوذت دول الاتحاد الأوروبي على معظم الكميات المصدّرة.
وتمثل شحنات القمح إلى البلدان الأفريقية بعد إبرام الاتفاقية 20 بالمائة من صادرات القمح قبل الحرب، فيما زادت صادرات القمح إلى دول الاتحاد الأوروبي 14 مرة عقب الاتفاقية.
3. ماذا لو لم تمدد الاتفاقية؟
عدم تمديد اتفاقية ممر الحبوب في البحر الأسود سيشكل تهديداً للأمن الغذائي العالمي على المديين القصير والطويل، وستتضرر الدول الأفريقية التي لم تستفد من الاتفاقية بالقدر المتوقع، وتعاني حالياً من نقص في الغذاء، بينما زادت دول الاتحاد الأوروبي مرتفعة الدخل ودول أخرى وارداتها من الحبوب الأوكرانية.
ولن يؤدي عدم تمديد الاتفاقية إلى وقف إمداد الأسواق الدولية بالحبوب فحسب، بل سيؤثر أيضاً مباشرةً بالإنتاج الزراعي للمزارعين في أوكرانيا، وقد يتخلى المزارعون، الذين يواجهون صعوبات مالية بسبب عدم بيع محاصيلهم، عن زراعة مواسم جديدة، أو قد لا يكون لديهم موارد مالية كافية للقيام بذلك إذا لم تُمدَّد الاتفاقية، بل قد يتركون الإنتاج الزراعي تماماً ويهجرون حقولهم. وهذا الوضع المحتمل قد يعرض الأمن الغذائي العالمي لخطر جسيم على المديين القصير والطويل.
(الأناضول)